الثلاثاء 13/مايو/2025

الاستيطان وإرضاء شهوة التوسع

الاستيطان وإرضاء شهوة التوسع

من تقاليد الغزوة الصهيونية الاستعمارية أن يسير التوسع الاستيطاني في الأرض الفلسطينية من ناحية، واستقطاب المهاجرين الجدد إلى هذه الأرض مع التضييق على سكانها الأصليين إلى حدود الطرد من ناحية أخرى، بشكل متضافر ومتعامد ووفق منهجية معلومة ومخططات سابقة الإعداد.
وعادة ما يتم توظيف الإعلان عن المشروعات الاستيطانية، وتسريب ما تضطلع به الأجهزة المعنية بالهجرة والاستيعاب من مخططات عمرانية في الضفة، لطمأنة جماعات المستوطنين القدامى إلى مستقبلهم وتشجيع آخرين على اللحاق بهم.
كذلك فان الإعلانات عن بناء مجمعات سكنية والإفصاح عن مشروعات للبنى التحتية في المستوطنات القائمة أو في مناطق مرشحة للتوسع الاستيطاني، لطالما بدت كإشعارات بأن الأراضي الفلسطينية بصدد هجمة استيطانية لاستقبال مهاجرين جدد.
والحق أن السلوك الإسرائيلي في تسعينات القرن الماضي يبدو مثالياً لمن أراد استلهام هذه الخبرة والنمذجة لها.. إذ شهد ذلك العقد تدفق ما يراوح حول 100 ألف مهاجر سنويا، وبخاصة من دول الاتحاد السوفيتي السابق.
واستدعى هذا المعدل توسعاً هائلاً موازياً في الزحف الاستيطاني على أرض الضفة. وكانت مفارقة سعار الهجرة والاستيطان وقتذاك في أنهما تزامناً وتواكباً تماماً مع انطلاقة عملية التسوية الفلسطينية.
لقد كانت تلك الانطلاقة تقتضي منطقياً وتستلزم حدوث العكس.. أي هبوط وتيرة الهجرة والاستيطان، علاوة على أن مثل هذا التزامن كان يوجب وقفة جادة رافضة من جانب المفاوض الفلسطيني، غير أن هذه الوقفة، تحت شعار استحالة الجمع بين الاستيطان والسلام؛ التي نشهد بعض تجلياتها راهناً، جاءت متأخرة كثيراً.
وسواء جاء هذا التأخر عن إفراط في توقع حسن نية “إسرائيل”، أم عن جهالة بأصول التفاوض الجاد وتحديد الأولويات، فانه أضر بالموقف الفلسطيني.
نسترجع ذلك كله بمناسبة ما نلحظه من تحول في المقاربة الإسرائيلية لقضية التوسع الاستيطاني خلال السنوات الأخيرة. فمعدل الهجرة إلى “إسرائيل” تراجع على نحو ظاهر، فيما ارتفع منسوب البغي الاستيطاني بمعدلات قياسية.
تقول دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية إن عدد المهاجرين اليهود للعام 2011 بلغ نحو 17 ألف شخص؛ اتجه 21.6 منهم إلى استيطان الضفة ولاسيما محور القدس الشرقية.
بيد أن العام ذاته شهد زخماً كبيراً في الإعلانات الخاصة بمشروعات البناء والإسكان وإجراءات مصادرة أراضي الفلسطينيين والاستيلاء عليها قسراً. وعطفاً على هذه الحقيقة، لا نبالغ إذا ما ذهبنا إلى أن أسبوعاً واحداً من العام الفائت، وصولاً إلى يومنا هذا من العام 2012، لم يمر دون أن يصفعنا واحد أو أكثر من هذه الإعلانات البغيضة.
ضمن المعاني التي يمكن استخلاصها في هذا الإطار، غياب الحاجة الملحة سكانياً لهكذا تضخم في المباغتات العدوانية الاستيطانية. ويتأكد هذا الفهم في ضوء ظاهرة أخرى لافتة، هي ضمور صافي الهجرة إلى “إسرائيل” إلى ما لا يزيد على الخمسة آلاف شخص. وذلك على اعتبار أن عدد المغادرين، ولاسيما إلى الولايات المتحدة، بلغ في العام 2011 ذاته نحو 12 ألف شخص.
ترى هل عجزت “إسرائيل” الدولة بمساحتها قبل العام 1967 عن استيعاب هذا الرقم، علماً بأن أكثر من نصف هذه المساحة مازال غير مأهول بالمرة حتى الآن؟ أم أن الأمر يتعلق بنيات مبيتة لضم مزيد من الأراضي المرشحة للدولة الفلسطينية، واستكمال عمليات الإطباق على القدس الشرقية وعزلها كلياً عن محيطها الفلسطيني الأم ؟.
ربما عاد التوحش الاستيطاني الإسرائيلي إلى هذا السبب أو ذاك، وقد لا يكون ثمة رابط مباشر بين هذا التوحش وبين عدد الوافدين والمغادرين لهذه الدولة، وإنما تكمن العلة في أن الاستيطان التوسعي من الخصائص الجوهرية الأصيلة في الدولة الصهيونية.
لكن الشاهد في كل الأحوال، أن السياسة الاستيطانية الإسرائيلية لا تدع مجالاً لغير الشكوك في توجهاتها السلمية. وتتفاقم مثل هذه الشكوك إلى الدرك الأسفل، إذا ما تذكرنا أن المفاوض الإسرائيلي يناقض طروحاته، حين يوغل في قضم أراضي الدولة الفلسطينية العتيدة، فيما هو يدفع بأن هذه الدولة هي المكان الأنسب لتطبيق حق اللاجئين والنازحين الفلسطينيين في العودة.
[email protected]
صحيفة البيان الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات