القضية الفلسطينية ومزاد الانتخابات الأميركية

في كل أربع سنوات تنعم “إسرائيل” بفرصة غير عادية لابتزاز المرشحين الرئيسيين لمنصب الرئاسة الأميركية، بل إن السياسة الأميركية قد كيفت مواقفها غير ما مرة مع السياسة الإسرائيلية كما حدث بالنسبة لقضيتي عودة اللاجئين ومستوطنات الضفة الغربية في عهد بوش الابن، ومع ذلك فإن الانتخابات الرئاسية الأميركية تكون فرصة للمزيد، وقد تأكد العرب عامة والفلسطينيون خاصة عبر خبرة عقود مع هذه الانتخابات أن طرفيها يدخلان “مزاد” المزايا الإضافية ل”إسرائيل” في صورة مساعدات أكثر أو سياسات أفضل، لا فرق في ذلك بين مرشح جمهوري وآخر ديمقراطي، أو بين مرشح موجود في السلطة وآخر ما زال يسعى لاعتلائها.
وقد ساد الظن حيناً من الوقت أن الجمهوريين أفضل من الديمقراطيين بالنسبة للقضايا العربية، وأن الرئيس الأميركي في ثاني مدة له -إذا جُدِّدَ له- يكون أكثر صلابة في مواجهة “إسرائيل” من رئيس ما زال يخطو خطواته الأولى في البيت الأبيض، لكن السياسة الأميركية عبر عقود طويلة تكفلت بتبديد هذا الوهم. ويبحث المرشحان في الانتخابات الرئاسية الأميركية عن المزايا التي يمكن أن يوفرها لهما اللوبي الصهيوني الأميركي، سواءً في شكل أصوات اليهود، أو المشاركة في تمويل الحملة الانتخابية للمرشح المفضل لدى هذا اللوبي، أو تقديم خدمات إعلامية، وما إلى هذا.
في هذه المرة افتتح المرشح الجمهوري ميت رومني “المزاد” بزيارة ل”إسرائيل” أعلن فيها موافقته على أن تكون القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل خلافاً للسياسة الأميركية الراهنة. قال رومني إنها تجربة مؤثرة جداً أن تكون في القدس “عاصمة إسرائيل”، ولكي يقطع الطريق على الهجوم المضاد من قبل الرئيس الأميركي الحالي حرص على أن يقول “الوقوف إلى جانب إسرائيل يعني أكثر من مجرد المساعدة العسكرية”، في انتقاد مبطن لسياسة الرئيس الحالي.
ومن ناحية أخرى -ولأنه يعلم مدى تحفز إسرائيل بسبب نمو القدرات النووية الإيرانية- صرح بأن الولايات المتحدة لديها واجب مقدس بألا تدع قادة إيران يتصرفون وفقاً لنياتهم الحاقدة تجاه “إسرائيل”، مشيراً إلى أن التاريخ مليء بالدروس التي تفيد بأنه عندما تحصل الأنظمة الاستبدادية على السلاح فإن السلاح ينسحب ليظهر العنف، وأوضح أنه في الوقت الذي يأمل فيه أن تنجح الإجراءات الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية في وقف مسعى إيران النووي فإنه لا ينبغي استبعاد أي خيار -ملمحاً إلى الخيار العسكري الذي يعلم مدى حماس إسرائيل له- وقال إنه سوف يقف إلى جانب هجوم إسرائيل على إيران في حالة إخفاق الخيارات الدبلوماسية المطروحة. هكذا تُطرَح الأمور في “مزاد” انتخابات الرئاسة الأميركية من دون أدنى تقدير لسلامة المنطقة وأمنها، بل ولمصالح بلاده التي يمكن أن ترتبك من ضربة كهذه، ناهيك عن أن تكون فاشلة.
وفي المقابل طالب المتحدث باسم البيت الأبيض رومني بشرح موقفه من مسألة القدس، وبيان الأسباب التي جعلته يختلف مع الرؤساء الأميركيين السابقين أمثال كلينتون وريجان والإدارات الديمقراطية والجمهورية السابقة فيما يتعلق بوضع القدس. غير أن إيران مسألة أخرى لا يستطيع الرئيس الحالي أن يتجاهل نمو قدراتها النووية من ناحية، ولا يمكنه بحكم مسؤوليته أن ينساق وراء تصريحات رومني، ولذلك بدأ أوباما نوعاً من الهجوم المضاد الحذر فأصدر أمراً رئاسياً بفرض عقوبات جديدة على قطاع البترول الإيراني استهدفت الشركات والمصارف التي تتعامل مع شركة البترول الوطنية الإيرانية، أو شركة بترول إيران، أو المصرف المركزي الإيراني، وذلك بهدف منع طهران من إيجاد وسائل جديدة لسداد قيمة البترول الإيراني تتفادى بها العقوبات الحالية. ومن ناحية أخرى أرسل أوباما وزير دفاعه إلى “إسرائيل” في زيارة لم تدم سوى ساعات، ولكنها كانت كافية لكي يلمح باسم الرئيس إلى أن الولايات المتحدة لا ترفض العمل العسكري من حيث المبدأ، إذ ذكر في مؤتمر صحفي “أن علينا أن نستنفد جميع الخيارات وجميع الجهود قبل أن نلجأ لعمل عسكري”، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لديها “خيارات أخرى” بخلاف العقوبات حال استمرار إيران في تطوير برنامجها النووي. وهكذا حافظ وزير الدفاع الأميركي على التوازن بين عدم رفض العمل العسكري من حيث المبدأ وبين السياسة الراهنة لبلاده التي ما زالت تراهن على فاعلية العقوبات وتتردد في موضوع الضربة العسكرية لإيران خشية تداعياتها على المصالح الأميركية، وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” قد ذكرت في تقرير لها قبل الزيارة أن “بانيتا” يعتزم أن يعرض على الزعماء الإسرائيليين الخطط التي تضعها وزارة الدفاع الأميركية لوضع حد لأنشطة إيران النووية إذا فشلت الطرق الدبلوماسية والعقوبات في إقناعها بوقف برنامجها النووي، غير أن وزير الدفاع الأميركي نفي في حينه هذه التقارير.
كذلك شهد باراك وزير الدفاع الإسرائيلي -على الرغم من وعود رومني ومزايدته- لأوباما وسياسته تجاه “إسرائيل”، إذ امتدح التعاون الأمني الأميركي- الإسرائيلي في ظل إدارة أوباما باعتباره الأفضل من أي إدارة أميركية سابقة في التاريخ المعاصر، وذكر أنه على الرغم من قوة الدعم الأميركي ل”إسرائيل” إلا أن إدارة أوباما فعلت من أجل أمن “إسرائيل” أكثر من أية إدارة أميركية أخرى، ولعل هذا ما يفسر لنا لماذا فقد رومني صوابه، وانخرط في سلسلة من التصريحات غير المسؤولة أملاً في أن يستطيع تجاوز السقف الذي وصل إليه أوباما وفقاً لشهادة وزير الدفاع الإسرائيلي نفسه.
هكذا تعودنا منذ عقود أن تكون قضايانا أول ما يعرض من القضايا الخارجية في “مزاد” انتخابات الرئاسة الأميركية، وعادة ما لا يوجد رد فعل عربي يذكر في مواجهة ما يتم في هذا “المزاد”، ولعل في هذا نوعاً من الحكمة التي تشير إلى أن من يصل إلى كرسي الرئاسة يلتزم بضوابط السياسة الأميركية أياً كانت تصريحاته إبان الحملة الانتخابية، أو لعله يعبر عن نوع من اليأس من إمكان التأثير في السياسة الأميركية عامة، وفي معركة الانتخابات الرئاسية خاصة، مع أننا نملك أدوات لا بأس بها يمكن أن تكون مؤثرة في هذا السياق، أو لعله أخيراً يحدث بسبب العلاقات الإيجابية بين الولايات المتحدة وعديد من الدول العربية.
أما أصحاب القضية الأصليون -أي الفلسطينيون- فهم يكتفون بالتصريحات الناقدة كرد فعل “لمزاد” انتخابات الرئاسة الأميركية، وقد حدث هذا مرات عديدة في انتخابات رئاسية سابقة من دون أن يتعلم أحد أن التصريحات وحدها لا تسمن ولا تغني من جوع، خاصة عندما تكون هينة مثل وصف تصريحات رومني بأنها “غير مقبولة”، وتضر بأمن المنطقة واستقرارها. وإنما المطلوب من الفلسطينيين أن يأتوا بأفعال محددة تمثل رداً عملياً على الاستخفاف بحقوقهم. هناك أولاً عمل استراتيجي في مقدورهم أن ينجزوه، وهو استعادة وحدتهم المفقودة منذ 2007، وإنجاز مصالحة حقيقية بين “حماس” المسيطرة على قطاع غزة و”فتح” التي تحكم الضفة الغربية باسم السلطة الفلسطينية. وهناك ثانياً أنه بمقدورهم أن يتخذوا موقفاً طال انتظاره، وهو الإعلان عن إفلاس السبيل التفاوضي مهما كانت الضغوط الأميركية، والبحث بعد تحقيق المصالحة في وسائل فاعلة للمقاومة ليس من الضروري أن تكون مقاومة مسلحة، وإلا فإن قضايانا ستبقى دائماً أول ما يعرض في “المزادات” السياسية.
صحيفة الاتحاد الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

سجن جندي احتياط إسرائيلي لرفضه القتال في الضفة الغربية
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت هيئة البث الإسرائيلية إن جندي احتياط إسرائيليا سجن 5 أيام بعد رفضه المشاركة في القتال في الضفة الغربية...

رفض حقوقي للخطة الأمريكية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام عبر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان عن رفضه التام للخطة الجديدة التي تروج لها الولايات المتحدة الأميركية، بالتنسيق مع دولة...

33 شهيدًا و94 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 33 شهيدا، منهم 29 شهيدا جديدا، و4 شهيد انتشال)، و94 إصابة، إلى مستشفيات غزة خلال...

أبو عبيدة: الإفراج عن الجندي الأسير عيدان ألكساندر اليوم الاثنين
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قرارها، الإفراج عن الجندي الصهيوني الذي يحمل...

16 شهيدا بينهم أطفال بمجزرة إسرائيلية في مدرسة تؤوي نازحين في جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مجزرة فجر اليوم الاثنين، بعدما استهدفت مدرسة تؤوي نازحين في جباليا البلد شمال غزة،...

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...