الثلاثاء 13/مايو/2025

أوسلو بعد 19 عاماً

أوسلو بعد 19 عاماً

تسعة عشر عاماً بالتمام والكمال مضت منذ وقّعت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو مع الكيان الصهيوني في الثالث عشر من سبتمبر/أيلول عام 1993. لكن هذه الذكرى تأتي هذه الأيام في ظل احتجاجات فلسطينية واسعة لأول مرة ضد أهم تجليات ذلك الاتفاق، ممثلاً بفرعه الاقتصادي المسمى اتفاق باريس.
إذا أخذنا بدوافع الفلسطينيين الذين يخرجون إلى الشارع يهتفون ضد الغلاء، ويطالبون بتمزيق اتفاق باريس الاقتصادي، بل والاتفاق الأم “أوسلو”، يمكن اعتبار هذه الحالة الساخنة الأولى التي تستهدف ذلك الاتفاق والحكومة التي جاءت كإحدى إفرازاته.
الوضع الاقتصادي المتردي للفلسطينيين ليس المظهر الوحيد لفشل مشروع التسوية برمته، بل هناك بالأساس الفشل السياسي الذي ينطبق على كل ما يتعلق بالمسائل الجوهرية التي تشكّل القضية الفلسطينية، حتى في طبعتها الانتقالية التي تضمنها الاتفاق الذي أطلق عليه مسمى “إعلان المبادئ” للإيحاء أن الباب ما زال مفتوحاً لاستكمال القضايا الرئيسية، وذلك من أجل الالتفاف على أي رفض للاتفاق وبالتالي تمريره.
النتيجة الأشد بروزاً التي أفضى إليها اتفاق أوسلو كانت إنشاء السلطة الفلسطينية بدءاً بقطاع غزة ومدينة أريحا، ومن ثم تم توسيع التنفيذ لتشمل مناطق في الضفة الغربية صنّفت أبجدياً، حيث استحدثت مناطق “أ” وأخضعت لسيطرة السلطة الفلسطينية أمنياً وخدمياً، ومناطق “ب” تحت إشراف السلطة خدمياً و”إسرائيل” أمنياً، ومناطق “ج” التي أبقيت تحت السيطرة المطلقة للاحتلال، وهي الأوسع باعتبارها تشمل كل المناطق خارج المدن والتجمعات السكنية.
يمكن اعتبار غياب الربط بين الحَلَّيْن الانتقالي والنهائي، الخطأ الأساسي للاتفاق، ذلك أن “إسرائيل” أصرّت على عدم بحث أي من القضايا الرئيسة مثل حدود الدولة والاستيطان والقدس واللاجئين، وفرضت صيغة “تأجيل بحث” هذه القضايا إلى مفاوضات نص الاتفاق على إطلاقها بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية (1995).
كان المرحوم حيدر عبدالشافي، أول رئيس للوفد الفلسطيني المفاوض، متمسّكاً بالربط بين المرحلتين، الانتقالية والنهائية، بمعنى أن يكون التأجيل لأي قضية لتنفيذ حل متفق على تفاصيله مبدئياً، وليس تأجيلاً للبحث. لكن “إسرائيل” التي لم تكن تبطن أي نوايا حقيقية لإيجاد حل سياسي تسووي، أصرّت على عدم إعطاء أي تعهّدات تتعلّق بطبيعة الحل الذي يمكنها أن توافق عليه. كان واضحاً أنها تسعى لإجهاض الانتفاضة التاريخية التي وضعت القضية الفلسطينية في بؤرة اهتمام العالم كله، ووضعت في الوقت ذاته “إسرائيل” في زاوية حرجة من الناحية الأخلاقية والسياسية، واستنزفتها اقتصادياً.
بعد تسعة عشر عاماً على اتفاق قاد إلى انقسام فلسطيني مزمن، لم تكتف “إسرائيل” بعدم المضي قدماً باتجاه المرحلة الانتقالية، بل أعادت احتلال المناطق التي أقيمت عليها السلطة الفلسطينية “أ” في عملية اجتياح استخدمت فيها للمرة الأولى منذ حرب يونيو/حزيران، دبابات وطائرات حربية. أما القضايا الرئيسة التي لم تمسّها عملية التسوية، فقد ذهبت “إسرائيل” بعيداً في مسار تصفيتها نهائياً، فتهويد القدس يجري على قدم وساق، والاستيطان متواصل وزاد بنسبة كبيرة خلال عملية التسوية نفسها، وقضية اللاجئين تكاد تصبح منسية تماماً فلسطينياً وعربياً.
مهما يكن من أمر، يجب التذكير ببديهيات تاريخية أفرزتها تجارب الشعوب ولم يظهر ما يشذ عنها. هذه البديهيات تقول إن أي مفاوضات هي بالأساس انعكاس لموازين القوى على الأرض. ورغم أن الانتفاضة الفلسطينية الكبرى كانت مشروع تعديل إلى حد كبير لموازين القوى، إلا أن الاستثمار المتسرّع لها، أفضى إلى إجهاضها من دون أن يحقق الفلسطينيون أي نتيجة سوى تقديم التنازلات المجانية. وإذا استمرت المفاوضات ك “خيار استراتيجي”، لن  يجد الفلسطينيون بعد بضع سنوات ما يتفاوضون عليه.
[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات