الثلاثاء 06/مايو/2025

السباق نحو البيت الأبيض

السباق نحو البيت الأبيض

بعد أن حسم الحزبان الجمهوري والديمقراطي أمر مرشحيهما للانتخابات الرئاسية الأمريكية بدأت الجمعة قبل الماضية رسمياً الحملة الانتخابية بين الجمهوري ميت رومني والديمقراطي الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما الذي يخوض المنافسة في جولة رئاسية ثانية في السباق نحو البيت الأبيض.
الحزبان مبكراً رميا بثقلهما كل إلى جانب مرشحه وبدا كل منهما في استنفار لكامل إمكاناته ووسائله تجاه الرأي الانتخابي الأمريكي في معركة اختلطت فيها المنافسة الديمقراطية المعتاد أنها تدور تجاه الناخبين من خلال الطروحات البرامجية بشأن القضايا الداخلية الاجتماعية والاقتصادية والخدمية، والقضايا الخارجية التي تهم الولايات المتحدة بالنسبة إلى عالمنا لتصير المواجهة أقرب إلى العدائية منها إلى التنافسية.
الحملات المبكرة بدأت من خلال الانتقادات اللاذعة والاتهامات المتبادلة والانتقامات في اصطياد كل طرف الثغرات والهفوات لدى الطرف الآخر، كما لو أن كل طرف لا يخوض معركة مصيرية أو المنافسة الأولى والأخيرة، بل بلوغ حال الإجهاز على منافسه في توجهاته ووجوده، وتلكم هي واحدة من مظاهر الأزمة الأمريكية المتداعية، وهي لا تأخذ في هذا المجرى حرارة وسعة التنافس، بل شدة وحدّة المواجهة المفتوحة على هاوية الانقسام بمخاطره الكارثية.
في المعركة المبكرة يراهن كل منافس أو بالأصح كل طرف، على عضلات لسان خطابه، وهذه ستشتد خلال الأسابيع والأيام المقبلة حتى محطة الاقتراع التي ستجري في نوفمبر /تشرين الثاني المقبل لتحط أوزارها مع لحظات إعلان النتيجة. بين المتنافسين اختلافات عديدة هي في الأغلب تميل لمصلحة أوباما بجاذبيته وطلاقة لسانه وحسن اختياره العبارات المؤثرة، وإثارة القضايا التي تهم الناخبين، غير أن المشترك بينهما أن رومني غير قادر على التخلص من تركة أسلافه من الرؤساء الجمهوريين، وهي تركة ثقيلة بأعبائها على السواد الأعظم من الشعب الأمريكي في معاناة كبيرة، وعلى أمريكا في أزمات غزوات وحروب استعمارية باتت استنزافية بخسائر جسيمة، في المقابل فإذا كان أوباما تلافى الأسوأ في الأوضاع وخاصة الاقتصاد والبطالة، فإنه فشل في تحقيق ما كان وعد به من آمال عظيمة وتغييرات جوهرية لإعادة بناء أمريكا الجديدة.
وبين التركة والفشل باتت هذه العملية في الحياة الأمريكية معقودة على الانتظار حتى اللحظة الأخيرة، وبعد أن اختلت قاعدتها الاستئثارية للبيض بمفاجأة فوز باراك أوباما المواطن الأمريكي المنحدر من أصول إفريقية في انتخابات 2008، ما يعني أن هذا الانقلاب الاجتماعي يسمح بتوقع مفاجآت انتخابية، وهذه المرة ستكون سياسية في حال نجاح أي من المرشحين لأن أحداً حتى الآن غير قادر على مجرد توقّع  النتيجة.
للسباق الانتخابي الرئاسي الأمريكي خصوصية ظلت لعقود مديدة ثابتة وكانت تتمثل في أن طرفي المنافسة يمثلان وجهي عملة واحدة، كانا يتنافسان على تقديم وعود للناخبين، وهما متفقان على أن السياسة الأمريكية الخارجية لا تتغير من جراء هذه الانتخابات، وإنما هي تشهد اختلافاً في الأساليب والوسائل الهادفة.
لكن زمن الثبات الذي استمر في ظل عافية الرأسمالية بدأ يشهد تغيراً. وراهناً خصوصية هذا السباق باتت تتمثل داخلياً في أن الحزب الديمقراطي يحظى بالتفاف واسع في أوساط العمال والأطباء والممرضين والفئات المهمشة والملونين، وفي أوساط الشباب الذين كانوا القوة الحاسمة لمناصرة أوباما في انتخابات 2008، وهؤلاء المهنيين والمثقفين والأهم الفقراء الذين يعزون بؤس أوضاعهم إلى عدم ترجمة وعود الديمقراطيين عن العدل والمساواة، إلى أعمال مثمرة.
في الجانب الآخر يتكئ الحزب الجمهوري على الأغنياء وعلى اليمين الديني المتعصب، وإذا كانت الحياة السياسية الأمريكية محكومة بتأثير أجهزة المخابرات والبنتاغون والمؤسسات المالية والوسائط الإعلامية، فإن سباق المتنافسين إلى البيت الأبيض لا يدور على تحفيز الأنصار والتأثير في المعارضين وحسب، بل إن هذا السباق يجري من قبل الديمقراطيين تجاه الشريحة التي لم تحسم أمرها بعد أكان في ولايات أم قطاعات أم فئات، وسباق الجمهوريين لا يتجاهل هذه الشريحة بل يذهب إلى التأثير في أنصار الديمقراطيين لكبح حماستهم والتقليل من تحشيد مشاركتهم في التصويت، في اتجاه جمهوري لمواجهة الالتفاف الانتخابي الجماهيري للديمقراطيين.
أما خارجياً فاللافت أن المتنافسين يتسابقان على تقديم الإرضاء والاسترضاء ل”إسرائيل”، من ذلك المرشح الجمهوري الذي كان بادر في أثناء زيارته مؤخراً إلى “إسرائيل”، إلى إعلان القدس عاصمة “إسرائيل”، ليذهب المرشح الديمقراطي إلى أبعد من ذلك في طلبه إدخال هذا الموضوع في البرنامج الانتخابي لحزبه الذي يخوض في ضوئه منافسته في الانتخابات الرئاسية.
والأمر هنا لا يعني قوة اللوبي الصهيوني في الحياة السياسية الأمريكية، بل السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وفي الأساس حقوق الشعب الفلسطيني وقضية الحل العادل والسلام الدائم الذي يهم شعوب المنطقة وعالمنا بأسره. على أن التوافق والتطابق والتسابق تجاه “إسرائيل” لم يعد يمثل العنوان الشامل للسياسة الأمريكية الخارجية، والأدل على هذا أن أوباما قال “لا نصف روسيا بأنها العدو الأول وليس القاعدة، إلا إذا كنا متحجرين في عقلية الحرب الباردة”، في إشارة إلى تصريحات رومني عن روسيا. وفي دلالة إلى عمق الخلافات على هذه السياسة قال أوباما “قال خصمي إن وضع حد للحرب في العراق كان كارثياً، لكنه لم يقل لنا كيف ينوي وضع حد للحرب في أفغانستان”.
السباق الانتخابي الرئاسي الأمريكي بدأ، وهو مفتوح على متغيرات غير عادية، لكن الثابت يبقى أمريكياً حماية ودعم الكيان الصهيوني وتجاهل الحقوق والإرادة العربية.
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات