الخميس 08/مايو/2025

فيّاض ونظرية «الانتخابات بمن حضر»

فيّاض ونظرية «الانتخابات بمن حضر»

كنا نخشى إهمال القيادة الفلسطينية لحق الفلسطينيين في الشتات في اختيار ممثليهم إلى المجلس الوطني الفلسطيني….اليوم تفاقمت خشيتنا، وبتنا نخشى أن تهمل هذه القيادة حق فلسطينيي الداخل في اختيار رئيسهم وممثليهم في المجلس التشريعي (حين يلتئم شمل هذه الانتخابات بعد عمر طويل)… فالتصريحات التي نطق بها رئيس “أطول حكومة تصريف أعمال عمراً في العالم” سلام فياض، تثير القشعريرة في النفوس، وتؤشر إلى ما يدور في خلد بعض الأوساط القيادية الفلسطينية من أفكار وتصورات يمكن أن تخدم أي هدف وأية جهة، باستثناء أهداف الشعب الفلسطيني في استعادة الوحدة وتقرير المصير وبناء الدولة والعودة إلى الوطن.
فيّاض يستند إلى مماطلة حماس وعرقلتها استحقاق الانتخابات، للدعوة إلى إجراء انتخابات “بمن حضر”، يكفي غزة أن تشارك ترشيحاً لا انتخاباً، وليس مهم ما إذا كان المرشحون من غزة أو من “جزر القمر”، المهم أن تجري الانتخابات، وأن تعاد “شرعنة” السلطة التي يحتل فيها موقع “رئيس الحكومة المزمن”… فالرجل يدرك أن المصالحة والوحدة تمران بالضرورة فوق “أنقاض حكومته” وهو لمس ذلك لمس اليد في اتفاق الدوحة، وهو قرر على ما يبدو، أن يذهب بالمصالحة إلى الجحيم، وأن يسعى في تكريس سقوطها بالترويج لإجراء انتخابات من جانب واحد.
الغريب أن فيّاض في تصريحات سابقة له، عبّر عن قناعة بأن فتح أيضاً لا تريد انتخابات… لا أدري لماذا استثنى غزة من الانتخابات ولم يستثن الضفة كذلك، طالما أن كلاً من فتح وحماس لا تريدان الانتخابات… لا أدري لماذا هذه الكيل بمكيالين… ولا أعرف ما الذي سيكون عليه موقف فيّاض إذا ما رفضت “إسرائيل” السماح بإجراء الانتخابات في القدس المحتلة، هل سيستثني القدس على سبيل المثال، ويجري الانتخابات في محيط مكتبه في رام الله، باسم الشعب الفلسطيني ونيابة عنه، في أربع أرجاء الوطن المحتل والشتات؟.
وإذا “مددنا الموضوع على استقامته” وافترضنا أن “إسرائيل” ستعرقل إجراء الانتخابات بمشاركة حماس والجهاد أو غيرهما من الفصائل، هي سنجري الانتخابات بدون هؤلاء… هل سيوفر ذلك فرصة ذهبية لـ”طريقه الثالث” لكي يشق طريقه إلى قيادة الشعب الفلسطيني وتمثيله؟… ما الذي يريد فيّاض أن يقوله أو أن يوصلنا إليه؟.
والحقيقة أن صمت القبور الذي يلف رام الله حيال نظرية “الانتخابات بمن حضر” التي أطلقها فيّاض ويروجها بالنيابة عنه، كتاب ومستشارو “التدخل السريع” الذي يحيطون به ويعتاشون على فائض “أفكاره وأمواله”، هو ما يثير قلقنا، وليس ما يصدر عن فيّاض نفسه… فالرجل منذ انتخابات 2006، أثبت أن لا وزن له بنفسه، وأن مواقفه تؤخذ على محمل الجد بالقدر الذي تعكس فيه توجهات جديدة لدى القيادة الفلسطينية.
نحن نوافق فيّاض على أن فتح وحماس لا تبديان اهتماماً كافياً بالمصالحة، وربما لا مصلحة لهما في إجرائها في المدى المنظور… لكن “كلام الحق هذا” يصبح باطلاً ولن يفضي إلا إلى الباطل وحده، إن كانت الخلاصة المترتبة عليه، هي الدعوة لتكريس الانشقاق ومأسسته و”شرعنته”….عندها يصبح أداء رئيس “تصريف الأعمال” أكثر خطورة من تردد فتح ومماطلة حماس… عندها نقترب من تجاوز الخطوط الحمراء إن لم نكن قد جاوزناها فعلاً.
ليس للانتخابات في الحالة الفلسطينية قيمة بذاته فحسب، الانتخابات تكتسب قيمتها وجدواها و”تاريخيتها” إن أفضت إلى تجديد دماء النظام السياسي الفلسطيني واستعادة وحدته وتلاحمه، وإن هي اندرجت في سياق مشروعه الوطني (وهذا هو الأساس)، مشروع العودة والدولة وتقرير المصير… بخلاف ذلك تصبح الانتخابات “ديكوراً زائفاً” يصلح للعرض والتقديم على موائد المانحين والمؤسسات الدولية، التي ربما تكتفي من المسألة الفلسطينية برمتها، بهذا الديكور الديمقراطي… فما بالكم حين يكون ثمن الانتخابات التخلي عن غزة أو القدس أو كلتيهما معاً؟.
مؤسف هذا الوضع الذي آلت إليه القضية الفلسطينية بمختلف أبعادها… ففيما “إسرائيل” تقضم الأرض والحقوق والمقدسات والعاصمة، وتمضي قدماً في تكريس هويتها “اليهودية”، نرى “الإخوة الأعداء”، يتراشقون بمدافع الاتهامات المتبادلة الثقيلة، ويبنون حساباتهم على كل حدث وتطور إقليمي أو دولي، باستثناء ما يمكن أن يأتي به شعبهم.
لقد مللنا الدعوة للمصالحة والوحدة، بعد أن أيقنا بأن “لا حياة لمن ننادي”… وها نحن نصل إلى حالة يجرؤ فيها رئيس حكومة مُعين، لم يحصل سوى على مقعده في الانتخابات الأخيرة، برغم ضخامة الحملة الانتخابية وارتفاع أكلافها، على طرح مشروع تفتيتي آخر، لا وظيفة له سوى الإمعان في تكريس الانقسام والإطاحة بأية بارقة أمل في استعادة الوحدة، وإن بعد حين.
صحيفة الدستور الأردنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات