الثلاثاء 06/مايو/2025

الفلسطينيون إذ يتقدم نضالهم الاجتماعي

الفلسطينيون إذ يتقدم نضالهم الاجتماعي

ثمة حدث فلسطيني جديد مثقل بالدلالات، وقابل لتأويلات متنوعة، لكنه في الحالات كافة، يعكس مأزقاً سياسياً شاملاً مركباً متعدد الأوجه يعيشه الفلسطينيون بعامة منذ سنوات، ما يعني أنّ تفاقم أزمة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في الأراضي المحتلة العام 1967، إلى حدّ خروج سكان مدن الضفة إلى الشوارع محتجين على تزايد نسب البطالة، وارتفاع نسب الضرائب، وتصاعد نسب الغلاء، لا يعدو كونه تجلياً لواحدة من أزمات ماانفك هذا المأزق يُنتجها.
لكن جديد هذه الأزمة بالذات، إنما يتمثل في انفجارها في وجه قيادة السلطة الفلسطينية في الضفة، أي تقدم الاجتماعي على الوطني، بينما ثمة أوضاع اقتصادية ومعيشية أكثر بؤساً وقسوة يعانيها سكان غزة، ويخطئ كل من يستبعد احتمال انفجارها بذات الطريقة، وربما بصورة أشد مما وقع في الضفة. على أية حال، في عداد البديهي التأكيد أن تصاعد استباحات الاحتلال “الإسرائيلي” لأرض فلسطين وحقوق شعبها وتطلعاته، يشكل السبب الأول المباشر والأساسي لمعاناة الفلسطينيين داخل الوطن وخارجه، وعلى المستويات كافة، بينما تتحمل الولايات المتحدة القائدة لتحالف الدول الاستعمارية الغربية مسؤولية، مباشرة عن هذه المعاناة، ذلك ليس فقط أنها الراعي الثابت لهذا الاحتلال وتصاعد عدوانيته وتوسعيته واستباحاته، بل أيضاً لأنها صاحبة النظرية الاقتصادية الليبرالية الجديدة ووليدها إمبراطورية رأس المال الاحتكاري المعولم الناهب لثروات شعوب البشرية وتجويف استقلالها وسيادتها واحتجاز تطورها وإفقارها واستشراء البطالة والتجويع والجهل والتخلف في أوساطها.
وأكثر، فإنه ليس تجنياً القول إنّ ثمة قسطاً كبيراً من المسؤولية عن تفاقم معاناة الفلسطينيين وتهميش قضيتهم، يقع على عاتق تقاعس الأنظمة الرسمية العربية عن القيام بواجبها القومي تجاههم، ولاسيما منذ انطلاق الحراك الشعبي العربي وتحولاته العاصفة التي قادت إلى زيادة انشغال هذه الأنظمة، بما في ذلك الجديد منها، بمشكلاتها الداخلية. لكن كل هذا لا يلغي حقيقة أن النخب السياسية الفلسطينية تتحمل قسطاً وافراً من المسؤولية عن معاناة شعبها، وانفجار ما تخلقه من أزمات في وجهها.
* أما لماذا؟
فلأن على هذه النخب ألا تستغرب أن تقدم الحالة الشعبية بمطالبها المشروعة، الاجتماعي على الوطني، مادام أن هذه النخب، (كقيادة)، تمعن بانقسامها واحترابها في تقديم الفئوي والفصائلي والجهوي، بل والشخصي أحياناً، على الوطني، بينما تستمرئ في تشخيصها، وبالتالي في علاجها لما آلت إليه حالة النضال الوطني الفلسطيني، التهرّبَ من إجراء تشخيص دقيق لهذه الحالة، وتصرّ على توصيفها بالأزمة وليس بالمأزق خالطة بذلك، سيان بوعي أو بجهالة، بين هذا وذاك إلى درجة اعتبارهما مترادفين، فقط لمجرد أن كليهما يعبر عن مشكلة، بينما الحقيقة ليست كذلك، بحسبان أن الأزمة هي وصول طريق مفتوح إلى مصاعب تحتاج إلى حلّ أو إدارة بانتظار حل، أما المأزق فهو دخول في طريق مسدود لا حل له، ولما يخلقه من أزمات، إلا بالعودة عنه وتغييره، وهذا هو بالضبط التشخيص الدقيق لما بلغه نضال الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني، خلافاً لرؤى المتمسكين بخيار التعاقد السياسي لاتفاق “أوسلو” بملاحقه، (بل بإملاءاته)، الأمنية والاقتصادية، والممعنين في تعميق ما تسبب به من انقسام داخلي، يتقاسم طرفاه، قيادتا منظمة التحرير و”حماس”، فتاتَ “سلطة” انتقالية شكلية تحت الاحتلال وسيطرته التامة، بكل ما يفرضه ذلك عليهما من التزامات سياسية وأمنية واقتصادية ثقيلة لا يمكن مواجهتها، أو قذف ما تخلقه من أزمات في وجه الاحتلال، من دون استعادة وحدة الصف الوطني، كشرط لازم للتخلص من هذه الالتزامات، وإنْ بتدرّج، وبمعزل عن شكل القيام بذلك.
عليه، لست أدري لماذا، وإلى متى، يستمر طرفا تقسيم وتقاسم “السلطة” الفلسطينية، في تغييب حقيقة أن انفجار غضب شعبهما في وجههما، وليس في وجه الاحتلال، المسؤول الأول عن معاناة هذا الشعب، إنما يعود في أحد أسبابه إلى:
1- إغفالهما لحقيقة أن الشعب الفلسطيني مازال يعيش مرحلة تحرر وطني، برغم نشوء “سلطة فلسطينية انتقالية” انتهى عمرها الزمني في مايو/ أيار 1999، ولم يتبق من صلاحياتها عملياً سوى اسمها والتزاماتها السياسية والاقتصادية والأمنية الجائرة والثقيلة.
2- تجاهلهما لحقيقة أن إطالة أمد انقسامهما العبثي، ليس في مصلحة شعبهما، ولا حتى في مصلحة أي منهما، وأنه، إنما يشكل ربحاً صافياً للاحتلال، ويشجع أكثر حكوماته تطرفاً على التمادي في استباحاتها الميدانية المتصاعدة، وفي تنفيذ خطتها السياسية لتهميش القضية الفلسطينية على طريق تصفيتها.   
يحيل ما تقدم إلى أهمية، واستراتيجية، ومركزية، إعادة نظم الشعب الفلسطيني ونضاله الوطني في إطار استراتيجية سياسية موحدة، وتحت قيادة وطنية واحدة، وفي مؤسسة وطنية جامعة، الأمر الذي لا يكون إلا باستعادة ائتلاف أطراف حركة التحرر الوطني الفلسطيني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية التي لم يفضِ استخدام قيادتها لها، فضلاً عن منافسة قيادة “حماس” لها، وتنكرها لإنجازاتها وتاريخها النضالي المديد، إلا إلى وصول مشروع النضال الوطني إلى مأزقه الشامل والمركّب الذي يعكس في ما يعكس، تدني جدية أطراف حركة التحرر الوطني الفلسطيني، وعدم إقرارها بتنوع مشاربها الفكرية وبرامجها السياسية، وتشوه وعيها بأهمية الربط بين الوطني والديمقراطي الاجتماعي من النضال.
إذ لئن كان من الطبيعي ألا تمنع ضرورات الوحدة السياسية والمجتمعية الفلسطينية ضد الاحتلال “الإسرائيلي”، التنافس الديمقراطي على قيادة إدارة الصراع معه، فإنه من غير الطبيعي، تحويل هذا التنافس إلى حالة من تقديم الفئوي والفصائلي على الوطني، (الانقسام)، بما يسهم في دفع الطاقة الشعبية المضغوطة باستباحات الاحتلال السياسية والميدانية المتصاعدة، والمثقلة بهموم الفقر والبطالة وغلاء الأسعار، نحو فقدان التوازن المطلوب بين الوطني والاجتماعي من النضال. فهل تعي قيادتا منظمة التحرير و”حماس” ما يحيق بهما وبالمشروع الوطني لشعبهما من خطر داهم؟
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات