الإثنين 12/مايو/2025

نتنياهو وتربيع الدائرة في إسرائيل

نتنياهو وتربيع الدائرة في إسرائيل

لم تعد تيارات اليهود العلمانيين في “إسرائيل” تطيق صبراً على إعفاء مواطنيهم المتدينين (الحريديم)، من أداء الخدمة العسكرية الإلزامية. بعد 64 عاماً من الجدل حول مدى استقامة هذا الإعفاء واتساقه مع مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، تمكن العلمانيون من تكوين جبهة اجتماعية وفقهية سياسية عريضة، تدفع في اتجاه ضرورة خضوع المتدينين للتجنيد في الجيش.. هذا وإلا كانت هذه الشريحة تحظى بميزة قياساً ببقية القطاعات الاجتماعية الأخرى.
وفي غمرة الزعم بالبحث عن كيفية معالجة عوار المساواة بين يهود “إسرائيل”، تحت شعار توزيع الأدوار والأعباء، استطرد التناظر إلى قضية إلزام فلسطينيي 1948 بكل من الخدمتين العسكرية والمدنية، شأن سائر مواطني الدولة. وعليه، استدرج أبناء المجتمع الفلسطيني داخل “إسرائيل”، إلى حمأة نقاش وتنازع لا يخصهم، بحكم التاريخ والتكوين الاستثنائي لهذه الدولة الاستيطانية غير الاعتيادية.
ولأن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء “إسرائيل”، مشهود له بالنفاق والانتهازية والشغف بالمناورة، فقد عجل بركوب الموجة، فتعهد بالاستجابة لنداء العلمانيين و”توسيع نطاق التجنيد العسكري ليشمل اليهود المتشددين والعرب الإسرائيليين”.
وعلى سبيل إبداء الصدقية في تعهداته، شكل نتنياهو لجنة بلاسنر، نسبة إلى رئيسها يوحنان بلاسنر عضو الكنيست من حزب كاديما، كي تضطلع بالبحث في تطبيق مبدأ الأعباء المتساوية. وقد أوصت اللجنة فعلاً بزيادة مشاركة المتدينين والعرب، في الخدمة الوطنية والمدنية.
لقد تصور نتنياهو أنه بخطوته الجريئة سوف يأتي بما لم يستطعه الأوائل، بالنظر إلى أن أحداً من سابقيه في رئاسة الحكومات الإسرائيلية منذ إعلان “إسرائيل”، لم يتمكن من إلزام الحريديم والعرب بهذه الخدمة. وكان مما شجعه على الاعتقاد بأنه رجل هذه القضية المختار، تضامن مروحة واسعة من القوى العلمانية و”اليسارية” معه، وتأكيدات استطلاعات الرأي بأن أكثرية من الإسرائيليين تؤيده، فضلاً عن عشرات ألوف المتظاهرين في تل أبيب، الذين رفعوا شعارات داعمة له مثل “شعب واحد.. تجنيد إلزامي واحد”.
غير أن هذه النشوة سرعان ما ووجهت بحقائق مضادة تعبر عن الرفض والغضب؛ على رأسها مواقف كل من اليهود الحريديم والعرب.. الأمر الذي أكره نتنياهو على التراجع والبحث عن مخرج آمن، يخلصه مما ورط به نفسه من تعهد يصعب الوفاء به بالسهولة التي تخيلها.
فمن ناحية، هاجت القوى والأحزاب الدينية، مثل شاس ويهودت هاتوراه، في وجه رئيس الوزراء، وراحت تذكره بأن له شركاء، لطالما ناصروه وقت العسرة النيابية، وقد يغادرون معسكره إذا ما مضى إلى إنفاذ وصايا بلاسنر أو حاول تمريرها بمشروع قانون.
ومن ناحية أخرى، أعادت قوى فلسطينيي 48 تأكيد موقفها الرافض تماماً لفرض التجنيد على العرب. وجدد أيمن عودة رئيس لجنة مناهضة التجنيد، التذكير بأن لقومه وضعاً مختلفاً عن السياق اليهودي برمته، وأن المطلوب ليس إلحاق العرب بجيش ساهم في قمعهم واستلاب أرضهم والتعدي على حقوق شعبهم، وإنما طرح ملف قضاياهم ووجودهم المثخن بجراح التمييز. واعتبرت حنين الزغبي، عضو الكنيست عن حزب التجمع، الإجراء الإسرائيلي بمثابة إعلان حرب على العرب في الدولة العبرية.
في ضوء هذا التجاذب، دخل نتنياهو في دائرة من الحيرة والارتباك.. فهو اضطر تحت ضغوط الحريديم، والعرب نسبياً، إلى فض لجنة بلاسنر وإهمال توصياتها. ثم إنه نكص عن هذا العدول، انصياعا لغضبة العلمانيين وإصرار شريكه الجديد المتنمر موفاز على موقفه. وكانت المحصلة أنه عاد إلى سيرته، حيث الأساليب المطاطية الانتهازية، بأن انحاز إلى تكوين طاقم بديل من لجنة بلاسنر، بهدف صياغة مسودة قانون يسمى “المساواة في العبء”، يشق طريقه إلى الحكومة ثم الكنيست.
ضمن مفارقات هذا المشهد، لنا أن نلحظ تلاقي موقف أكثر التيارات الدينية اليهودية تطرفاً ورجعية، مع موقف أكثر قوى فلسطينيي 48 حرصاً على انتمائهم الوطني الفلسطيني والعربي القومي. فالحريديم يقعون عند أقصى نقطة عنصرية يمكن تصورها في “إسرائيل” ضد العرب، فيما يقع العرب عند أقصى نقطة على الطرف الآخر من المتواصل.. إنه لقاء النقيضين من منطلقات شديدة التباين والاختلاف.
الحريديم يرفضون الخدمة العسكرية، بهدف التفرغ لتغذية الدولة بالفكر التوراتي العنصري الانعزالي وروايته الملفقة عن “أرض إسرائيل”.. والعرب يأبون الخضوع لإجراء يسوقهم إلى رفع السلاح ضد أنفسهم وبني وطنهم وقوميتهم، ويطيح بروايتهم الحقيقية لتاريخ فلسطين..
ترى، متى وعلى أي شاكلة ستضع الحرب التي يعنيها هذا التنازع العميق أوزارها؟ وكيف يوفق نتنياهو ورهطه بين دعوته السياسة الفلسطينية للاعتراف ب”إسرائيل” كدولة خالصة لليهود، وبين محاولته إدماج فلسطينيي 48، ذوي الأصل القومي والديني المختلف كلياً، في جيش هذه الدولة؟
[email protected]
صحيفة البيان الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....