الأحد 11/مايو/2025

إسرائيل.. الغاز لمواجهة تبعات الربيع العربي

إسرائيل.. الغاز لمواجهة تبعات الربيع العربي

يعيش صناع القرار وأرباب المرافق الاقتصادية في “إسرائيل” هذه الأيام حالة من النشوة في أعقاب اكتشاف الاحتياطيات الضخمة للغاز الطبيعي بالقرب من الساحل الشرقي لحوض البحر الأبيض المتوسط؛ الأمر الذي جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يجزم بأن “إسرائيل” ستدخل نادي الدول المصدرة للغاز الطبيعي فقط، بل إنه أرسل وزير ماليته يوفال شطاينتس ليجوب دول العالم عارضاً بيعها الغاز، الذي لم يستخرج بعد.
وحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن احتياطي الغاز في حقل “تمار” -الذي تم اكتشافه على بعد 90 كلم شمال ساحل مدينة حيفا- يقدر بـ184 مليار متر مكعب، في حين يقدر احتياطي الغاز في حقل “ليفيتين”، القريب من المياه الإقليمية القبرصية بـ453 مليار متر مكعب، إلى جانب اكتشاف حقول غاز أخرى لم يتم تحديد حجم الاحتياطات فيها.
ويتضح من الجدل المحتدم في “إسرائيل” بشأن آثار اكتشاف احتياطيات الغاز الضخمة أن النخبة الحاكمة في تل أبيب لا تراهن فقط على دور هذه الاكتشافات في تحسين الأوضاع الاقتصادية في الكيان الصهيوني بشكل جذري، بل إنها تراهن على أن تسهم هذه الاكتشافات في تعزيز مكانة “إسرائيل” الإستراتيجية، بحيث تقلص حجم العوائد السلبية للربيع العربي على الكيان الصهيوني.
وفي المقابل، فإن هناك في “إسرائيل” من بات يحذر من المبالغة في عقد الرهانات على هذه الاكتشافات، ويتوقع أن تكون بمثابة سهم مرتد إلى عنق الكيان الصهيوني، في حال لم يتم التعامل معها بحذر شديد.
الأهمية الإستراتيجية
بالنسبة للكثير من صناع القرار في “إسرائيل”، فإن الإسهام الأبرز لاكتشافات الغاز الجديدة يتمثل في إمكانية تقليصها “الأضرار” الناجمة عن ثورات التحول الديمقراطي في العالم العربي، لا سيما خلع الرئيس مبارك. ويمكن حصر إسهامات اكتشافات الغاز في هذا الجانب -كما يراها صناع القرار في “إسرائيل”- على النحو التالي:
أولاً: التعويض عن قرار مصر إلغاء صفقة بيع الغاز المصري ل”إسرائيل”، مع العلم بأن “إسرائيل” كانت توفر مليارات الدولارات سنوياً بفضل شروط هذه الصفقة المريحة جداً، حيث إن مصر كانت تبيع الغاز ل”إسرائيل” بثلث قيمته في الأسواق العالمية؛ مع العلم بأن إمدادات الغاز المصري ل”إسرائيل” قد توقفت قبل الإعلان عن إلغاء الصفقة، وذلك بسبب عمليات التفجير التي كانت تستهدف الأنبوب الذي كان ينقل الغاز المصري ل”إسرائيل”.
ثانياً: تفترض “إسرائيل” أن الممرات المائية التي يتم نقل مصادر الطاقة عبرها إليها لن تكون آمنة في ظل التحولات التي شهدها العالم العربي مؤخراً، علاوة على أن صناع القرار في الكيان الصهيوني ينطلقون من قناعة مفادها أن إغلاق المعابر المائية المهمة بالنسبة ل”إسرائيل” سيكون أحد الإجراءات العقابية التي سيلجأ إليها العرب كرد على ما يعتبرونه سلوكاً إسرائيلياً عدائياً ضدهم، كأحد مظاهر التحول في السلوك العربي تجاه “إسرائيل” في أعقاب ثورات التحول الديمقراطي.
من هنا، فإن هناك حاجة ماسة للاعتماد على مصادر طاقة ذاتية، تقلص الحاجة إلى استخدام الممرات المائية في مرحلة ما بعد الثورات العربية. وقد عبرت ما تعرف بـ”هيئة مكافحة الإرهاب” في ديوان نتنياهو عن مخاوفها من قيام حركات الجهاد العالمي باستهداف السفن التي تنقل مصادر الطاقة إلى “إسرائيل”، مع العلم بأن حجم وإمكانيات سلاح البحرية الإسرائيلي لا تسمح بتوفير الحماية للسفن الإسرائيلية التي تنتقل عبر الممرات المائية المختلفة.
ثالثاً: ترى دوائر الحكم في تل أبيب أن اكتشافات الغاز ستسهم في تقليص مظاهر العزلة الإقليمية التي علقت فيها “إسرائيل” في أعقاب الثورات العربية، وكنتيجة لضعف وتراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة.
وتعتقد هذه الدوائر أن دخول “إسرائيل” نادي الدول المصدرة للغاز سيجعلها قادرة على إقامة شراكات إستراتيجية مع قوى عالمية مؤثرة. فمثلاً يرى الجنرال يسرائيل زيف -الذي شغل منصب رئيس قسم التخطيط في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي سابقاً- أن “إسرائيل” بإمكانها إرساء شراكة بالغة الأهمية مع روسيا تقوم على التعاون في مجال إيجاد أسواق مشتركة للغاز.
ويعتبر زيف أن تعلق الرئيس الروسي بوتين باقتصاديات الطاقة بشكل خاص سيجعله يوافق بدون تحفظ على إقامة شراكة إستراتيجية مع “إسرائيل”. وحسب منطق زيف فإن إرساء دعائم هذه الشراكة سيجعل “إسرائيل” قوة إقليمية مؤثرة، وسيجعل الكثير من الدول تقبل عليها وعلى إقامة علاقات معها، مما يقلص مظاهر عزلتها الإقليمية.
وقد أقدمت “إسرائيل” على خطوة عملية على هذا الصعيد، إذ إن حكومة نتنياهو استغلت قيام إيران بفسخ عقود توريد الغاز للهند، وأرسلت وزير ماليتها يوفال شطاينتس الذي عرض على المسؤولين الهنود أن تقوم “إسرائيل” بسد العجز الناجم عن توقف إمدادات الغاز الإيرانية للهند، على الرغم من أنه لم يتم حتى الآن الشروع في استخراج الغاز من الحقول المكتشفة، ومع ذلك فقد تم بالفعل التوافق على تشكيل لجنة مشتركة هندية إسرائيلية لبحث شروط وظروف تزود الهند بالغاز الإسرائيلي.
ومن الواضح أن إقدام “إسرائيل” على هذه الخطوة لا يهدف فقط إلى تحقيق مكاسب مادية، بل يرمي -بشكل أساسي- إلى تحقيق مكاسب إستراتيجية، فاعتماد قوة عالمية صاعدة مثل الهند على الغاز الإسرائيلي سيعزز مكانة الكيان الصهيوني الدولية.
رابعاً: إن أحد مقومات “الأمن القومي” الإسرائيلي يقوم على مبدأ تقليص حاجة “إسرائيل” إلى استيراد المواد الخامة الإستراتيجية من الخارج، وضمنها مصادر الطاقة، على اعتبار أن الأوضاع الجيوسياسية لا تسمح ل”إسرائيل” بأن يتأثر حصولها على المواد الخامة الإستراتيجية بالظروف الأمنية والسياسية السائدة في الإقليم، بسبب حالة العداء بينها وبين العالم العربي.
خامساً: ستسمح العوائد المالية الناجمة عن اكتشافات الغاز ل”إسرائيل” بزيادة نفقاتها الأمنية في أعقاب ثورات الربيع العربي، مع العلم بأن التقديرات الأولية تشير إلى أن “إسرائيل” ستحتاج إلى عشرات المليارات من الدولارات لإعادة بناء قوتها العسكرية من أجل مواجهة التحديات الناجمة عن هذه الثورات.
ويدرك صناع القرار في تل أبيب أنه بدون توظيف العوائد المالية لتصدير الغاز، فإن تلبية الاحتياجات الأمنية الطارئة سيتسنى بإحدى آليتين، فإما أن يتم عبر اعتماد سياسات تقشفية على صعيد تقديم الخدمات للجمهور الإسرائيلي، وذلك بتقليص الموازنات المخصصة للرفاه الاجتماعي لصالح النفقات الأمنية؛ أو مطالبة الولايات المتحدة بتغطية هذه النفقات. ولقد طالب وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بالفعل الإدارة الأميركية بتحويل مبلغ 20 مليار دولار من أجل مساعدة “إسرائيل” على مواجهة هذه التحديات، لكن هناك شك كبير في أن تستجيب إدارة أوباما لهذا الطلب في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالولايات المتحدة.
تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية
يأمل صناع القرار في “إسرائيل” أن تسهم اكتشافات الغاز في تحسين الأوضاع الاقتصادية في “إسرائيل” بشكل جذري، إذ إن وزارة المالية الإسرائيلية تتوقع أن يصل حجم العوائد من الضرائب التي ستفرض على الشركات التي ستتولى استخراج الغاز أربعة مليارات دولار سنوياً، مع أن هذا المبلغ سيكون مرشحاً للزيادة.
وتراهن الحكومة الإسرائيلية على أن تسهم الاكتشافات الجديدة في تخفيض كلفة إنتاج الكهرباء، حيث إن أكثر من 60% من الكهرباء يتم إنتاجها باستخدام محطات فحمية، مع العلم بأن كلفة إقامة هذه المحطات أربعة أضعاف المحطات التي تعتمد على الغاز الطبيعي، إلى جانب حقيقة أن استخدام الغاز في إنتاج الطاقة الكهربائية يقلص حجم التلوث الناجم عن استخدام الفحم.
ويأمل صناع القرار في تل أبيب أن يتمكنوا من إنتاج 60% من الطاقة الكهربائية باستخدام الغاز حتى نهاية العقد الحالي، في حين أعلن يفتحيل رون طال رئيس مجلس إدارة شركة الكهرباء القطرية في “إسرائيل” أنه يأمل أن يتم إنتاج 100% من الكهرباء بواسطة الغاز.
ويراهن نتنياهو على دور العوائد المالية لاكتشافات الغاز في تحسين ميزان المدفوعات الإسرائيلي بشكل جذري، لأنه يفترض أن يسهم هذا التطور في تقليص كمية النفط التي سيتم استيرادها من دول العالم، علاوة على أنه سيزيد من احتياطي الكيان الصهيوني من العملات الصعبة، وسيمكّن الحكومة الإسرائيلية من تخفيض الأعباء على كاهل الطبقة الوسطى والفئات الضعيفة في المجتمع الإسرائيلي.
وتكتسب هذه الاكتشافات أهمية مضاعفة في ظل حركات الاحتجاج الاجتماعي التي تجتاح “إسرائيل”، والتي ترفض سياسات حكومة نتنياهو في المجال الاقتصادي الاجتماعي.
ومما لا شك فيه أن اليمين بزعامة نتنياهو يأمل أن يسهم هذا التطور في تعزيز فرصه لمواصلة إدارة الحكم في الكيان الصهيوني، ويأمل نتنياهو بشكل خاص أن تؤدي العوائد الاقتصادية لاكتشافات الغاز إلى تكريس مكانته كالزعيم الذي لا تمكن منافسته.
محاذير
لكن إزاء هذه الرهانات الكبيرة على اكتشافات الغاز، فإن هناك من يرى أنها تنطوي على مخاطر جمة، وتوجب على صناع القرار التعامل معها بحذر وحكمة. وتمكن الإشارة إلى عدد من المخاطر الناجمة عن هذه الاكتشافات:
1- الإسهام في بعث نزاعات إقليمية جديدة بسبب الخلافات التي تفجرت بالفعل بين “إسرائيل” وعدد من الأطراف بشأن حق الملكية على الحقول المكتشفة حديثاً، والتي تدعي “إسرائيل” أنها تعود لها بشكل حصري.
فعلى سبيل المثال أعلن الأتراك أن الملكية على حقل “راحيل” الذي أعلن الإسرائيليون اكتشافه بالقرب من المياه الإقليمية القبرصية تعود لهم، وأنهم لن يتنازلوا عن هذا الحق. وإذا أخذنا بعين الاعتبار التوتر الحاصل أصلاً بين تركيا و”إسرائيل” في أعقاب أحداث أسطول الحرية، فإن النزاع حول هذا الحقل يزيد من فرص تحول الخلاف بين الجانبين إلى نزاع سياسي وعسكري.
وفي الوقت ذاته، فإن لبنان أعلن بشكل لا يقبل التأويل أن مزاعم “إسرائيل” بشأن حقها الحصري في حقل الغاز -الذي أطلقت عليه “إيالون”، والواقع بالقرب من الحدود الفلسطينية اللبنانية- غير صحيحة، وأن هذا الحقل يعود للبنان.
ومما زاد الأمور تعقيداً أن زعيم حزب الله حسن نصر الله أوضح أن الحزب سيتعامل مع السيطرة الإسرائيلية على هذا الحقل كما يتعامل مع الأراضي اللبنانية التي احتلتها “إسرائيل”. وهناك في “إسرائيل” من يحذر من أنه بمعزل عن الادعاءات بحق لبنان في الملكية على حقل “إيالون”، فإن حزب الله قد يجد في استهداف حقول الغاز المكتشفة حديثاً أهدافاً مشروعة يمكن ضربها للرد على أي سلوك “إسرائيل” سواءً كان ضد الحزب أو إيران؛ مع العلم بأن التجربة دلت على أن الحزب لديه من الوسائل ما يمكنه من تشكيل تهديد حقيقي لهذه الحقول.
2- من المفارقة أن الولايات المتحدة بالذات تمارس ضغوطاً كبيرة على “إسرائيل” لكي لا تقوم بأي خطوة من شأنها توتر الأوضاع في البحر الأبيض المتوسط، وذلك لأن الولايات المتحدة ستكون أكبر طرف متضرر من أي مواجهة محتملة في المستقبل.
فمعظم الشركات التي تتولى عمليات التنقيب عن الغاز والنفط في هذه المنطقة لصالح مختلف الدول في هذا البحر هي شركات أميركية استثمرت عشرات المليارات من الدولارات. وهذا يعني أن هذه الشركات ستكون معرضة لتكبد خسائر هائلة في حال نشوب أي نزاع إقليمي حول حقول الغاز، وهذا ما لا يمكن أن تسمح به الولايات المتحدة التي تعي أن هذا التطور سيفاقم الأوضاع الاقتصادية الأميركية سوءاً.
3- هناك في “إسرائيل” من يرى أنه من الخطأ الجسيم أن تتجه “إسرائيل” إلى الاعتماد على الغاز بشكل كامل في إنتاج الكهرباء، على اعتبار أن المخاطر الأمنية المحدقة بحقول الغاز المكتشفة كبيرة.
ويرى الكثير من الخبراء أنه على الرغم من الكلفة الكبيرة الناجمة عن استخدام المحطات الفحمية، وأضرارها البيئية، فإنه يتوجب عدم الاستغناء عنها في إنتاج الكهرباء، علاوة على دعوتها لتطوير مصادر طاقة بديلة تقلص المخاطر الناجمة عن التعلق بمصدر واحد للطاقة.
قصارى القول، رهانات “إسرائيل” الكبيرة على دور اكتشافات الغاز في تقليص الآثار “السلبية” للربيع العربي على بيئتها الإستراتيجية، يقابلها الكثير من المحاذير.
ال

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....