يهودية الكيان الصهيوني ومعضلة الديموغرافيا

ركزت البحوث والمقالات التي تصدت لفكرة ومصطلح يهودية الدولة على تداعيات المصطلح، فيما لو تم تعميمه وتطبيقه على مستقبل الأقلية العربية في “إسرائيل”، وعلى اللاجئين الفلسطينيين، ومستقبل القرار 194. ولم يتم إلقاء الضوء لا من قريب ولا من بعيد على أثر تلك الفكرة على مستقبل الهجرة اليهودية الى فلسطين المحتلة.
وفي هذا السياق يستغل قادة “إسرائيل” كافة المناسبات للتأكيد على أهمية جذب المزيد من يهود العالم الى الأراضي العربية المحتلة، إذ تعد الهجرة اليهودية من أهم ركائز استمرار “إسرائيل” ككيان استثنائي في المنطقة. وهناك أسباب كامنة لنضوب الهجرة اليهودية، أو على الأقل تراجع أرقامها.
وفي مقدمة تلك الأسباب تراجع عوامل الطرد لليهود من بلادهم الأصلية، فضلا عن تراجع عوامل الجذب المحلية. لقد عقد في “إسرائيل” خلال الفترة بين السنوات 2000 و2012 اثنا عشر مؤتمراً استراتيجياً في هرتسيليا.
وأكد المؤتمرون في توصياتهم على ضرورة إعطاء الهجرة اليهودية الى الأراضي العربية المحتلة أهمية فائقة نظراً لتراجع موجات الهجرة اليهودية بعد عام 2000، في مقابل النمو الطبيعي المرتفع بين العرب سواء داخل المناطق المحتلة في عام 1948 أو في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتبعا لذلك، ركزت وسائل الاعلام الاسرائيلية على أهمية تهيئة الظروف المختلفة لجذب المزيد من يهود العالم الى الأراضي العربية المحتلة لتحقيق التفوق الديموغرافي على العرب في حدود فلسطين التاريخية في المستقبل.
وانصب الاهتمام الاسرائيلي على محاولة جذب يهود الهند والارجنتين، بعد أن واجهت “إسرائيل” أزمة هجرة حقيقية خلال سنوات انتفاضة الأقصى من جهة، وجفاف الهجرة من الدول ذات مؤشرات التنمية البشرية المرتفعة مثل أمريكا وكندا وفرنسا وبريطانيا وغيرها من دول العالم، من جهة اخرى.
ومن الأهمية الاشارة الى ان الهجرة اليهودية الى فلسطين المحتلة تعتبر حجر الزاوية لاستمرار “إسرائيل” كدولة غير طبيعية، حيث للعنصر البشري اليهودي دور محوري في ذلك.
في هذا السياق تشير الدراسات الى ان الحركة الصهيونية استطاعت جذب نحو (650) ألف مهاجر يهودي حتى أيار من عام 1948، وبعد انشاء دولة “إسرائيل” في العام المذكور، عملت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة على اجتذاب مهاجرين جدد من يهود العالم، فاستطاعت جذب نحو أربعة ملايين يهودي خلال الفترة (1948-2012)، بيد انه هاجر من فلسطين المحتلة نحو 20 في المئة منهم نتيجة عدم قدرتهم على التلاؤم مع ظروف مختلفة عن بلد المنشأ في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من دول العالم.
وتعتبر الفترة (1948-1960) وكذلك الفترة (1990-2000) من الفترات الذهبية لجذب مهاجرين يهود باتجاه فلسطين المحتلة، حيث ساهمت الهجرة خلال الفترتين بنحو (65%) من إجمالي الزيادة اليهودية ونتيجة محددات النمو السكاني وصل مجموع اليهود الى نحو (5.9) مليون يهودي في منتصف العام الحالي 2012.
واللافت انه مع انطلاقة انتفاضة الأقصى في نهاية ايلول 2000 وتزعزع الأمن الإسرائيلي برزت اسئلة عدة حول مستقبل الهجرة اليهودية، إذ لعب ويلعب الاستقرار الأمني دوراً مهماً في جذب اليهود الى فلسطين المحتلة. وأكد رئيس الوكالة اليهودية سالي مريدور أن أرقام الهجرة تراجعت من نحو سبعين ألف مهاجر في عام 2000 الى 43 ألفا في عام 2001، ومن ثم الى 30 ألفاً في عام 2002 ولم يتعد الرقم تسعة عشر ألفا حتى نهاية عام 2003.
وبقيت الارقام في حدودها المذكورة خلال الفترة (2005-2011). وخلال الفترة المشار اليها كان ميزان الهجرة اليهودية سلبياً لصالح الهجرة المعاكسة في بعض السنوات. ومن المتوقع ان لا يحصل تطور كبير في أرقام الهجرة اليهودية خلال السنوات المقبلة.
وما يقلق المؤسسة الإسرائيلية استعداد نحو أربعين في المئة من الشباب اليهود في “إسرائيل” للهجرة المعاكسة، فضلاً عن إخفاء وزارة الهجرة والاستيعاب أعداد اليهود الإسرائيليين الذين هاجروا الى خارج “إسرائيل”. لكن ثمة دراسات أشارت الى أن هناك اربعمئة ألف يهودي إسرائيلي لن يعودوا الى “إسرائيل”، لاسيما أن أغلبيتهم يحملون جنسيات دول أخرى في العالم وخاصة الأمريكية والأوروبية منها.
وتبعا لأزمة الهجرة اليهودية، بفعل تراجع العوامل الجاذبة، ستسعى المؤسسة الإسرائيلية بالتعاون والتنسيق مع الوكالة اليهودية الى تمويل حملة كبيرة ومنظمة في المستقبل، لجذب نحو (200) ألف من الارجنتين، وعدة آلاف من يهود الفلاشا في اثيوبيا.
فضلاً عن محاولات حثيثة لاجتذاب نحو (80) ألفاً من يهود الهند وجنوب افريقيا، هذا في وقت باتت فيه أبواب هجرة يهود أوروبا وأمريكا الشمالية في حدودها الدنيا بسبب انعدام عوامل الطرد منها.
وتجدر الإشارة إلى أن يهود العالم يتركزون بشكل رئيس في الولايات المتحدة فمن بين (13) مليون يهودي في العالم في عام 2012 هناك (55) مليون يهودي في الولايات المتحدة.
مقابل ذلك لم تتمكن الدعاية الاسرائيلية من جذب سوى 59 مليون يهودي الى “إسرائيل” يمثلون نحو 41 في المائة من اجمالي اليهود في العالم. ويتركز في فرنسا 560 ألفاً من اليهود غالبيتهم متعاطفون مع حزب الليكود. ولم يبق في روسيا سوى 400 ألف يهودي. اما في كندا فيوجد 360 ألفاً وفي أوكرانيا 280 ألفاً، وبريطانيا 280 ألفاً، والأرجنتين 220 ألفاً.
وتشير الإحصاءات إلى أن نسب الزواج المختلط بين اليهود وغير اليهود في العالم وصلت في السنوات الأخيرة من (50-80) في المئة ولاسيما في بعض المدن الأمريكية، الأمر الذي سيؤدي الى تراجع مجموع اليهود في نهاية المطاف الى أقل عدد ممكن. ومن بين مجموع اليهود ثمة 40% من اليهود الاشكناز؛ أي يهود غربيين من اصول أميركية وأوروبية.
في حين يشكل اليهود السفارديم، من أصول شرقية افريقية وأسيوية 36%. إضافة الى ذلك يمثل يهود الصابرا لأب يهودي مولود في فلسطين المحتلة نحو 24 في المائة من اجمالي اليهود في فلسطين المحتلة والبالغ 59 ملايين يهودي في منتصف العام الحالي 2012 كما ذكرنا.
والملاحظ كما اشرنا ان غالبية يهود العالم مواطنون في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث مؤشرات التنمية والرفاه هي أعلى من مثيلاتها في “إسرائيل”، ولذلك لا يوجد عوامل طاردة لليهود من تلك الدول باتجاه الأراضي العربية المحتلة، ونتيجة عدم وجود عوامل حقيقية طاردة لليهود من بلد المنشأ.
وكذلك عدم القدرة في تهيئة ظروف حقيقية جاذبة ليهود العالم باتجاه “إسرائيل”، فإنه يمكن الجزم بأن مؤشرات نضوب وجفاف الهجرة اليهودية ستطفو على السطح بوضوح خلال السنوات المقبلة. ولذلك طرح قادة “إسرائيل” فكرة ترسيخ وتعزيز يهوديتها مجددا كعامل جذب مهم ليهود العالم.
ويعتبر ذلك بمثابة الهدف الأهم من وراء طرح ومحاولة تعميم الفكرة المذكورة.
المستقبل، 25/06/2011
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...