الخميس 08/مايو/2025

ذكرى اتفاقية مشؤومة

ذكرى اتفاقية مشؤومة

يوم 13 سبتمبر مرّت الذكرى 19 على اتفاقية أوسلو المشؤومة التي لم تجلب سوى المزيد من الويلات والمصائب والكوارث على شعبنا الفلسطيني. بعد مرور ما يقارب العقدين على توقيعها، ازدادت الاشتراطات الصهيونية تعنتاً على الفلسطينيين والعرب فقط لمجرد القبول “الإسرائيلي” بالتسوية معهم.
ازدادت “إسرائيل” تنكراً للحقوق الوطنية الفلسطينية، وتعاظم الاستيطان بالشكل الذي بات فيه حل ما يسمى بالدولتين مستحيل التطبيق على الأرض، وهذا باعتراف رسمي فلسطيني. لقد أعلن شارون وفاة هذه الاتفاقية بعد إعادة اجتياح القوات الصهيونية للأراضي الفلسطينية في العام 2003. ورغم ذلك فإن السلطة الفلسطينية مازالت متمسكة بها!..
وبالفعل رغم هزال هذه الاتفاقية التي هي أولاً وأخيراً مصلحة “إسرائيلية”، لم تقم “إسرائيل” بتنفيذ معظم بنودها، الأمر الذي يجعلها في حكم المتوفاة فعلياً.لم يبق من مظاهرها غير سلطة فلسطينية ليست أكثر من حكم ذاتي على القضايا الحياتية للسكان، سلطة مجردة من كل أنواع السيادة، ففي ظل استمرار الاستيطان في الضفة الغربية ومصادرة الأراضي وتهويد القدس، وفي ظل رفض حق العودة للاجئين، والاغتيالات والاعتقالات (ما يزيد على سبعة آلاف فلسطيني وفلسطينية أسرى في السجون الصهيونية)، وفي ظل ارتكاب المذابح وحصار غزة، وفي ظل الجدار العنصري العازل الذي يقسم الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة، وفي ظل الإصرار “الإسرائيلي” على أن تكون السيادة في الأرض الفلسطينية بين يدي “إسرائيل” سابقاً والآن، ولاحقاً، والإصرار على إبقاء القوات المحتلة في غور الأردن، والإشراف على المعابر، ولا دولة فلسطينية على حدود العام 1967، ولا انسحاب من القدس (العاصمة الموحدة والأبدية ل”إسرائيل”)، فماذا بقي للفلسطينيين من حقوق ومن الأرض؟ لم يبق لهم سوى 42% من مساحة الضفة الغربية، وهي أيضاً وفي جزءٍ كبير منها مهدّدة بالمصادرة! وبالتالي: ماذا يمتلك الفلسطينيون لإقامة دولتهم؟
كان يوماً أسود يوم توقيع هذه الاتفاقية من قبل القيادة المتنفذة في منظمة التحرير، إذ جرى الاعتراف رسمياً بالدولة الصهيونية المحتلة للجزء الأكبر من الأرض الفلسطينية العام 1948. هذه الأرض المغتصبة التي أنشئت عليها “إسرائيل”، هي أيضاً أرض فلسطينية، أصحابها في جزءٍ كبير منهم، مازالوا يعيشون في الشتات، ومازالوا يحتفظون ب”كواشين” ملكيتهم لأراضيها ومفاتيح بيوتهم في مدنها وقراها.
اتفاقية أوسلو عنت، بأن دولة المستوطنين المغتصبة هي دولة من دول الشرق الأوسط، وهي الدخيلة على هذه المنطقة، بكل المعاني: التاريخية والحضارية والحقوقية، وهي الدولة التي تم إنشاؤها قسراً بعد إجبار ثلاثة أرباع أهلها الأصليين آنذاك على الرحيل إلى الشتات، وبعد قيام “إسرائيل” بمذابح عديدة لهم في أكثر من بقعة جغرافية فلسطينية في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات، واستمرار المجازر ضد الفلسطينيين والعرب منذ ما قبل تلك الولادة المشؤومة ل”إسرائيل”، على أيدي العصابات الصهيونية، وأثناء قيامها، وبعد ذلك، وصولاً إلى اللحظة الراهنة.
اتفاقية أوسلو عنت تنازلاً عمّا يزيد على ثلاثة أرباع المساحة الجغرافية لفلسطين التاريخية، وتنازلاً عن حق العودة، وتنازلاً عن القدس وعن المقاومة المسلحة، وإلغاء كل البنود في الميثاق الوطني الفلسطيني المتعلقة بالكفاح المسلح ضد “إسرائيل”. وعنت أيضاً تأجيلاً للبحث في القضايا الحقوقية الأساسية الفلسطينية، لما يسمى بمفاوضات الوضع النهائي، في ظل وضوح “إسرائيلي” يرفض بالمطلق الاعتراف بكل هذه الحقوق!..
اتفاقية أوسلو عنت: اعترافاً من فئة فلسطينية ولو بطريق غير مباشر، بالرواية “الإسرائيلية” لتاريخ أرض فلسطين، واعترافاً بالأضاليل والأساطير الصهيونية عن الحق التاريخي لليهود على الأرض الفلسطينية، وعنت تنازلاً من هذه الفئة عن التاريخ العربي الفلسطيني لهذه الأرض. شئناً أم أبيناً، هذا هو الواقع في ما يعنيه توقيع هذه الاتفاقيات التي استخدمتها إسرائيل لجر الفلسطينيين إلى المزيد من التنازلات التدريجية عن حقوقهم.
اتفاقية أوسلو عنت إيحاء لدول العالم بأن ثمة حلاً يدور بين الفلسطينيين و”إسرائيل”، وأن الحقوق الفلسطينية ستعود إلى أصحابها، في الوقت الذي ترفضها فيه “إسرائيل”، وتمارس أنواع القمع كافة تجاه الفلسطينيين، وتمارس ذات احتلالها للأرض الفلسطينية وللإنسان الفلسطيني. كما عنت أنه بالإمكان، بالنسبة إلى بعض الدول العربية، توقيع اتفاقيات مع “إسرائيل”. إلغاء الاتفاقيات واجب وطني فلسطيني، يعيد القضية الفلسطينية إلى حقيقتها الأصيلة، ويعيد الصراع الفلسطيني العربي- الصهيوني إلى مربعه الأول. نعم فكل الأرض الفلسطينية من النهر إلى البحر، هي حقنا التاريخي، والمشروع الصهيوني ليس أكثر من مشروع غازٍ سيحمل عصاه على كاهله ويرحل، مثل كل الغزاة الآخرين، وستعود فلسطين التاريخية… عربية، عربية، عربية، ولتذهب اتفاقية أوسلو إلى الجحيم.
صحيفة الخليج الإماراتية  

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات