السبت 10/مايو/2025

إنذار إسرائيلي منسق للرئيس الفلسطيني

إنذار إسرائيلي منسق للرئيس الفلسطيني

كشف أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية الإسرائيلي، نية حكومته التخلص من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولو بالانتخابات! ولم يكن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ولا وزير الدفاع أيهود باراك، موفقين في النأي بالنفس عن الرسالة التي بعث بها زميلهما إلى الهيئة الرباعية الدولية ليطلب منها الضغط لإجراء انتخابات رئاسية في الأراضي الفلسطينية. إذ قال ليبرمان إنه يعبر بموقفه ذاك عن تقييم الحكومة لعلاقتها المتراجعة مع عباس، أي أن حكومة نتنياهو باتت ترى أن الخروج من المأزق الحالي للمفاوضات يمكن أن يكون بإزاحة الرئيس الفلسطيني، وهو ما كان بلغه أرييل شارون منذ عام 2002 عندما حاصر الرئيس الراحل ياسر عرفات في مبنى المقاطعة في رام الله، وراح يفاوض إدارة جورج دبليو بوش لتعطي الضوء الأخضر لتصفية عرفات.
صحيح أن نتنياهو لم تتوافر له الظروف لمحاصرة عباس، إلا أنه فعل كل ما يلزم لخنق السلطة وإحباطها، وكما كان شارون يبدي الغضب والاستياء من النشاط الخارجي لعرفات، فإن نتنياهو ساق الانتقاد نفسه ضد عباس، ملاحظاً أن حراكه الخارجي يضايق “إسرائيل” لأنه مركز كله ضدها، كم أنه يستغله منذ عامين لتأمين تأييد دولي للاعتراف بـ”الدولة الفلسطينية” التي تعارض “إسرائيل” إنشاءها أو الإعلان عنها إلا بشروطها، وتؤيدها إدارة باراك أوباما في ذلك.
مهما كان مغفلاً ومهزوزاً فإن ليبرمان وقع على رسالة رسمية موجهة إلى “الرباعية”، ولو لم يكن مستنداً إلى نقاش جدي جرى داخل الحكومة لما وجد أي سبب للجوء إلى هذه الطريقة، ولكان اكتفى بإطلاق واحد من تصريحاته المنفلتة التي لا يقيم أحد لها وزناً.
أما الرسالة فباتت وثيقة رسمية تشهد على تدخل سافر لمسؤول إسرائيلي في ما لا يعنيه إطلاقاً، تحدث ليبرمان عن “حل مبتكر هدفه تقوية القيادة الفلسطينية، معتبراً أن عباس غير مهتم وغير قادر على التوصل إلى اتفاق ينهي النزاع”، ومن خارج الرسالة اتهمه بأنه يمارس “إرهاباً دبلوماسياً” ضد إسرائيل يتجاوز بخطورته “إرهاب حماس”.
هذا الكلام يعيد إلى الأذهان ما نقلته وثائق “ويكيليكس” عن نتنياهو نفسه بأنه حض “اللوبي اليهودي” في الولايات المتحدة على الضغط على إدارة أوباما لتوقف التعامل مع عباس “كونه أخطر على إسرائيل من حركة حماس”، كما أن أيهود باراك، وفي معرض انتقاد رسالة ليبرمان وتسخيفها، لم يرفض عملياً المآخذ العامة التي تسوقها إزاء الرئيس الفلسطيني، فالإسرائيليون يعتبرون أنهم قاموا أخيراً بكثير من “مبادرات حسن النية”، كـ”تحويل الأموال لدفع رواتب الموظفين، واتفاق تشغيل مزيد من عمال البناء الفلسطيني، والتقليل من عدد الحواجز العسكرية، وتطوير البنية التحتية في المناطق (ج) الخاضعة لسيطرة إسرائيل”، ومع ذلك يشير ليبرمان إلى أن النشاط الفلسطيني المضاد ل”إسرائيل” ازداد على الساحات الدبلوماسية والقانونية، بالإضافة إلى محاولات تشجيع المقاطعة للاقتصاد الإسرائيلي، ومن نتائج ذلك مثلاً أن حكومة جنوب إفريقيا قررت تمييز منتجات المستوطنات الإسرائيلية بعلامة خاصة بمثابة دعوة للإعراض عن شرائها.
لم يغفل ليبرمان في رسالته إلى “الرباعية” سوى أمر واحد، وهو اسم الشخص الذي يتمناه رئيساً فلسطينياً بديلاً عن “أبو مازن”، ولو فعل لأصبحت الصورة عندئذ كاملة وواضحة، وإذ يعلم الإسرائيليون أنهم لن يستطيعوا الحصول على ما يريدون عن طريق الانتخابات، ولم تكن هذه يوماً من وسائلهم، فإن الفرضية التي تمثل أمام الجميع هي أن ليبرمان ربما عبر عن استيائه من تلكؤ الحكومة التي ينتمي إليها في حسم قرار التخلص من عباس، ولذلك قرأت الرئاسة الفلسطينية في رسالته “تحريضاً على القتل”.
الأرجح أن الرئيس الفلسطيني نفسه لم يفاجأ بهذا “التحريض” العلني، فهو أشار سابقاً، وكذلك أوساطه، إلى احتمال أن يكون الإسرائيليون يفكرون في التخلص منه، فهو رافق المفاوضات معهم، منذ بداياتها عبر القنوات السرية ثم العلنية، ومنذ إخفاق مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 والوفاة غير الطبيعية لعرفات، أدرك “أبو مازن” أن “الشريك” الإسرائيلي في “السلام” هو عصابة مافيا تفاوض للحصول على ما تريده، وإذا لم يخضع مفاوضها لمطالبها تعمد إلى التخلص منه، لأن من سيأتي بعده سيكون مدركاً مصيره مسبقاً إذا لم يقدم التنازلات المطلوبة، كان بيل كلينتون أوصى جورج دبليو بوش بعدم التعامل مع عرفات “لأنه خذله”، وذهب بوش في تنفيذ الوصية إلى حد مقاطعة عرفان وغض النظر عن إزاحته شرط أن يجد شارون الطريقة المناسبة لذلك، ومع أن بوش لم يوص أوباما شيئاً بخصوص “أبو مازن”، فإن إدارة أوباما أخذت تعبر أخيراً عن الاستياء منه لأنه “خذل” الرئيس برفضه مواصلة التفاوض رغم استمرار الاستيطان الإسرائيلي، وقد نسي أوباما أنه جعل من “وقف الاستيطان” النقطة المحورية القوية في خطابه الشهير في جامعة القاهرة في يونيو 2009.
لا شك أن رسالة ليبرمان حققت مصلحة لنتنياهو، إذ وجهت إنذاراً إلى الرئيس الفلسطيني بأن التحرك الذي يعتزمه تجاه الجمعية العامة للأمم المتحدة لن تمرره إسرائيل من دون ثمن.
فهذا التحرك الذي تتحسب له أيضا الدبلوماسية الأمريكية، سعياً إلى إحباطه، يحظى بإمكانات النجاح في الحصول على اعتراف ولو بدرجة أقل من “الدولة العضو” في الأمم المتحدة إلا أنه يمنح السلطة الفلسطينية إمكانات أفضل للعمل الدولي، ولعل هذا الإنذار يحض الجانب الفلسطيني على الإصرار على تحركه، ليس فقط من قبيل التحدي، وإنما خصوصاً للخروج من الجمود والتهميش اللذين فرضاً على الشعب الفلسطيني وقضيته.
كاتب ومحلل سياسي لبناني
صحيفة الشرق القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات