الأربعاء 07/مايو/2025

صبرا وشاتيلا

صبرا وشاتيلا

ثلاثون عاماً مرّت على المجزرة الأشهر في التاريخ بتوقيع ممهور بالدم الفلسطيني المسفوح على أيدي الصهاينة وعملائهم.
في السادس عشر من سبتمبر/أيلول العام 1982 كان اليوم الأول من مجزرة تواصلت طوال ثلاثة أيام بلياليها، ولم يعرف عنها العالم شيئاً إلا بعد انبلاج فجر اليوم الرابع. القتلة وجدوا الطريق سالكة تماماً إلى المدنيين العزل، فلقد كان مقاتلو الثورة الفلسطينية وبعض قادتها غادروا لبنان للتو بعد الاجتياح التدميري وحصار العاصمة بيروت لتسعة وثمانين يوماً. 

وككل الجبناء، استغل القتلة من الميليشيات العميلة للصهاينة والممولين منهم، غياب أسود المقاومة وهاجموا أشبالها نياماً، وأمعنوا ذبحاً وتقتيلاً بالنساء والأطفال والشيوخ. الصور التي بثتها التلفزة العالمية في اليوم الرابع كانت صدمة لكل صاحب ذرّة من ضمير، كانت تحدياً لقدرة الإنسان على النظر في صور تختزل الإجرام فنوناً لا يتقنها إلا من ينتمون إلى الغابة. 

كل تفاصيل المذبحة كانت بإشراف مباشر من زعيم العصابة الصهيونية المسمى مناحيم بيغن ووزيرها أرييل شارون. وكعادته لجأ الكيان الصهيوني إلى التنصّل من الجريمة بلجنة تحقيق خلصت إلى تحميل أجهزة أمن لبنانية المسؤولية الميدانية المباشرة، والثنائي الإجرامي بيغن – شارون المسؤولية السياسية، في محاولة لإظهار الكيان ك”دولة” تحقق وتحاسب، وأن ما يرتكب من جرائم “أحداث فردية”. 

هؤلاء حين نجحوا في خداع بعض الحكومات والسياسيين الساذجين، انتهجوا السياسة ذاتها ظناً منهم أن هذا التضليل الذي يمكن أن يخدع بعض الناس كل الوقت، وكل الناس بعض الوقت، يمكن أن ينطلي على كل الناس كل الوقت. هل يستطيعون أن يجعلوا العالم ينسى ما اقترفته أيديهم من مذابح في فلسطين ولبنان ومصر؟ أرشيفهم لن تمسحه الأكاذيب والأباطيل، ولن تتلاشى بفعل الزمن عناوين كتبت بالدم في دير ياسين، تلك القرية الوادعة التي ذبح الصهاينة معظم أبنائها، وفي كفر قاسم حين ذبحوا المزارعين العائدين من أراضيهم مساء في موسم الزيتون، وفي الطنطورة التي قتلوا من أبنائها مئتين وخمسين بدم بارد، وفي الدوايمة حيث لم يبق فيها بيت من دون شهيد، وفي السموع ونحالين، وليس أخيراً مجزرة غزة الأشد إجراماً في السنوات الأخيرة حين حوّلت “إسرائيل” أطفال غزة إلى حقل تجارب لقذائف الفوسفور الأبيض المجرّم دولياً، وقصفت مكتباً للأمم المتحدة ومدرسة تابعة لوكالة غوث اللاجئين. 

لن يستطيع الصهاينة منع ذوي الضمائر في العالم من تذكّر مجازرهم في لبنان، ومنها قانا مرتين، أولاهما قصف مقر للأمم المتحدة لجأ إليه الأطفال والنساء والشيوخ، وثانيهما في عدوان يوليو/تموز الذي دمّر نصف لبنان فوق رؤوس سكّانه بإسقاط ما يفوق في قوته التدميرية القنبلتين النوويتين اللتين أسقطتهما الولايات المتحدة على هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في الحرب العالمية الثانية. 

لن تستطيع “إسرائيل” أن تشطب من صفحاتها السّود قتلها الجنود المصرين بعد أسرهم، ودفن بعضهم أحياء في رمال سيناء، ولا مجزرتها المروعة بحق الأطفال المصريين في مدرسة بحر البقر حين قصفتها بلا أدنى احترام لإنسانية البشر قبل قوانينهم، ولا مجزرتها في مدينة حمام الشط التونسية. 

شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا الذين تجاوز عددهم ثلاثة آلاف لاجئ سيبقون شهوداً على بربرية العصر “الإسرائيلي” المزدهر لا بفعل مقوّمات داخلية تطيل حياته، بل بفعل عصر عربي مهترئ من قذال شعر الرأس حتى أخمص القدمين، ومجتمع دولي يفتح عيناً على كل شيء في دول لا تروق للغرب، ويغمض الأخرى عن أي شيء تفعله “إسرائيل”. 

لكن مهما طال الزمن، فإن دماء الشهداء ستبقى عاراً يلطخ جبين القتلة والمتواطئين، وشبحاً يلاحقهم في نومهم وقيامهم، لأن التاريخ لا ينسى ولا يسامح ولا يرحم. 
…………….
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

إصابة 4 مستوطنين بعملية إطلاق نار قرب جنين

إصابة 4 مستوطنين بعملية إطلاق نار قرب جنين

جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 4 مستوطنين عصر اليوم الأربعاء، في عملية إطلاق نار استهدفت سيارة قرب مدينة جنين، قبل أن ينسحب منفذ العملية من...