الأربعاء 07/مايو/2025

التبجح الإسرائيلي وبدعة «اللاجئين اليهود»

التبجح الإسرائيلي وبدعة «اللاجئين اليهود»

في الوقت الراهن، تكاد كل الأوساط والمحافل المنحازة إلى قضية اللاجئين الفلسطينيين، أن تفتقد أية إجراءات تشكل ضغطاً على الجانب الإسرائيلي. ويمثل هذا الفتور الملحوظ تجلياً صادقاً، وإن كان صادماً، لحال القضية الفلسطينية الأم.
لا يعدم الواقع وجود إشارات وإيماءات عن مأساة اللاجئين، تصدر في المناسبات التذكارية الموصولة بالأحداث الفارقة في تاريخ الصراع الصهيوني العربي.. كذلك يحرص بعض الأطراف على توكيد المواقف والقرارات العاطفة على مصير اللاجئين وحقوقهم. لكن هذه اللفتات الدافئة ومثلها تبدو أقرب إلى الطابع الروتيني، وهى لفرط تكراريتها وتقليديتها، ما عادت تؤدي عملياً إلى إزعاج إسرائيل أو توترها.
ومع ذلك فإن الماكينة الإسرائيلية الدبلوماسية والقانونية الدعائية، تحاول بين الحين والآخر إظهار جهوزيتها واستعدادها للتعامل مع ملف اللاجئين. ويعرف الإسرائيليون أن تنحية هذا الملف جانباً، بعيداً عن بؤرة اهتمام المنغمسين في تلمس سبل المصير الفلسطيني برمته لسبب أو آخر، لا يعني زوال أو انعدام حضوره وإلحاحه، بل وخطورته، إلى ما لا نهاية. هم يدركون أن قضية اللاجئين تتعلق بالقوام البشري الإنساني للمأساة الفلسطينية، تماماً كما أن الأرض تعني قوامها الجغرافي، وأن المقدسات الإسلامية والمسيحية تمثل قوامها الروحي الديني.
هذا هو على الأرجح، السبب الرئيسي لسهر بعض المحافل السياسية ومراكز التفكير والبحث الإسرائيلية على مدارسة ملف اللاجئين. وفي غضون السنوات الأخيرة، اتجهت هذه المحافل إلى محاولة استقطاب رأي عام إقليمي ودولي، حول ما أسمته قضية اللاجئين اليهود من الدول العربية. المزاعم الموصولة بهذه الفرية ليست جديدة.. فمنذ نحو خمسين عاماً والجهود الإسرائيلية قائمة لتثبيتها في أذهان المعنيين، بهدف تصنيع اهتمام مواز للانشغال بقضية اللاجئين الفلسطينيين، أو أقله لأجل الخصم من التركيز الدولي حصرياً على هذه القضية.
ضمن أحدث الجهود في هذا المضمار، دراسة صدرت أخيراً عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، ادعت ما يلي:
– إنه بين عامي 1948 و1951 بادرت الدول العربية بتهجير معظم مواطنيها اليهود، إما بالطرد المباشر أو بإجبارهم على المغادرة.
– إن اللجنة السياسية للجامعة العربية أوصت بعد قيام إسرائيل في مايو 1948، باتخاذ إجراءات انتقامية ضد اليهود العرب، كسحب المواطنة منهم ومصادرة أملاكهم وفرض قيود على تشغيلهم في الدوائر الرسمية.
– إن نصف اليهود في إسرائيل اليوم قدموا أصلاً من العالم العربي.
– غادر فلسطين جراء حرب 1948/1949 نحو 600 ألف فلسطيني، مقابل 850 ألفاً من اليهود الذين هجروا من الدول العربية.. ما يعني أن عدد اللاجئين اليهود يفوق عدد اللاجئين الفلسطينيين (كذا!).
بناءً على هذه المعطيات، المصففة بعناية، خلصت الدراسة إلى أنه “ينبغي إبداع حل مشترك، تتحمل الجامعة العربية بمقتضاه مسؤوليتها عن إيجاد قضيتي اللاجئين الفلسطينيين واليهود على حد سواء.. وألا تقبل إسرائيل تطبيق حق العودة الفلسطيني، مع تفضيل أسلوب تعويض الجانب الفلسطيني من لدن طرف ثالث..”.
من الواضح أن القسم الأخير المتعلق بالحلول المتصورة، هو بيت القصيد في هذه الدراسة وما سبقها وما قد يتلوها من أعمال بحثية صهيونية مماثلة.. فبناءً على معطيات مغشوشة وعمليات تدليس والتفافات بهلوانية على وقائع تاريخية، تود إسرائيل أن تذهب قضية اللاجئين الفلسطينيين ضحية مقاصة أو مساومة مع قضية تم ابتداعها وتصنيعها خصيصاً لهذا الغرض.
والشاهد أن مستوى التسطيح وتزييف الحقائق الذي يوشي هذه الدراسة، يبشر الأطراف العربية المعنية مجدداً بقوة موقفهم وجدارة حججهم ودفوعهم، بين يدي أية مقاصد منصفة لتسوية قضية اللاجئين الفلسطينيين.. لا توجد مثلاً أي وثيقة دولية تسوغ إدراج هجرة اليهود العرب إلى إسرائيل أو سواها من الدول، تحت مفهوم اللجوء واللاجئين.
لكن المخاوف تبقى قائمة لدينا من تداعيات هكذا مداخلات صهيونية ملفقة، طالما ظلت العدالة بمعنييها التاريخي والقانوني، بعيدة عن منهجية معالجة هذه القضية.
[email protected]
صحيفة البيان الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات