غارودي والبحث عن الحقيقة الصافية

لم يكن مرتداً كما وصفه زملاؤه في اليسار الفرنسي، ولا كان من هواة التنقل من فكر إلى آخر، كما قال عنه آخرون من متابعي تحولاته، وإنما كان واحداً من مفكري العصر الذين أنهكهم البحث عن الحقيقة الصافية، ودخوله إلى الإسلام من باب التصوف الراقي لم يكن مفاجئاً ولا قفزاً، وإنما تم بعد مشوار طويل.
وهناك من الإشارات ما يدل على أنه بدأ انطلاقته الفكرية الأولى في شبابه مع الإسلام، ثم تعثرت خطاه إلى أن عاد واطمأنت نفسه وألقى عصا التنقل. ومفكر كبير في حجم غارودي لا بد أن تكون مواقفه موضع تساؤل مستمر، وأن تكون اختياراته مدخلاً إلى حوارات لا تتوقف. والناس العاديون هم الذين لا يثيرون اهتماماً ولا تثور حولهم العواصف، وحياتهم تمضي في هدوء وسكينة، كما تمضي حياة أي شيء لا يحرك ساكناً ولا يطرح سؤالاً.
والإنسان، نظراً إلى طبيعته الإنسانية، خاضع للظروف ولمتغيرات هذه الظروف، وبمرور السنين لا بد أن تتغير ميوله وتجاربه وأفكاره إلى أن يصل إلى ما يراه ثابتاً ومستقراً، وهكذا كان غارودي الذي بدأ في شبابه منبهراً بالتصوف، ثم سافر بعيداً عنه.. هاجر إلى أكثر من قارة، وأكثر من فكر، وعاد بعد الرحلة الطويلة التي رأى فيها أشياء كثيرة واعتنق أفكاراً كثيرة، إلى أن عاد إلى المؤثر الأول، إلى ذلك الفيض المنبعث من نبع التصوف، حيث الزهد والبساطة والرضا والتوقف عن التمرد المضجر، وتلك هي الرحلة التي قطعها غارودي منذ بداية شبابه إلى مطالع شيخوخته، حيث وضع تحفظاته جانباً واقترب من ساحة الطمأنينة التي أطال البحث عنها.
ومن الواضح أن الاختيار الأخير لغارودي لم يكن ناتجاً عن رغبة في الإثارة أو الإدهاش، بل كان اختياراً ذاتياً نابعاً من أثر تراكمات الخبرة الطويلة في حقل الأفكار والديانات والفلسفات، إنه الاختيار المتأني الدقيق. والغريب أن أوروبا، وفرنسا خاصة، حيث تتعالى منذ أكثر من قرنين الأصوات الداعية إلى الحرية وكفالة حق الاعتقاد، بدت وكأن اختيار غارودي المفكر الحر قد نزل عليها كالصاعقة، فسارعت تكيد له ووجدت في مراجعاته لما يسمى ب “الهولوكوست”، والمبالغات التي أحاطت به، وكيف تلاعبت الصهيونية بأرقام أعداد ضحايا النازية، سبباً في محاكمته، والتشهير بمواقفه، وتعريضه وهو في هذه السن المتقدمة لضغوط لا تحتمل. لكن ومهما تكن المعاناة التي تعرض لها غارودي في آخر سنوات عمره، فإنها قد كشفت الدور الإرهابي الذي تمارسه الصهيونية ضد المفكرين، واستمرار ابتزاز المواقف من الأوروبيين بمثل هذه الطريقة غير اللائقة ولا المسبوقة.
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

سلطات الاحتلال تغلق 6 مدارس للأونروا في القدس
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، 6 مدارس تتبع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" في مدينة...

الاحتلال يفرج عن 11 أسيراً من غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، عن 11 أسيرا فلسطينيا من غزة، حيث تم نقلهم إلى مستشفى شهداء الأقصى في...

الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم لليوم الـ102 على التوالي
طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ102 على التوالي، ولليوم الـ89 على مخيم...

أطباء بلا حدود: إسرائيل ترفض دخول طواقم طبية لغزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ترفض سلطات الاحتلال الإسرائيلي دخول الطواقم الطبية الدولية إلى قطاع غزة، في ظل الحاجة الملّحة لإمكانات وقدرات طبية...
من قتل شرين؟ وثائقي أمريكي يكشف هوية الجندي الإسرائيلي قاتل أبو عاقلة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام لأول مرة، كُشف الستار عن الجندي الإسرائيلي قاتل مراسلة قناة الجزيرة شرين أبو عاقلة، وذلك في فيلم وثائقي استقصائي...

الدفاع المدني يعلن توقف 75% من مركباته في غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلن جهاز الدفاع المدني الفلسطيني اليوم الخميس، عن توقف 75% من مركباته في قطاع غزة؛ بسبب شح الوقود. وأفاد الدفاع...

عشرات المستوطنين يدنسون ساحات المسجد الأقصى
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام اقتحم عشرات المستوطنين، صباح اليوم الخميس، باحات المسجد الأقصى المبارك، بحماية مشددة من شرطة الاحتلال...