الإثنين 12/مايو/2025

تعديل اتفاقية كامب ديفيد

تعديل اتفاقية كامب ديفيد

طالبت مصادر “إسرائيلية” رفيعة المستوى مصر بسحب أسلحتها الثقيلة التي أدخلتها أخيراً إلى شبه جزيرة سيناء، خلافاً للملحق العسكري لمعاهدة كامب ديفيد. وأضافت المصادر، في تصريحات للإذاعة “الإسرائيلية”، أن “إسرائيل” تتابع بقلق التحركات التي تقوم بها القوات المصرية في سيناء. وذكرت صحيفة “هآرتس” أنه، وفقاً لمعاهدة كامب ديفيد، فإنه لا يسمح لمصر باستقدام دبابات إلى بعض مناطق سيناء بما في ذلك العريش، التي وصلت إليها بالفعل عشرات الدبابات على مدار الأيام القليلة الماضية.
وكانت صحيفة “الخليج” قد نشرت في صفحتها الأولى خبراً جاء فيه أن مؤسسة الرئاسة المصرية ردّت على المطالبات بمراجعة اتفاقية كامب ديفيد الموقعة مع “إسرائيل” العام 1979، بتأكيدها أن تعديل الاتفاقية أمر وارد وفق القانون الدولي، ويجوز تعديل بعض بنودها بين الطرفين، ومواثيق الأمم المتحدة تكفل ذلك.
جاء هذا التصريح بعد مطالبة النخب السياسية في مصر تعديل هذه الاتفاقية، في الوقت الذي يطالب فيه عموم الشعب المصري بإلغائها. وتبدو اتفاقية كامب ديفيد اليوم وكأنها أصبحت قيداً ثقيلاً على مصر، وتجلّى ذلك في انفجار العنف في سيناء، فقد تبين حجم الفراغ الأمني في هذه المنطقة الضخمة، بسبب اشتراط “إسرائيل” على مصر عدم وضع قوات عسكرية فيها، باستثناء بعض عناصر الشرطة وحرس الحدود. وقد استغلت جماعات تكفيرية متطرفة حالة الفراغ الأمني هذه، وباشرت في تنظيم نفسها، وشراء السلاح وتكديسه، واتخاذ سيناء رأس عبور لعمليات تخريب مصر.
وبعد أن باشرت الحكومة المصرية عمليات ملاحقة الإرهابيين في سيناء، اكتشفت مدى الظلم الذي تعرضت له مصر من جراء كامب ديفيد، إذ من غير المعقول أن يقال إن سيناء تحررت، في حين أن مصر لا تستطيع وضع جندي واحد فيها بما يسهم في الحفاظ على أمنها القومي. ومن هنا، بات مطلب تعديل هذه الاتفاقية يتصاعد بين النخب السياسية المصرية، في الوقت الذي يطالب فيه الشعب المصري بإلغائها بالكامل، وليس تعديلها. قد يكون لمصر اعتبارات عديدة تحُول دون التخلي عن هذه الاتفاقية الآن، وقد يكون من ضمن هذه الاعتبارات تلك المساعدات التي تبلغ ملياري دولار، تقدمها الولايات المتحدة سنوياً لمصر من أجل الاستمرار في العلاقات الحسنة مع “إسرائيل”.
لكن اليوم، وبعد تفجر العنف في سيناء، وبعد أن تبين أن السبب الأساسي في ذلك هو الفراغ الأمني في تلك المنطقة، فهل سيكون هناك من مبرر للإبقاء على كامب ديفيد كما هي؟ لا شك في أن هذه الاتفاقية كانت من الأساس خطأ كبيراً، فهي تعترف بأن حدود مصر مع “إسرائيل” هي حدود فلسطين المحتلة، أي أنها ألغت وجود فلسطين من على خريطة الوطن العربي واستبدلت بها دولة “إسرائيل”.
والحديث عن تعديل هذه الاتفاقية من الجانب المصري لا يكفي، بل يجب أن توافق “إسرائيل” على ذلك. وهذه الأخيرة ترى أن اتفاقية كامب ديفيد متوافقة مع مصالحها، فهي – على الأقل – ضمنت اعتراف دولة عربية كبيرة بها وبحدودها، وفي الوقت نفسه، ضمنت أن هذه الدولة لا تستطيع إدخال قوات عسكرية إلى مناطق قريبة من حدودها، وهذا قد يهدد أمنها.
وبالتالي، فإن “إسرائيل” لا تريد مطلقاً تغيير أو تعديل أي بند في هذه الاتفاقية، ولاسيما في ما يتعلق بالسماح لمصر بإدخال جيش إلى سيناء. وحديث النخب المصرية عن هذا الأمر استدعى رداً “إسرائيلياً” فورياً، إذ صرح بعض القادة “الإسرائيليين” بأن السماح بدخول الجيش المصري إلى سيناء لملاحقة الإرهابيين، يجب أن يُعاد النظر فيه، وأن على “إسرائيل” أن تتحرك لوضع حد للعنف في سيناء.
وهذه التصريحات تفيد أن “إسرائيل” لن تسمح لمصر بالتحرك منفردة في سيناء، أي لن تسمح لها بوضع قوات عسكرية هناك، وبالتالي، لن تقبل بتعديل اتفاقية كامب ديفيد.
والواقع أن مصر باتت الآن بين خيارين: فإما أن تقبل بالاستمرار بكامب ديفيد كما هي ومن دون تعديل، ما قد يفاقم حالة الفراغ الأمني في سيناء، وإما أن تبادر إلى التخلي عن هذه الاتفاقية وتحرير نفسها من هذا القيد. وإذا اختارت مصر الخيار الثاني فإنها ستعود، حتماً، إلى حالة المواجهة مع “إسرائيل”، وربما لا تريد النخبة السياسية الحاكمة في مصر الآن هذا الأمر، لكن المسألة باتت تحتاج إلى حل سريع، فمصر لم تعد قادرة على ترك سيناء لمصيرها، لأن ذلك سيؤدي إلى حدوث ضرر كبير لها، فقد تتسع دائرة العنف لتنتقل إلى باقي أرجاء مصر. ومن هنا، فقد أصبح تعديل كامب ديفيد أو إلغاؤها ضرورة مصرية، وطبعاً فإن كلفة ذلك ستكون ضخمة، حيث ستنقطع المساعدات الأمريكية لمصر، وسوف يبدأ الحصار الغربي ضدها. إلا أن كل ذلك يبدو رخيصاً أمام كرامة مصر التي لم تعد تحتمل المزيد من الذلّ.
ولعل من الحكمة أن يُؤخذ رأي الشعب المصري في هذه الاتفاقية، من خلال استفتاء مباشر على تعديلها أو إلغائها، فإذا اختار أياً من الأمرين فيجب أن تُحترم إرادته، وأن تصان كرامته. فمصر هي ميراث لكل المصريين، ومستقبلها هو لكل المصريين أيضاً.
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات