الاستيطان الذراع الأولى للصهيونية

الاستيطان هو الذراع الأولى للصهيونية، والأداة الأفعل لإقامة الوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين، من خلال تكريس الأمر الواقع، بسرقة الأرض وارتكاب المجازر؛ ما يدفع الفلسطيني إلى الهجرة مضطرا إلى المنافي، وأخيراً هو الترجمة لكذبة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.
ودون الدخول في التفاصيل، فإن ما يحدث اليوم، هو امتداد لما حصل قبل مائة سنة، أو يزيد، عندما قامت الصهيونية، وفي أول خطوة عملية لإقامة الدولة على الأرض الفلسطينية، بإقامة أول مستعمرة صهيونية “بتاح تكفا” عام 1878، ليعلن المليونير اليهودي الفرنسي ” روتشيلد” تمويل إقامة “60” مستعمرة، حتى عشية الحرب العالمية الأولى، ليرتفع عدد اليهود في فلسطين إلى “80” ألفاً عام 1914.
ومن هنا نلاحظ حقيقتين هامتين:
الأولى: توظيف رأس المال اليهودي مبكراً لخدمة الصهيونية، وإقامة الوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين، إذ أن كافة المستعمرات التي أقيمت منذ ذلك الحين وحتى اليوم هي بفعل تبرعات أثرياء اليهود، وآخرها المستعمرات التي أقيمت حول القدس الشريف، بتبرعات من المليونير موسكوفيتش، في حين لا يزال رأس المال الفلسطيني والعربي غائباً تماماً، ويكفي أن نذكر في هذه العجالة، بان نسبة الفقر بين الفلسطينيين في القدس العربية بلغت 78%، وأن ترميم مباني القدس ومدارسها وآثارها، ودعم مستشفياتها، هو أولى من التبرع لحدائق الحيوان في أوروبا، ولسباقات الخيول..!!
الثانية: حرص الصهيونية على إقامة المستعمرات، كنواة للدولة القادمة، ومركز للتجنيد والتدريب والتصنيع، وتعليم العبرية وخلق القيادات الإسرائيلية..إلخ، حتى أصبحت المستعمرات قبل النكبة، بمثابة دولة مصغرة، استعداداً للاستيلاء على فلسطين، وهذا ما حدث عام 48.
وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أن ما يسمى في الأدبيات الإسرائيلية بجيل “الصابرا” ولد في هذه المستعمرات، وهو الجيل الذي حمل عبء إقامة الكيان الصهيوني، واشتهر بانتقاداته اللاذعة لليهود، الذين يرفضون الهجرة إلى “إسرائيل”.
وعوداً على بدء… نجد أن إصرار حكومات العدو المتعاقبة على بقاء المستوطنات، وعلى إقامة المزيد منها، هو امتداد وتطبيق للفلسفة الصهيونية العدوانية والعنصرية، كأسلوب أمثل للاستيلاء على الأرض الفلسطينية، وفرض سياسة الأمر الواقع.
إن نظرة سريعة على المشهد الفلسطيني الحزين، وبالتحديد على واقع الضفة الغربية على وجه التحديد، تبين حجم الكارثة التي حلت بها من خلال إقامة أكثر من “140” مستعمرة، ومئات البؤر الاستيطانية، تضم جميعها أكثر من نصف مليون مستوطن مدججين بأحدث الأسلحة، وقبل ذلك بالحقد والعنصرية والفاشية، ويشكلون الرديف الحقيقي لجيش العدو.
ومن هنا ندهش، ولا نصدق كيف وافق المفاوض الفلسطيني في “أوسلو” على تأجيل البحث في الاستيطان إلى المرحلة النهائية، وهو ما استغله العدو لرفع وتيرة الاستيطان لإنجاز تهويد القدس، بعد أن استولى على أكثر من 86% من أرضها، وعلى 60% من مساحة الضفة الغربية، وقد حولها إلى جزر معزولة، يصعب معها إقامة دولة متواصلة جغرافيا.
باختصار… لن يتوقف الاستيطان، ولن تتوقف حركة تهويد القدس والأقصى، لأنهما محوراً المشروع الصهيوني الاستئصالي، ولا سبيل أمام الشعب الفلسطيني إلا بالعودة للمقاومة، فالصراع مع العدو صراع وجود لا صراع حدود.
صحيفة الدستور الأردنية