لغز المسجد الأيوبي

لغز المسجد الأيوبي “المفقود” في القدس المحتلة الذي وجد حله في متحف ألماني للمناطيد، يشمل صوراً جوية التقطها منطاد ألماني في ثلاثينات القرن الماضي لمدينة القدس المحتلة، وما كشفته هذه الصور عن وجود للمسجد التاريخي العائد للقرن الثاني عشر الميلادي، الذي عرف باسم مسجد عيد، وكان إلى جانب مدرسة دينية إسلامية عرفت باسم “الأفضلية” داخل حي المغاربة، وهدمته سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” عام 1967، بعد احتلال القدس مباشرة، ومن ثم أزالت قبل أشهر بقايا مئذنته بذريعة البحث عن آثار بيزنطية، وجدت عوضاً عنها رفاتاً مدفوناً على الطريقة الإسلامية، يعتقد أنه للشيخ عيد الذي سمي المسجد تيمناً به هذا اللغز، يظهر إلى أي مدى يوغل المخطط التهويدي للمدينة المقدسة في التاريخ والعقلية “الإسرائيلية”.
الكيان الذي لم يكد يبسط سيطرته العسكرية على المدينة المحتلة عام 1967، التفت سريعاً إلى ثقافة متجذرة في الوجدان والعقل الصهيونيين، فما كان منه إلا أن هدم المسجد والمدرسة التاريخيين، بهدف إنشاء ساحة للجدار الغربي للمدينة المقدسة (حائط البراق)، الذي من عنده تبدأ الرواية “الإسرائيلية” عن التاريخ الذي يحاول الكيان تحويله من أسطورة إلى واقع، من خلال سلسلة من الحفريات الأثرية التي لم تزد تلك الرواية إلا ضعفاً ووهناً، وثبتت على الدوام الرواية التاريخية العربية الإسلامية الفلسطينية، التي تناولت بالتفصيل المدينة المقدسة، وما مر عليها من حضارات ودول.
الكشف المذكور جاء للأسف الشديد عن طريق أكاديمية العلوم “الإسرائيلية”، التي نبشت الأرشيف الألماني في متحف المناطيد، لتجد 30 صورة للقدس في ثلاثينات القرن الماضي، أثبتت بما لا يدع مجالاً لمدعٍ أو مشكك، وجود هذا المسجد العائد للحقبة الأيوبية، عقب تحرير القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي القدس من الصليبيين، كما أنها وضعت حداً للكذب “الإسرائيلي” المعتاد على حقائق التاريخ والجغرافيا، وفضحت محاولات طمسهما، التي بدأت عام 1967، وسارع الكيان إلى استكمالها قبل أشهر خشية كشف حقيقة الموقع التاريخي، الكابوس الذي تحقق بهذا الكشف الجديد.
الجريمة المتواصلة التي يرتكبها الكيان بحق تاريخ ومقدسات وآثار المدينة المحتلة، تمر مرور الكرام أمام أنظار العالم، والمنظمات الدولية التي تزعم السعي للحفاظ على تاريخ وتراث الأمم، وآثارها، كما أنها تأتي في سياق عملية كبرى أطلقها هذا الكيان منذ زرعه على الأرض الفلسطينية، لتهويد كل ما يتعلق بالقدس المحتلة، ودس حقائق تاريخية كاذبة حول المدينة في وسائل الاتصال والبحث الأكاديمي في العالم، والأكثر إيلاماً من كل ذلك، أن الكيان المحتل يواصل محاولاته إنجاز مخطط التطهير العرقي للمدينة من خلال طرد سكانها الأصليين من الفلسطينيين، والتضييق على الصامدين منهم، وهدم العديد من المنازل الفلسطينية.
الآثار الإسلامية المهددة بالطمس في القدس المحتلة، لم ولن تكون شأناً فلسطينياً حصرياً، كما أنها ليست أمراً عائداً لسلطة الاحتلال والتهويد تقرير مصيره، ولا بد من وقفة من كل من يهمهم الأمر، عرباً ومسلمين، ومدافعين عن تاريخ وتراث البشرية، للجم هذا الهجوم المسعور على مدينة تشكل مهبط أفئدة جميع أتباع الديانات السماوية، ولا بد كذلك من استيقاظ ذاك العدد الهائل من المنظمات الأممية والدولية التي تحاجج بالدفاع عن التاريخ والتراث البشري، لاتخاذ خطوات في وجه هذه الهجمة المسعورة، على تاريخ هذه المدينة الزاخرة بالحضارات وآثار الأمم المتعاقبة منذ فجر البشرية الأولى.
طالما شكلت القدس المحتلة بؤرة اهتمام كبرى لحملات التهويد المتواصلة، ولن يتغير الأمر، ما دام الكيان ماضياً في جرائمه، من دون أدنى تحرك لردعه، وستظل المدينة المقدسة تحت وطأة الخطر المتصاعد، ما دام العالم يأبى إلا أن يسمح للكيان بالتعاطي معها على أنها “عاصمة موحدة” له.

[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية