الجمعة 09/مايو/2025

نُذر الحرب المقبلة

نُذر الحرب المقبلة

ليست الحرب هدفاً بقدر ما هي وسيلة لتحقيق غايات سياسية وامتداد للسياسة بوسائل العنف، وبهذا المعنى لم تكن الحروب “الإسرائيلية” العربية تعبيراً عن كراهية من جانب “إسرائيل” للعرب، وإن تخللت تلك الحروب جرائم تعكس مثل هذه الكراهية المتأصلة في الأيديولوجيا الصهيونية. وعلى نحو أعم، فإن تلك الحروب تجسّد استخدام القوة من جانب “إسرائيل” لفرض مشروعها الصهيوني الذي لا يتوقّف عند حدود فلسطين، بل مازال هذا المشروع مستمراً ولم تكتمل فصوله بعد.
في كل حروبها العدوانية، حققت “إسرائيل” مكاسب سياسية تخدم مشروعها الأساس، وهذه المكاسب لم تكتف بالسيطرة على مزيد من الأرض، وإنما عملت على انتزاع تنازلات عربية، واحتلال مساحات مطّردة في العقل والحالة النفسية، وصولاً إلى مرحلة بات الموقف فيها من “إسرائيل” يدور على التفاصيل وليس المبدأ، بحيث تحولت “إسرائيل” من طرف يبحث عن اعتراف، إلى طرف مطالب بالاعتراف بالفلسطينيين، وربما بالعرب.
الإعلام العربي والكثير من المثقفين أشاعوا، بشكل متعمّد وممنهج ومأجور، جوّاً من الإحباط، وجعلوا من “إسرائيل” قوة قاهرة وقَدَراً لا رادّ له، تارة عبر تضخيم قوتها العسكرية، وأخرى عبر إظهارها واحةً للديمقراطية، وتارة ثالثة عبر التركيز على محورية تحالفها الاستراتيجي والعضوي مع الولايات المتحدة والغرب عموماً، وبلغت ذروة الموقف الممنهج بانتشار مقولة “نحن نحارب أمريكا”، بهدف التأسيس لخيار سياسي بائس قام على مقولة “تسعة وتسعون في المئة من أوراق الحل بيد أمريكا”.
في العقد الأخير حدث تحوّل كبير، فبعد أن كانت “إسرائيل” تحارب خارج حدود فلسطين المحتلة، أصبح الآن أول ما تفكر به عند مناقشة الدخول في حرب جديدة هو جاهزية جبهتها الداخلية ومدى تحمّلها سقوط آلاف الصواريخ. هذا العقد شهد الحرب العدوانية على لبنان في يوليو/تموز 2006، أي بعد مرور ست سنوات على الهروب المذلّ لجيش الاحتلال من الجنوب، وانتهت باعتراف “إسرائيلي” مدوّ بالفشل، رغم إصرار بعض القيادات اللبنانية على انتصار “إسرائيل”. كما شهد هذا العقد حرباً على قطاع غزة، ورأينا كيف أن “إسرائيل” طوال ثلاثة أسابيع، لم تتجرأ على الدخول. وحتى لا ينطوي كلامنا على مبالغة في عرض موازين القوى، يمكن القول إنها ربما كانت قادرة على الدخول لكنها خشيت من تكبّد خسائر كبيرة ليست بمستوى المكاسب السياسية، كما خشيت من العودة إلى مستنقع يكون الخروج منه أصعب من دخوله. 
لا ينبغي بناء الكثير على التبجّحات والتهويل الإعلامي في “إسرائيل” في سياق الحرب النفسية، فالسيناريوهات الحقيقية للحروب يكتبها الميدان وليست صفحات الصحف وشاشات الفضائيات ومواقع الإنترنت. أثناء العدوان الثلاثي على مصر عمدت المخابرات البريطانية عبر ثلة من عملائها إلى تشكيل حكومة ظل، على اعتبار أن نظام جمال عبدالناصر سيسقط لا محالة، حتى إن بعض رفاق عبدالناصر طالبوه بتسليم نفسه للعدو كمخرج ل “إنقاذ البلد”، وهذه كلمة السر في كل منطق انهزامي أو جسر لتمرير المخططات المشبوهة.
وبعد احتلال العراق الذي فبرك له بعض أشباه المثقفين مسمى “إحلال”، روّج بعض المهزومين بأن دول المنطقة ستسقط مثل أحجار الدومينو أمام الجبروت الغربي الزاحف، لكن المحتل خرج من دون أية مكاسب، باستثناء نجاحه في قتل وجرح وتشريد ملايين العراقيين بعد تدمير بلدهم، وافتعال فتنة طائفية هي الأخطر على مستقبل العراق والمنطقة.
نستطيع القول إن نذر حرب جديدة تلوح في الأفق، وربما تكون مفصلية وحاسمة، وسينتج عنها شرق أوسط جديد، لكن ليس من النوع الذي نادت به كوندوليزا رايس.
[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في الأقصى

عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في الأقصى

القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام أدى عشرات آلاف الفلسطينيين صلاة الجمعة، في المسجد الأقصى المبارك وباحاته، وسط تشديدات وإجراءات مكثفة فرضتها...

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز معلومات فلسطين "معطي" استشهاد 1000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر...