أيتام القدس الثلاثماية وستون ألفاً

يعيش فلسطينيو القدس أسوأ أوقاتهم هذه الأيام فسكان القدس الشرقية الثلاثماية وستون ألفاً (360000) هم أيتام سياسياً بسبب استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وغموض مستقبل القدس. لا يسمح لهم أن يكونوا جزءاً من السلطة الفلسطينية ولا أن يمتلكوا جواز سفر أو أن يستمتعوا بحكم لهم حسب اختيارهم. فهم ليسوا مواطنين إسرائيليين إذ أن “إسرائيل” تمنح الإقامة الدائمة للفلسطينيين الذين كانوا في القدس عندما احتل الجيش الإسرائيلي المدينة المقدسة وضمها بشكل أحادي الجانب ل”إسرائيل”. وبالرغم من أنه لم تعترف أية دولة في العالم بهذا الضم، فإن الفلسطينيين لم ينجحوا في التكوين والمحافظة على المؤسسات المحلية الخاصة بهم بسبب السياسة الاقصائية الإسرائيلية ومحاولاتها في تهويد القدس.
ورغم الوعود الإسرائيلية والتزامات الولايات المتحدة، منذ اتفاقات أوسلو (باحترام والسماح للمؤسسات الموجودة الاستمرار بالعمل)، فإنه قد تم عزل المدينة ورفض أي مجال لكي تحكم وتدير شؤونها المحلية. فقد تم إغلاق بيت الشرق الذي كان بحكم الواقع نقطة مرجعية فلسطينية وذلك بأوامر من الإسرائيليين الذين استخدموا قوانين الطوارئ لإبقائها مغلقة. وتم بالمثل إغلاق غرفة التجارة حارمين بذلك التجار الفلسطينيين من أي تنظيم مؤسساتي. إن الشرطة الإسرائيلية توقف بسرعة أي حدث تفوح منه رائحة القومية الفلسطينية. فقد تم رفض محاولة للاحتفال بنجاح بطل كرة القدم بدعوى أن السلطة الفلسطينية كانت سراً وراء هذه الاحتفالات.
إن المؤسسة الوحيدة التي استمرت بصعوبة طيلة عقود من الاحتلال في المدينة المقدسة هي شركة كهرباء القدس، وهذه الشركة الخاصة التي ظلت تعمل على أساس امتياز تملكها البلديات المحلية من مناطق بيت لحم ورام الله وبلدية القدس الشرقية. وبطبيعة الحال، فقد استولت البلدية الإسرائيلية على المقاعد المخصصة لبلدية القدس. والمعروف أن سكان القدس قاطعوا انتخاباتها منذ ذلك الوقت بسبب القرار الإسرائيلي بتوحيد القدس الشرقية والغربية ضد إرادة السكان المحليين والمجتمع الدولي.
وعلى مر السنين فقدت هذه الشركة الوطنية قدرتها على إنتاج الطاقة وأصبحت شركة إعادة توزيع للكهرباء وجباية للفواتير. والآن، فإن الشركة الإسرائيلية التي تزودها بالكهرباء تهددها بالاستيلاء على ممتلكاتها وحساباتها البنكية بسبب ديونها المتزايدة. يبلغ دين شركة القدس حوالي 100 مليون دولار. يكمن جزء من المشكلة في أن الفلسطينيين وخصوصاً الذين يعيشون في المخيمات قد توقفوا عن دفع فاتورة الكهرباء (وكذلك فواتير المياه والضرائب) عندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية. طلبت شركة الكهرباء من السلطة الفلسطينية مساعدتها في تحصيل الفواتير أو تسديد فواتير مخيمات اللاجئين ولكن دون نتيجة.
لا تقتصر مشاكل مدينة القدس على أزمة شركة الكهرباء الحالية. إن المشكلة الأكبر التي يشكو منها أيتام المدينة باستمرار هي عدم وجود أية آلية لحل المشاكل بين سكان المدينة أنفسهم. فالجريمة المحلية لا يتم حلها مما يؤدي إلى خلق نظام أمني مواز الذي يفضل بشكل عام الأسر الكبيرة وأولئك الذين لديهم القدرة على استئجار البلطجيين لحمايتهم.
يفضل الفلسطينيون عدم الذهاب إلى القضاء الإسرائيلي للشكوى ضد بعضهم البعض، إلا أنهم أدخلوا، خلال الانتفاضة، فكرة التحكيم المحلي. ولكن هذه الآلية المحلية أصبحت الآن فاسدة. إن التحكيم ينفع جيداً عندما يثق الناس بقراراته ويلتزمون بها. ما حدث هو أن الجريمة المنظمة في القدس قد جعلت التحكيم وسيلة مثالية لانتزاع كميات كبيرة من الأموال من الأفراد الضعفاء وذلك بأن يقترحوا عليهم محكما ممن يبدو من أصحاب السمعة ومن ثمّ الضغط على المحكمين لعمل تسويات يحصلون من خلالها على نسبة مئوية كبيرة.
إن السلطة الفلسطينية غير قادرة على التدخل والإسرائيليون قلّ ما يهتمون لوقف هذا التيار من الجريمة المنظمة وقطاع الطرق. يبدو أن بعضاً ممن يسموا بالقوميين يتعاونون سراً ويستفيدون من هذه البلطجة. والنتيجة هي تآكل خطير للتماسك المحلي والتعاون الوطني.
بينما القادة الوطنيون الفلسطينيون يستمرون في تكرار التأكيد على أهمية القدس في النضال الوطني، فإنه من المحتمل جداً أنه لو تم التوصل إلى اتفاق على المستوى السياسي، فإن الفلسطينيين سوف يكتشفون أن المدينة التي كانوا قد أعلنوا أنها عاصمتهم ما هي إلا مدينة مفرغة يديرها بلطجيون ومجرمون.
* كاتب صحفي فلسطيني من القدس
صحيفة القدس العربي اللندنية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: قرار برلمان بروكسل تمكين للعدالة الدولية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أشادت حركة حماس بقرار برلمان بروكسل مطالب الحكومة الفيدرالية بتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية...

القسام يشتبك مع قوة صهيونية ويجهز على سائق آلية عسكرية شرقي غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اليوم الثلاثاء، الاشتباك مع قوة هندسة صهيونية، والإجهاز على سائق آلية...

470 ألف فلسطيني بغزة قد يواجهون جوعاً كارثياً من المرحلة الخامسة حتى سبتمبر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام رجح تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي إن يواجه 470 ألف شخص في قطاع غزة، جوعاً كارثياً (المرحلة الخامسة...

شهيد بقصف مسيّرة إسرائيليّة دراجة نارية في جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شخص، اليوم الثلاثاء، إثر قصف من مسيّرة إسرائيليّة على بلدة حولا جنوبيّ لبنان، في استمرار للخروقات...

الصحة تعلن ارتفاع عدد ضحايا الإبادة بغزة إلى 52908 شهداء
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، اليوم الثلاثاء، ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 52908 شهداء و119721 مصابا منذ 7 أكتوبر/...

أمن السلطة يقتل الشاب رامي زهران في مخيم الفارعة
طوباس - المركز الفلسطيني للإعلام قتلت عناصر أمن السلطة، الشاب رامي زهران بإطلاق نار مباشر -اليوم الثلاثاء- في مخيم الفارعة شمال الضفة الغربية....

الأمم المتحدة: عدد الوجبات اليومية المقدمة في غزة تراجع بنسبة 70%
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إن عدد الوجبات اليومية المقدمة للفلسطينيين في قطاع غزة انخفض هذا...