الحرب على إيران وأغصان إسرائيل الثلاثة

خلاصة ما يجري تسريبه من معلومات عن مدى جديّة نوايا رئيس الحكومة “الإسرائيلية” بنيامين نتنياهو، شن هجوم “إسرائيلي” منفرد على المنشآت النووية الإيرانية، تقول إنه، وحسب صحيفة “هآرتس”، مصمّم على إصدار الأوامر للجيش “الإسرائيلي” بتوجيه ضربة إلى إيران في الشهور القريبة، من دون انتظار أو من دون اعتماد على مشاركة أمريكية.
وزاد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق أهارون زئيفي فركش على ذلك، بالحديث عن موعد لا يتجاوز الأسابيع القليلة المقبلة، وهناك من حصرها بأشهر الربيع أو الشتاء المقبلين، أي أننا نتحدث عن ستة أشهر حداً أقصى من الآن. هذا التحديد جاء بناء على مجمل حوارات رئيس الحكومة “الإسرائيلية” مع مجمل المشاركين في مثل هذا القرار، من سياسيين وعسكريين وأمنيين، وهم جميعهم منقسمون على قرار الحرب بين مؤيد ومعارض، إضافة إلى لقاءاته مع كبار المسؤولين الأمريكيين السياسيين والعسكريين، وعلى الأخص وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا.
عزم نتنياهو على شن الحرب على إيران لم يأت من فراغ، بل من رؤية وتقدير استراتيجي، يرى أن امتلاك إيران القنبلة الذرية “خطر وجودي” على الدولة “الإسرائيلية”. وفي كل الأحوال، فإنه يرى أن مثل هذه الحرب قرار اضطراري، وإن كان يفضّل أن تقوم الولايات المتحدة بالمهمة، إلا أنه يعتقد بأن واشنطن لن تلجأ إلى مثل هذا القرار إذا لم تتوافر الشروط التي تحدثت عنها، وهي أن تنتقل إيران من مرحلة تخصيب اليورانيوم من حدود ال 20% إلى حدود ال 90% (النسبة المطلوبة لتصنيع القنبلة)، أو قيام إيران بشن هجوم على مصالح أمريكية في الخليج، أو شن هجوم مكثّف على “إسرائيل”.
نتنياهو يرد على مخاوف المعارضين لشن الهجوم على إيران خشية الصواريخ الإيرانية بقوله إن “الصواريخ ستتساقط على “إسرائيل” في كل الأحوال، حتى لو شنّت الولايات المتحدة هذا الهجوم على إيران”، ويؤكد أن ثمن التعرض لضربات الصواريخ الإيرانية “أقل من ثمن وجود قنبلة نووية بحوزة إيران، لأنها ستكون فوق رأس “إسرائيل” وليس فوق رؤوس الآخرين”، كما يرد على المتشككين في فعالية الهجوم “الإسرائيلي” على المنشآت النووية الإيرانية، والادعاء بأن تأثيره لن يتجاوز تأخير المشروع النووي الإيراني لعام أو لعامين، بأن هذا الادعاء كاذب، وسبق ترديده عندما عزم مناحيم بيغن رئيس الحكومة “الإسرائيلية” الأسبق ضرب مفاعل تموز العراقي العام 1981، لكن العراقيين لم ينجحوا، حتى اليوم، في بناء مفاعل جديد.
ويكمل نتنياهو رؤيته بانتقاد المعارضين والمترددين من القادة السياسيين والعسكريين “الإسرائيليين” قرار الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، بأن الفترة الفاصلة بين امتلاك إيران القنبلة ووضعها الراهن لا تتجاوز الأشهر، وبأن قادة المؤسسة الأمنية الرافضين لشن الهجوم على هذه المنشآت “يسعون فقط إلى تغطية قفاهم” في حال تأليف لجنة تحقيق رسمية بعد توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، على نحو ما حدث بالنسبة إلى الهجوم “الإسرائيلي” على لبنان صيف 2006. وقال “يعرضون أمامي معطيات الغاية منها لجان التحقيق. لقد سئمت من هذه الأجواء. قلت لهم إن يتوقفوا عن التحدث لمحضر الجلسة، وأن يتحدثوا بشكل موضوعي. أنا المسؤول. وإذا تألفت لجنة تحقيق فستكون عليّ أنا، وأنا أتحمل المسؤولية كاملة”.
إلى هذا الحد بلغ استنفار نتنياهو ضد إيران، بقدر استيائه من قادة الأجهزة الأمنية المعارضين للحرب على إيران، ومن الموقف الرسمي الأمريكي الرافض لفرض توقيت لا تريده واشنطن لهذه الحرب، حسب ما جاء على لسان وزير الدفاع الأمريكي بانيتا.
فقد كشفت الصحافة “الإسرائيلية” مدى الانقسام في أوساط كبار المسؤولين “الإسرائيليين”، ووجود معارضة مطلقة للحرب في صفوف قادة الأجهزة الأمنية، ابتداء من رئيس الأركان بيني غانتس، مروراً بقائد سلاح الجو أمير إيشل، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أفيف كوخافي، وباقي ضباط هيئة الأركان العامة، ورئيس الموساد تمير بارود، ورئيس الشاباك (الأمن الداخلي) يورام كوهين، إضافة إلى الأغلبية في طاقم الوزراء الثمانية، صاحب القرار في القضايا الاستراتيجية، كما كشفت أن “العِبَر من العام 2006 تخيّم على القيادة في العام 2012”.
الانقسام أيضاً يمتد إلى صفوف المعارضة الأساسية، وخاصة شاؤول موفاز زعيم المعارضة (الليكود) الذي انسحب من الحكومة وعاد إلى حزبه زعيماً يناهض سياسات نتنياهو.
موقف واشنطن لا يقل عزماً في رفضه شن “إسرائيل” حرباً على إيران بقرار منفرد، ومن دون اعتبار لموقفها، فما يهم واشنطن الآن، حسب ما ورد على لسان وزير الدفاع الأمريكي بانتيا، هو تمرير فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وعدم إرباك حملة الرئيس باراك أوباما، والتعهد بالتصدي الشامل لأي محاولة إيرانية ترمي إلى امتلاك سلاح نووي.
رغم ذلك جاء رد إيهود باراك وزير الدفاع “الإسرائيلي”: “لقد أوضحت أن الحكومة “الإسرائيلية” وحدها هي من سيتخذ القرار في كل ما يتصل بجوهر القضايا الأمنية”.
واضح أن الضغوط الأمريكية لن تؤثر في موقف صقور الحكومة، ويبقى الرهان الوحيد على مدى صمود الجبهة الداخلية، سواء كان الاقتصاد أو البشر أنفسهم، ومدى تحمّلهم تداعيات وكوارث حرب مع إيران.
فقد برزت في الأسابيع الأخيرة حركة احتجاج جديدة تعمل ضد الحرب مع إيران لدوافع اقتصادية، بعد أن أعلنت مصادر سياسية وعسكرية تقديرات بأن تصل تكاليف الحرب على إيران إلى مبلغ شبه خيالي 167 مليار شيكل (42 مليار دولار)، منها 8 مليارات أثماناً للذخيرة فقط، و39 ملياراً خسارة أيام العمل نتيجة لشلل الاقتصاد خلال الحرب. وقد تظاهرت الحركة أمام منزل باراك، رافعة شعارات تقول “لا للحرب، الشعب يريد عدالة اجتماعية”.
الضغوط الاقتصادية تكتسب صدقيتها وجديتها على ضوء الوضع الاقتصادي “الإسرائيلي” المأزوم الذي أجبر الحكومة على فرض “خطة تقشّف” اقتصادية، من شأنها أن تفقد الحكومة أي تأييد شعبي لقرار الحرب ضد إيران.
وهكذا يبقى قرار هذه الحرب من دون حسم بين حماسة المؤيدين ومخاوف الرافضين الذين لا يقلّون أهمية في وزنهم داخل مؤسسة صنع هذا القرار، سواء كانوا عسكريين، أو حتى مدنيين، يحذرون من المردود السيئ لمثل هذه الحرب على حركة الهجرة إلى “إسرائيل”، على نحو ما أفاد ناثان شارانسكي، المسؤول في الوكالة اليهودية الذي أكد أن العشرات من اليهود الذين أتموا معاملاتهم للهجرة إلى “إسرائيل”، قرروا تأجيل موعد وصولهم بضعة أشهر خوفاً من ضربة محتملة، واتهم الحكومة بالتصرف بطريقة غير مسؤولة عبر تصعيد التصريحات ضد إيران، وأن “الثرثرة تجاوزت كل الخطوط الحمر”. وتبقى أيضاً المسؤولية الأمريكية قائمة لمنع هذه الحرب، لكن هذا يتوقف على مدى قدرة وجدية الرغبة الأمريكية لمنعها، في ظل إدراك يرى أن نتنياهو وباراك صعدا إلى شجرة عالية، وتعلقا بثلاثة أغصان، ولا يعرفان كيف ينزلان، حسب وصف صحيفة “يديعوت أحرونوت”. الغصن الأول هو “الالتزام بالهجوم” على خلفية وصف “إسرائيل” للبرنامج النووي الإيراني بأنه “تهديد وجودي” آخذ بالتطور. والغصن الثاني هو أن “العقوبات ضد إيران غير ناجعة”، بل ليس هناك ذرة أمل بأن تؤدي العقوبات إلى إيقاف المشروع النووي الإيراني. أما الغصن الثالث فهو “ليس أمامنا مفر، انطلاقاً من حقيقة أنه إذا لم يقم العالم والأمريكيون بالمهمة، فنحن من سيقوم بها”.
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

ألبانيز: الجميع مسؤول أمام القانون الدولي لصمته على المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين
تونس – المركز الفلسطيني للإعلام قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز، إن...

أبو سلمية: نفاضل بين الجرحى والمرضى والمنظومة الصحية شبه منهارة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام قال مدير مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، محمد أبو سلمية، إن الأطباء في المستشفى يفاضلون بين المرضى والجرحى. وأضاف أبو...

القوات اليمنية: نفذنا عمليتين استهدفتا مطار رامون ردًا على جرائم الاحتلال
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت القوات المسلحة اليمنية، مساء اليوم الأربعاء، تنفيذ سلاح الجو المسير عمليتين عسكريتين استهدفتا مطار رامون في...

حماس: عملية جنين أبلغ رد على محاولات الاحتلال إخماد المقاومة
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، مساء اليوم الأربعاء، إن عملية إطلاق النار البطولية التي وقعت عند حاجز الريحان...

إصابة جندي إسرائيلي بعملية دهس في الخليل واستشهاد المنفذ
الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام استشهد، يوم الأربعاء، منفذ عملية الدهس قرب حاجز "سدة الفحص" جنوبي الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة، والتي أسفرت...

قرار أمريكي بإغلاق مكتب الشؤون الفلسطينية في القدس
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام قرر السفير الامريكي في الكيان "مايك هاكبي" وفي خطوة غير مسبوقة إغلاق مكتب الشئون الفلسطينية في القدس ودمجه...

إصابة 4 مستوطنين بعملية إطلاق نار قرب جنين
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 4 مستوطنين عصر اليوم الأربعاء، في عملية إطلاق نار استهدفت سيارة قرب مدينة جنين، قبل أن ينسحب منفذ العملية من...