أسئلة إسرائيلية قَلِقَة

تعيش نخب الحالة الفكرية “الإسرائيلية” الصهيونية نقاشاً محتدماً يتعلق بالمستقبل وآفاق التحولات الجارية في البيئة الإقليمية وفي العالم ككل. فقد أمسى الحديث عن مستقبل “كيان إسرائيل” عنواناً حاضراً بشكل استثنائي لأول مرة وسط كل مظاهر القوة والبطش والغطرسة التي تمارسها “إسرائيل” ضد الشعب الفلسطيني وعموم المنطقة. حيث بات الكثير من اليهود يعتقدون أن مستقبل “إسرائيل” ومكانها في الشرق الأوسط أصبح على محك التساؤلات كما لم يكن لعدة أجيال، ولسان حالهم يقول: هل ستبقى الدولة اليهودية على قيد الحياة؟ وبأي ثمن؟ وبأي هوية؟ وهل يمكنها أبداً أن تعرف السلام ؟.
ومن الطبيعي القول بأن مرد هذا الانتقال في منحى التفكير المستقبلي عند النخب “الإسرائيلية” الصهيونية يعود لجملة من الأسباب المنطقية التي فرضت نفسها على أرض الواقع. فالثقة بمستقبل “إسرائيل” تتراجع الآن في صفوف قطاعات هامة من الأنتلجنسيا والنخب “الإسرائيلية”، بالرغم من التناقض الظاهري بين قوة آلة “إسرائيل” العسكرية والمخاوف على مستقبلها، ففي حين أن الآلة العسكرية “الإسرائيلية” نفسها أقوى من أي وقت مضى، فان ديناميات التحولات الجارية في المنطقة لجهة ما يجري في بلداننا من حراكات وهبات وثورات شعبية، ونهوض الشعب الفلسطيني وثباته فوق أرضه جعل من فكرة “إسرائيل” ومستقبلها عرضة للسقوط أكثر من أي وقت مضى منذ خمسينيات من القرن الماضي.
وعليه ليس غريباً أن يقول واحد من غلاة الصهاينة، هو الجنرال شاؤول موفاز القائد الجديد لحزب كاديما الصهيوني، ورئيس الأركان “الإسرائيلي” أثناء عملية السور الواقي التي جرت ضد الفلسطينيين أثناء حصار الرئيس الراحل ياسر عرفات “إن الحرب التي تخوضها إسرائيل اليوم أهم لمستقبلها من حرب الاستقلال عام 1948” والذي يعنيه الجنرال موفاز بهذه الحرب ما يجري من تصادم بين المشروع الوطني التحرري العادل للشعب الفلسطيني والمشروع الصهيوني.
كما ولا يخفي الجنرال شاؤول موفاز قوله بأن الحرب ضد الفلسطينيين تعتبر حرب تأمين ركائز (الدولة الصهيونية) التي تتعرض كما قال ولأول مرة منذ تأسيسها للمخاطر. فالدولة التي قامت على العسكرة من أول يوم في حياتها، أصبحت تعاني من ظواهر مختلفة منها على سبيل المثال تزايد حالات الهروب من الخدمة العسكرية، وهي ظاهرة تشهد تصاعداً في “إسرائيل” بمعدلات غير مسبوقة في مجتمع قام على العسكرة، حتى أن رئيس أركان الجيش “الإسرائيلي” السابق الجنرال غابي أشكنازي قال في خطاب ألقاه في مقر سلاح الجو “الإسرائيلي” في هرتزليا “إن ظاهرة التهرب من الخدمة العسكرية تنهش المجتمع والجيش في إسرائيل”.
وعاماً بعد عام تتصاعد معدلات القلق داخل المجتمع الإسرائيلي فهذا الجنرال (موشيه يعلون) الذي كان يشغل منصب رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي، وقائداً أمنياً بارزاً، والذي امتدح قدرة ما أسماه “الشعب الإسرائيلي” على الصمود في الصراع الدائر مع الفلسطينيين، اضطر في تصريحات علنية إلى الاعتراف بأن قدرة المجتمع “الإسرائيلي” على الصمود محدودة للغاية، بل وأقرّ بصواب نظرية المقارنة بين خيوط العنكبوت ودولة “إسرائيل”.
إن الاستنتاج الأساسي يقودنا للقول بأن مستقبل الكيان الصهيوني في المنطقة بات موضع تساؤل على المدايات البعيدة نسبياً، في بيئة عالمية متغيرة تشهد كل يوم إرهاصات توالد عالم متعدد الأقطاب، وانحسار النفوذ الأميركي والغربي عن الشرق الأوسط، وفي لحظات يموج بها الشارع العربي وتعلو بها أصوات الناس التي كانت في الماضي نسياً منسياً من قبل حكامها…؟
إن “دولة إسرائيل” الصهيونية، وبحكم نشأتها الطارئة والملتبسة، ككيان استعماري/ “استيطاني” أوجدها الغرب امتدادا لمصالحه وسياساته في المنطقة كـ “دولة وظيفية”، وبحكم تكوينها الإثني/القومي، تجد نفسها اليوم أمام تحولات داخلية عميقة من حين لأخر، تكتسي كل يوم أثواباً جديدة من الحراكات التي تبشر بانحسار المشروع الصهيوني نهاية المطاف، وانسداد الأفاق أمام المشروع الصهيوني الذي بشر به وعمل من أجله تيودور هرتزل وفلاديمير جابتونسكي وديفيد بن غوريون. فإسرائيل المنتعشة بروح الغطرسة وهي في ذروة قوتها وتجبرها وتفوقها وقوتها العسكرية والاقتصادية واحتكارها السلاح النووي، لم تكن قلقة على مستقبلها ومكانتها بقدر ما هي عليه اليوم. حيث تعيش الأوساط الصهيونية ونخبتها الحاكمة وخاصة المؤسسة العسكرية حالة من الأرق والخوف من المستقبل الآتي.
وتتصاعد حالة الأرق والخوف مع المتغيرات التي تقع كل يوم بالنسبة لتراجع ميزان الهجرة الاستيطانية التوسعية إلى فلسطين عما كانت عليه بالنسبة لسنوات مادية، ومع تراجع شعور الانتماء لدى اليهود الجدد الذين أتوا إلى فلسطين في موجات الهجرة الأخيرة من دول الاتحاد السوفييتي السابق تنامي ظاهرة التباينات الطبقية والإثنية بينهم، إضافة لتراجع الانشداد العاطفي من قبل يهود العالم تجاه إسرائيل، فضلاً عن تحولات الميزان الديمغرافي على أرض فلسطين التاريخية مسنوداً بتواصل الكفاح الوطني الفلسطيني.
من هذا المنطلق فان الزعيم الصهيوني التاريخي ناحوم غولدمان لم تفته مقولة بن غوريون وهو يكتب مقالته التي نشرها في مجلة “الفورين أفيرز” سنة 1975، إذ نبه غولدمان إلى أنه “لا يوجد لإسرائيل مستقبل على المدى الطويل دون تسوية سلمية مع العرب”، واعترف بأن “مطالبة الصهاينة بدولة يهودية، تتعارض بشكل تام مع إمكانية البقاء على المدى البعيد”. كما نستذكر رفض ألبرت اينشتاين عالم الفيزياء اليهودي الأوربي وصاحب النظرية النسبية عرض دافيد بن غوريون له بأن يكون أول رئيس لإسرائيل حين إعلانها العام 1948واصفاً هذه الدولة بأنها ستقود يهود العالم إلى الكارثة.
* كاتب فلسطيني/دمشق/ عضو اتحاد الكتاب العرب
صحيفة الوطن العمانية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: قرار برلمان بروكسل تمكين للعدالة الدولية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أشادت حركة حماس بقرار برلمان بروكسل مطالب الحكومة الفيدرالية بتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية...

القسام يشتبك مع قوة صهيونية ويجهز على سائق آلية عسكرية شرقي غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اليوم الثلاثاء، الاشتباك مع قوة هندسة صهيونية، والإجهاز على سائق آلية...

470 ألف فلسطيني بغزة قد يواجهون جوعاً كارثياً من المرحلة الخامسة حتى سبتمبر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام رجح تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي إن يواجه 470 ألف شخص في قطاع غزة، جوعاً كارثياً (المرحلة الخامسة...

شهيد بقصف مسيّرة إسرائيليّة دراجة نارية في جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شخص، اليوم الثلاثاء، إثر قصف من مسيّرة إسرائيليّة على بلدة حولا جنوبيّ لبنان، في استمرار للخروقات...

الصحة تعلن ارتفاع عدد ضحايا الإبادة بغزة إلى 52908 شهداء
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، اليوم الثلاثاء، ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 52908 شهداء و119721 مصابا منذ 7 أكتوبر/...

أمن السلطة يقتل الشاب رامي زهران في مخيم الفارعة
طوباس - المركز الفلسطيني للإعلام قتلت عناصر أمن السلطة، الشاب رامي زهران بإطلاق نار مباشر -اليوم الثلاثاء- في مخيم الفارعة شمال الضفة الغربية....

الأمم المتحدة: عدد الوجبات اليومية المقدمة في غزة تراجع بنسبة 70%
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إن عدد الوجبات اليومية المقدمة للفلسطينيين في قطاع غزة انخفض هذا...