الأحد 11/مايو/2025

بين الاحتلال والهولوكوست

بين الاحتلال والهولوكوست

رغم القهر الذي يتعرض له الفلسطينيون في الأرض المحتلة، ورغم إصرار “إسرائيل” على ابتلاع الأرض كلها، فإن العالم قد تغير بالفعل فصار أقل صبراً على الجرائم الإسرائيلية، الأمر الذي ينبغي معه أن نبحث في كيفية التفاعل مع تلك المعطيات الجديدة.
والتغير العالمي له مؤشرات شتى، منها مثلاً أنه في مقابل الصمت الرسمي للحكومات، بات المجتمع المدني العالمي يتصدر معارك العدل والحرية في العالم. وقد تصاعدت قوة المجتمع المدني بخصوص الحقوق الفلسطينية، بعد أن نشأت “الحركة العالمية لمقاطعة “إسرائيل” وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها”، المعروفة اختصاراً باسم “بي دي إس”، والتي تضم نشطاء من كل الجنسيات والأديان، بمن في ذلك اليهود.
ورغم أن الحركة لا تزال تحتاج للمزيد من الزخم والدعم، إلا أن المؤكد أنها قد أسهمت في نزع الشرعية عن الاحتلال الإسرائيلي وفضح ممارساته، الأمر الذي صار يقض مضاجع المسؤولين الإسرائيليين، لدرجة اعتبار محاولات نزع الشرعية تلك “تهديداً وجودياً لإسرائيل”.
والتغير الذي يحدث في العالم لا يقتصر على تلك الحركة، فهناك من الأصوات ذات الاحترام العالمي، من دسموند توتو إلى الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، التي صارت تنتقد علناً ممارسات “إسرائيل” العنصرية في الأرض المحتلة.
ومن المؤشرات الدالة على ذلك التحول أيضاً، هو ما يجرى داخل الجماعة اليهودية الأمريكية من تذمر إزاء الصمت الذي فرضه لوبي “إسرائيل” طويلاً عليهم، بدعوى أن انتقاد “إسرائيل” لا يخدم سوى أعدائها. فالأجيال الشابة من اليهود الأمريكيين، صارت أكثر ميلاً لانتقاد “إسرائيل” علناً.
فهؤلاء الشباب لا ينظرون ل”إسرائيل” باعتبارها ضحية كما رأى آباؤهم، فهم نشأوا في وقت صارت فيه “إسرائيل” دولة احتلال، وطوال حياتهم، لم يشهدوا إلا “إسرائيل” التي تمتلك السلاح النووي، ويفوق تسليحها التقليدي كل جيرانها مجتمعين، نوعياً وكمياً. والليبراليون من هؤلاء الشباب، يجدون في الصمت على ممارسات “إسرائيل”، عدم اتساق مع القيم الليبرالية التي يؤمنون بها.
كل من تلك القوى تقف بدرجات مختلفة مع الحقوق الفلسطينية، وترفض العنصرية ضد العرب والمسلمين، وهو الأمر الذي يعني أنه قد آن الأوان لنفكر نحن العرب في كيفية التفاعل مع تلك التغيرات والاستفادة منها، وهو ما لا يتأتى إلا بالانتباه للأمور التي تعيق التفاعل مع تلك التطورات.
ولضيق المساحة، فلنتقتصر هنا على خطابنا السياسي ومفرداته في الصحافة والمجتمع المدني، ففي أحيان كثيرة يستعدي ذلك الخطاب قوى كثيرة داعمة لنا. فعلى سبيل المثال، علينا الاعتراف بأن خطابنا السياسي يستخدم كلمتي “الإسرائيليين” و”اليهود” بالتبادل، الأمر الذي يعيق التواصل مع قوى عالمية كثيرة. فالذي يستحق الانتقاد، بل والهجوم، هو السياسات الإسرائيلية. أما اليهود خارج “إسرائيل”، فهناك منهم حول العالم من هم أكثر مناصرة للحقوق الفلسطينية من الكثير من العرب.
فلا يجوز، على سبيل المثال، اعتبار العالمين اليهوديين نعوم تشومسكي والراحل هوارد زين معاديين للعرب، فكلاهما من أشد المنتقدين ل”إسرائيل” وسياساتها الاستعمارية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان. ولا يمكن أن تكون الناشطة الكندية اليهودية نعومي كلاين المنضمة لحركة مقاطعة “إسرائيل”، معادية للعرب.
بل إن هناك من اليهود من دفعوا ثمناً باهظاً لمناصرتهم للحقوق الفلسطينية. ومن هؤلاء نورمان فينكلشتين، الأستاذ الجامعي الذي طردته الجامعة التي كان يعمل فيها بعد ضغوط من لوبي “إسرائيل”، بل ورفضت الجامعات الأخرى تعيينه لديها بضغوط شديدة من اللوبي نفسه. فصار الرجل بلا عمل ثابت، رغم كفاءته الأكاديمية.
وإزاء مثل هؤلاء من أصحاب الضمائر الحية من يهود العالم، يتحتم علينا أن نفرق في خطابنا بين “إسرائيل” وممارساتها، وبين مثل هؤلاء اليهود وأولئك الذين سافروا على متن السفن التي أبحرت من دول مختلفة لكسر الحصار الإجرامي لغزة..
والاتساق مع الذات والالتزام بالبعد الأخلاقي في الصراع، يعتبر من أهم محاور المعركة مع “إسرائيل”. ومن هنا تتحتم مراجعة تعاملنا مع الهولوكوست أو المحرقة. فخطاب البعض الذي يشكك في حدوثها أو يشكك في أعداد من قتلوا فيها من اليهود، خطاب بائس لا يليق بأمة تستغيث من فظائع الاحتلال وجرائمه.
فإذا كانت الجرائم التي ترتكبها “إسرائيل” يومياً ضد الإنسانية هي جوهر قضيتنا، فإنه يتحتم علينا اتساقاً مع الذات أن نقف بقوة ضد كل الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية. والجريمة تظل جريمة، سواء كان الذين قتلوا فيها 6 ملايين أو 6 آلاف أو حتى ستين شخصاً. ثم إننا نحن العرب لم نشترك في جريمة الهولوكوست، ولكننا عانينا من استغلالها لتبرير جرائم أخرى ترتكبها “إسرائيل” كل يوم.
ومن هنا، فإذا كانت جرائم “إسرائيل” الحالية بالغة الوضوح، فهل يكون من مصلحتنا أن نسلط كل الأضواء عليها ونحشد الأصوات حول العالم لفضحها؟
أم يكون من مصلحتنا أن نضع ذلك جانباً وننشغل بالتشكيك فيما إذا كانت هناك جريمة قد ارتكبت في حق اليهود منذ سبعين عاماً؟ بعبارة أخرى؛ مشكلتنا نحن العرب ليست مع الهولوكست، وإنما مع ما أسماه نورمان فنكلشتين “صناعة الهولوكوست”، أي تلك الآلة الصهيونية العالمية التي تستغل ما حدث لليهود من فظائع، لتحويل “إسرائيل” لضحية، وابتزاز العالم للحصول على أعلى مكاسب سياسية ومادية ل”إسرائيل”.
أيهما أولى باهتمامنا: أن نركز على جرائم “إسرائيل” الحالية ونفكر في سبل دعم كل من يفضحها من المسلمين والمسيحيين واليهود؟ أم نستغرق بلا نهاية في جدل حول جريمة لم نرتكبها، فنسهم بأنفسنا في صناعة الهولوكوست التي لا تخدم سوى “إسرائيل”؟
مثل تلك الأمور، رغم ما تبدو عليه من بساطة، لها تأثيرها الكبير لدى أبناء الثقافات الأخرى، الذين يرفضون العنصرية والوحشية الإسرائيلية، ولكن تستعديهم مواقف تبدو لهم غير متسقة مع الذات من جانبنا.
[email protected]
صحيفة البيان الإماراتية 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....