الخميس 08/مايو/2025

بعد أن طفح الكيل

بعد أن طفح الكيل

لم تمر على الشعب الفلسطيني في العصر الحديث أوضاع اقتصادية وسياسية أسوأ من التي يعيشها هذه الأيام، ما جعلته يخرج إلى الشوارع طالباً الحياة الكريمة، رافضاً سياسة التجويع والإفقار التي تمارس عليه.
المشاهد التي برزت في جميع مدن الضفة الغربية بلا استثناء أظهرت أنه طفح كيل الشارع الفلسطيني من سوء أوضاعه المعيشية هذه بعد أن بات رهين القروض والديون والرواتب المتأخرة والمتقطعة، ما جعله يخرج ليقول كلمته “لا للتجويع” بعد أن وصلت المساومة إلى لقمة عيشه.
بالتأكيد، إن الاحتلال “الإسرائيلي” هو المسؤول الأول والأخير عن إيصال الفلسطينيين إلى هذه الأوضاع المأساوية، لكن ذلك لا ينفي أن السلطة الفلسطينية هي المسؤول المباشر عن تردي الأوضاع الاقتصادية من جراء ضعف الرواتب وزيادة الضرائب ورفع أسعار السلع الأساسية والمحروقات، لذلك فإن السلطة هي الواجهة السياسية للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة وهي المسؤولة عن سياساتها التي أدت بالفلسطينيين إلى هذه الهاوية وحولتهم إلى مجرد أفواه فاغرة تتنظر ما يلقى إليها من فتات ومما تبقى من رواتب بعد أن تقتطع البنوك حصة الأسد منها.
ما تسوقه السلطة من مبررات للغلاء الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية تجعل المرء يفقد صوابه، فاتفاقية باريس التي تمثل الملحق الاقتصادي لاتفاق أوسلو، تربط الاقتصاد الفلسطيني ب”الإسرائيلي” بشكل وثيق على الصعد كافة، بحيث ترتفع أسعار السلع بشكل تلقائي في الأراضي المحتلة عند رفعها في الكيان. وهنا ينبغي أن تكون لنا وقفة مطولة، لأن المستوى المعيشي لدى الفلسطينيين أقل بأضعاف عدة منه في “إسرائيل”، وخط الفقر لدى السلطة محدد ب1200 شيكل (300 دولار)، فيما هو في “إسرائيل” 4200 شيكل، ومتوسط الرواتب لديها يزيد نحو أربعة أو خمسة أضعاف عنه في الأراضي الفلسطينية، هذا فضلاً عما يقدم من خدمات ل”الإسرائيلي” مقابل ضرائب تتقاضاها حكومته، أما ما يتقاضاه الفلسطيني من راتب يذهب هباء منثوراً في تسديد الفواتير والقروض المتعددة للبنوك، ما يجعله بلا أي مال يسيّر به أموره حتى نهاية الشهر.
من هنا، فإن على السلطة مراجعة الاتفاقات المبرمة مع “إسرائيل” والمجحفة بحق الشعب الفلسطيني بعدما أصبحت تمثل عبئاً يثقل كاهله، وإعادة دراستها من جديد والضغط لتعديلها لتتماشى مع المصلحة الفلسطينية، خاصة أن الفلسطينيين نفذوها بحذافيرها، فيما أدارت “إسرائيل” ظهرها لها باستثناء ما وضعته أصلاً ليصب في مصلحتها.
وعلى الجانب الآخر أن تتعلم السلطة من أخطائها بعد أن همشت قطاعات حيوية في الاقتصاد الفلسطيني كان لها أن تلعب دوراً مهماً في خلق تنمية حقيقية وتقلل نسبة البطالة، كالزراعة مثلاً، كون الأراضي الفلسطينية تضم مساحات واسعة صالحة للزراعة حيث التربة الخصبة، إضافة إلى أن المجتمع الفلسطيني بأغلبيته زراعي، لكن هذا القطاع همّش وعانى المزارعون من فقدان الدعم وتعزيز صمودهم في وجه الاحتلال، ما حملهم على ترك مهنتهم وتوجهوا إلى المدينة فانقض الاحتلال على هذه الأراضي وصادرها لمصلحة مشاريعه الاستيطانية.
ما سبق ينبئ أن التظاهرات التي تجتاح الضفة احتجاجاً على الغلاء والظلم الاجتماعي، ستمتد وتتوسع لتطال رموزاً سياسية وحتى السلطة برمتها، كونها لم تحقق الهدف الذي انتظره الفلسطينيون طويلاً في الحرية والانعتاق من الاحتلال، لذلك عليها أن تكون شجاعة وتضع “إسرائيل” والمجتمع الدولي عند مسؤولياتهم، بأن تعلن عن حل نفسها في حال واصل المجتمع الدولي إدارة الظهر لالتزاماته المالية والسياسية تجاه الفلسطينيين، وفي حال واصل دعم “إسرائيل” وعدوانها وتعنتها وتهربها من تقديم الاستحقاقات وتحمّل تبعات احتلالها.
[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات