عاجل

الثلاثاء 13/مايو/2025

فلسطين… ما بين الايلولين

فلسطين… ما بين الايلولين

ورغم أن التحديات المضادّة لمسيرة طلب “العضوية غير الكاملة”، تحاكي تلك التي صاحبت طلب “العضوية الكاملة” للدولة الفلسطينية على حدود 1967 في المنظمة الدولية، الذي تقدمت به القيادة الفلسطينية إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 23/9/2011، ابتداءً من التهديد الأمريكي باستخدام “الفيتو” ضده وقطع المساعدات المالية عن السلطة وصولاً إلى فشل كسب تأييد 9 أعضاء في مجلس الأمن باعتباره الحدّ الأدنى المطلوب لنفاذ الطلب خالياً من “الفيتو” بفعل الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، إلا أن القيادة الفلسطينية تصرّ على المضي قدماً في تلك الخطوة.
وتنشغل المؤسسات الفلسطينية المعنية راهناً بإعداد ترتيبات تقديم طلب الحصول على “دولة غير عضو”، أي مقعد مراقب، في الجمعية العمومية، عبر التواصل مع التجمعات الإقليمية والدول حول الموعد المناسب ووضع الصياغة الملائمة لمشروع القرار، بانتظار تجسيد الدعم العربي بقرار نافذ في لجنة المتابعة، تماماً كما انشغلت تلك المؤسسات طيلة الأشهر السابقة لأيلول (سبتمبر) 2011 في إعداد الصيغة القانونية لطلب “العضوية الكاملة” إلى الأمم المتحدة، تزامناً مع جولات دبلوماسية جابت مختلف دول العالم لحشد الاعتراف بالدولة واكتساب الدعم لخطوتها الأممية.
بيدَ أن الذهاب إلى الجمعية العامة لنيل الاعتراف “بدولة غير عضو”، أي صفة “مراقب”، مثل الفاتيكان حالياً وسويسرا حتى عام 2002، يستلزم الحصول على تصويت “50 + 1 من الأعضاء، وهي متوافرة بالنسبة للجانب الفلسطيني، ولكن النصر المعنوي الكبير يحتم، بحسب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، “الحصول على الثلثين”.
وينطوي ذلك التحرك، بالنسبة للقيادة الفلسطينية، على مكاسب سياسية وقانونية “مفترضة”، أوردتها وثيقة لدائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير أسمتها “اليوم التالي: الفرص والتحديات التي تواجه فلسطين بعد رفع مستوى التمثيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة”، وهي تعتبر نسخة معدلة لوثيقة مشابهة تم إعدادها قبل عام لتبرير خطوة أيلول 2011، تتمثل في “الانضمام إلى المنظمات الأممية والدخول في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ومحاصرة سياسات الاحتلال الإسرائيلي وإنهاء ادعاءاته في الأراضي الفلسطينية المحتلة والمساهمة في عزلته”، وتغيير مسمى “فلسطين” إلى “دولة فلسطين”، فيما قد يتضمن القرار وصفاً وتحديداً للحقوق والامتيازات المستحقة نتيجة مشاركة فلسطين في منظومة الأمم المتحدة والجمعية العامة، فضلاً عن أن رفع مستوى التمثيل سيرفع من وضعية فلسطين السياسية والقانونية في المنابر الدولية بما يؤهلها لمواجهة ممارسات الاحتلال غير القانوني بشكل أفضل ويساعد في ترسيخ الإجماع الدولي حول “حل الدولتين”.
وستتمكن فلسطين، بصفتها دولة معترف بها في الأمم المتحدة، من دعم وإعلاء حقوق وتطلعات الشعب الفلسطيني الوطنية، لاسيما حق تقرير المصير والسيادة والاستقلال. إلا أن الإنجاز الأهم يتمثل، بالنسبة إلى الوثيقة، في إنهاء الجدل الدائر حول وجود دولة فلسطين كشخصية قانونية دولية، من دون أن يؤثر ذلك على مكانة منظمة التحرير بصفتها “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”، أو على قضية اللاجئين الفلسطينيين.
وإذا كان رفع وضع فلسطين في الأمم المتحدة لصفة “دولة مراقب” لن يغير حقيقة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وبالتالي لن يكون له تأثير على وضع الأرض كأرض محتلة أو على التزامات وواجبات الكيان المحتل بموجب القانون الدولي، إلا أن “الاحتلال، في هذه الحالة، سينظر إليه من جانب الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على أنه احتلال لدولة من قبل أخرى عضو في الأمم المتحدة، مما سيخلق ديناميكية وخطاباً سياسياً مختلفين بين الجانب الإسرائيلي وبقية الدول الأعضاء”، بحسب ما تزعمه الوثيقة، رغم أن العديد من دول العالم تطالب الجانب الإسرائيلي بإنهاء احتلاله للأراضي الفلسطينية سنة 1967، تنفيذاً لقرارات دولية، والأخذ بناصية “حل الدولتين” خياراً لإحلال السلام والاستقرار في المنطقة، دونما استجابة.
لن تقيم مكانة “دولة غير عضو”، عند تصويت الجمعية العامة، الدولة ولن تضمن انضمامها إلى الأمم المتحدة، ولن تزيل الاحتلال، ولن تضيف كثيراً إلى الامتيازات المتحصلة راهناً لمنظمة التحرير، بينما تنطوي الخطوة على جملة مخاطر محتملة تطال جوهر قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، بإسقاط الشطر الأكبر من مساحة فلسطين المحتلة عام 1948، بنحو 78″، من جغرافية الدولة الفلسطينية المنشودة على حدود 1967، وإبقائها خارج إطار المطالبة في المحافل الدولية، ومنح الاحتلال صكّ شرعية مجانيا لاستلاب بقية الأراضي الفلسطينية، فيما يشكل الباقي من مساحة 1967 قرابة 22” من قطع أراض غير متصلة بالمستوطنات المترامية، مما يمنع قيام دولة بالمعنى السياسي المعروف. عدا عن تشويه صورة الصراع في نظر العالم، وإعادة تعريفه دولياً، من صراع بين كيان محتل وشعب نصفه واقع تحت الاحتلال والنصف الآخر في الشتات إلى صراع عادي على الحدود بين دولتين، بما يشكل إساءة لمسيرة التحرر الوطني، ويعفي الاحتلال من القيود والالتزامات التي حكمته حتى اللحظة، ويدفعه للتعاطي مع الواقع الفلسطيني الجديد على أساس دولة في مواجهة دولة أخرى متسلحاً بالقرارات الدولية.
ومع هذا التحول، ستفقد القضية الفلسطينية تميزها كأخر الصراعات ضد الاستعمار، وستفقد قدرتها على تجنيد التضامن الدولي كحركة تحرر وطني، بما يخالف الواقع القائم على الأرض.
وتدرك القيادة الفلسطينية حجم التحديات المترتبة على تلك الخطوة التي قد تبدو تراجعاً عن حق العضوية الكاملة، ومجرد قرار آخر غير ملزم، ما لم تمارس الإدارة الأمريكية الضغط على دول تعترف بدولة فلسطين لعدم التصويت لصالح القرار في الجمعية العامة. فقد يترتب عنها نفاذ التهديد الأمريكي بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، المقدرة بنحو 475 مليون دولار سنوياً، بشكل يقوّض جهود بناء الدولة ويهدّد استقرار الحكومة، وإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير في واشنطن، وفرض ضغوط على الحكومات الأخرى لثنيها عن تقديم الدعم أو تخفيض مساعداتها لفلسطين، وتحميلها مسؤولية فشل العملية السلمية، وإعطاء الغطاء السياسي أو عدم التدخل في إجراءات إسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وتعليق التمويل المخصص لهيئات الأمم المتحدة وبعض الوكالات المتخصصة التي قد تسعى فلسطين لرفع تمثيلها فيها. كما أن غياب السيطرة الفلسطينية على أجزاء كبيرة من أراضيها وشعبها سيمنع فلسطين من تنفيذ بعض الواجبات القانونية المفروضة عليها كدولة أو يمنعها من التعامل بالمثل فيما يتعلق ببعض جوانب العلاقات الدولية.
تسوغ القيادة الفلسطينية قرار المسعى الأممي بانسداد الأفق السياسي، إثر جمود المفاوضات لأشهر بسبب الرفض الإسرائيلي الالتزام بمرجعية حدود 1967 ووقف الاستيطان، باعتبارها مطلباً فلسطينياً لاستئناف التفاوض، مما أدى إلى بلوغ عملية السلام طريقاً مسدوداً، وحدوث فراغ سياسي مرشح للاستمرار مع بقاء الحكومة الإسرائيلية اليمينية في سدة السلطة.
ولكن القرار المتخذ ليس بديلاً عن التفاوض الذي لم تغادر القيادة الفلسطينية دائرته قط، حيث تؤكد دوماً عدم التعارض بين المسعى الأممي والمفاوضات، التي تعلن الاستعداد لاستئنافها فوراً شريطة استنادها إلى مرجعية “حل الدولتين” ووقف الاستيطان، ولكنها تريد خلق بيئة تفاوضية جديدة من خلال تحسين المركز القانوني على المستوى الدولي عبر العضوية في الأمم المتحدة.
وأمام ما يشبه “الخلاص” الذي صورته السلطة بخطوة “الأيلولين” دون وضع البدائل، أي أنها لم تضع المسعى ضمن إطار استراتيجية بديلة عن المفاوضات بعدما أدركت فشلها، كما لم تصغ بدائل مرحلة “ما بعد” عند الإخفاق، في ظل تعثر خطوات المصالحة، وابتزاز المال السياسي الأمريكي، يبقى الوضع في مأزق كبير. وما يزيد من عمق الأزمة خاصية “الاستبعاد” وليس “التزامن”، بنأي الخيارات الأخرى، وفي مقدمتها المقاومة، بما أنتج حراكاً نحو انتصار وهمي قد يشكل غطاءً لمفاوضات تسعى الإدارة الأمريكية لاستئنافها.
فما بين أيلول 2011 وأيلول 2012، امتلأت مساحة الأراضي التي كان من المفترض تخصيصها لإقامة الدولة المنشودة عام 1999، وفق أوسلو (بانتهاء المرحلة الانتقالية)، بمزيد من المستوطنات والطرق الالتفافية والحواجز العسكرية، ضمن سياسة الاحتلال الإسرائيلي المستهدفة إفراغ مشروع إقامة دولة فلسطينية متصلة ومستقلة من أي مضمون فعلي، بينما تحثّ القيادة الفلسطينية الخطى نحو المنبر الأممي لاستحصال قرار لن يغير الحال كثيراً في الساحة الفلسطينية، حيث الاستيطان والتهويد مستمرين وآليات الاحتلال تستبيح كل مكان وبقعة فلسطينية، مع استبعاد انسحاب الاحتلال منها أو تسليم المعابر الحدودية للفلسطينيين، أو فرض سيطرتهم على الاقتصاد والموارد الطبيعية أو المجال الجوي وحرية الحركة، ولن يملك المسئولون حق التنقل بين مدينة وأخرى إلا بتصريح إسرائيلي.
إن مسعى أيلول، الذي أخذت القيادة الفلسطينية بناصيته سبيلاً لملء الفراغ السياسي الراهن بسبب جمود المفاوضات وتدهور الأوضاع في الأراضي المحتلة، لن يكون له سوى قيمة رمزية لن تقرب الفلسطينيين من هدف التحرير وتقرير المصير، بسبب حجم التحديات التي تواجهه ولمعاكسته منطق إنهاء الاحتلال قبلاً وليس بعداً.
وتكمن الإشكالية هنا في عدم وضع القيادة الفلسطينية لبدائل ما بعد أيلول، رغم تلويح بعض مسؤوليها بإجراءات تمسّ مهام وعمل السلطة ومسؤولياتها تجاه الاحتلال وفق أوسلو، في حال إخفاق المسعى، وسط تساؤل حول ما إذا كانت ستجد لديها القدرة على تبني مطالبات فلسطينية تدفعها إلى تنفيذ ما ذهبت إليه، في الوقت الذي تؤكد فيه استعداد العودة فوراً إلى المفاوضات، باعتباره خياراً استراتيجياً وحيداً بالنسبة إليها، أمام مواقف الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتعنتة من العملية السلمية واستبعاد إحداث أي تغيير فيها، وسط تسارع خطوات الاستيطان والتهويد وتصعيد العدوان في الأراضي المحتلة.
* كاتبة وصحافية من الأردن
صحيفة القدس العربي اللندنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...