السبت 10/مايو/2025

حركة حماس والقيادة الجديدة

حركة حماس والقيادة الجديدة

يُتوقع أن تعلن حركة المقاومة الإسلامية حماس في وقت قريب جداً عن التشكيلة القيادية الجديدة لإطارها الأول المسمى بالمكتب السياسي، ولإطارها القيادي الأوسع المسمى بمجلس الشورى العام، بعد سلسلة متتالية من الأعمال والانتخابات الداخلية التي كانت قد بدأت بها قبل أكثر من ثلاثة شهور.
فقد قاربت الانتخابات الداخلية في حركة حماس على الانتهاء بعد أن أُنجزت انتخاباتها الداخلية في الحلقتين الأولى والثانية، في الحلقة الأولى في قطاع غزة، وفي الحلقة الثانية التي تضم الضفة الغربية والكوادر الموجودة في سجون الاحتلال. وباتت في طور الانتهاء من الحلقة الثالثة المتمثلة بتنظيم حركة حماس ومختلف مؤسساتها خارج فلسطين.
ما الجديد في الأمر
الجديد في الأمر، ليس فقط في معنى وأهمية العملية الديمقراطية الداخلية في عموم هيئات ومؤسسات حركة حماس من أدنى إلى أعلى، بل في روح التجديد التي سادت حتى الآن التشكيلة القيادية المعلنة لمن تم انتخابهم في عضوية المكتب السياسي الجديد ومجلس الشورى لكل من الضفة الغربية والقدس والقطاع. حيث صعدت وجوه جديدة، ودماء شابة إلى مواقع قيادية في المكتب السياسي ومجلس الشورى العام.
فتلك المواقع القيادية لم تعد حكراً أو أمراً محصوراً على عتاولة التنظيم أو أبواته، كما عودتنا الحالة الفلسطينية عموماً عند مختلف القوى بما فيها معظم القوى اليسارية التي تتشدق ليل نهار بمفردات وأدبيات الديمقراطية وحق الرأي والرأي الآخر، فيما تُمارس داخلها أبشع أشكال الاستبداد والإقصاء الداخلي المتوارثة من ارث ستاليني ساد الحياة الداخلية لمعظم الأحزاب اليسارية في عالمنا العربي خلال العقود الماضية. فقد كانت ومازالت البطريركية الأبوية مسيطرة على عموم تنظيمات الساحة الفلسطينية التي لا يضبط ميزانها إلا وجود بطريرك على رأس التنظيم، وقد تحول ذاك البطريرك إلى أيقونة لابد من وجودها حتى يتسنى للتنظيم الاستمرار في لجة البيت الفلسطيني، وموزاييكه المتنوع سياسياً وإيديولوجياً.
وبذا، فان حركة حماس، في خطواتها الداخلية الأخيرة، تكون قد قطعت شوطاً هاماً على طريق تكريس دور المؤسسة، وتفادي مطب تكريس دور الأفراد أو الأشخاص مهما علا شأنهم، مستفيدة من تلك الدروس الثمينة التي أفرزتها التجربة الفلسطينية المريرة لعموم القوى السياسية في الساحة الفلسطينية، تلك الساحة التي تضج بكل الألوان والمشارب الفكرية والأيديولوجية بشكل لا تضاهيها فيها أي ساحة سياسية في أي من بلداننا العربية.
لقد كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، استثنائياً بحدود معينة عندما قدم الأمين العام الأسبق الراحل الدكتور جورج حبش استقالته من موقعه كأمين عام من أجل إفساح المجال للأجيال الصاعدة لتتبوأ مواقعها القيادية. وترافق مع خطوة الدكتور حبش إياها إحجام عدد من القيادات التاريخية المؤسسة للجبهة الشعبية وللحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة عن ترشيح نفسها في المؤتمر العام للجبهة عام 2000 في انتخابات المكتب السياسي، وقد شكلت تلك الخطوة سابقة ايجابية امتدحها الجميع وأثنوا عليها وعلى معناها ومغزاها العميق حتى ولو كانت متأخرة نسبياً.
صيرورة الحياة الداخلية
وبالطبع، فان صيرورة الحياة الداخلية لأي حزب أو ائتلاف سياسي، لا تستمر دون تباين في وجهات النظر في محطات مفصلية معينة، أو في لحظات محددة تجاه موضوع إشكالي ما قد يبرز على سطح الأحداث. فالقوى السياسية المستندة في بنيتها التنظيمية لقاعدة ديمقراطية حقيقية ومؤسساتية، قادرة على التغلب على ظاهرة التباين في الآراء تجاه مواضيع معينة، وبالتالي في تفادي التفكك بتفعيل التعايش بين الآراء المتباينة، وتوفير هوامش حرة تدفع نحو تلاقح وجهات النظر والأفكار المختلفة، والاحتكام في سيرها ومواقفها إلى مبادئ ثابتة وواضحة يصعب مناهضتها ويصعب الخروج عليها، ليحفظ هذه الأحزاب بالحصانة التي تصونها من الصراعات الداخلية التي قد تتطور إلى انشقاقات، وربما إلى انهيارات متلاحقة تعصف بكيان الحزب أو التنظيم أو المؤسسة أو الكيان السياسي.
فالاختلافات والتباينات في حياة الأحزاب السياسية واقع معاش، وهو إفراز طبيعي للتباين في تقدير الأمور بالنسبة للعقل البشري، وقراءة الواقع، واستخلاص النتائج، وتصور الحلول المناسبة للمشكلات المطروحة، هذا مع افتراض أن الاختلافات يجب ألا تتطور إلى خلافات حادة ومن ثم إلى صراعات مريرة تفرق الصف وتشتت القوى، وتزرع الفتنة، وتلقي الإحباط في النفوس كما جرت العادة في غالبية أحزابنا العربية من مختلف المشارب الفكرية والسياسية.
وفي هذا الصدد فان حركة حماس كغيرها من القوى والأحزاب والتشكيلات السياسية ظهر ويظهر في صفوفها أصحاب وجهات نظر تجاه بعض القيادات السياسية في لحظات معينة، لكنها في هذا الجانب حافظت على ضبط وتوحيد إيقاع خطواتها وعلى مسار بوصلتها بالرغم من اللحظات الصعبة التي مرت فيها أمام خيارات وأزمات كبرى ليس أقلها ما يجري في بعض بلداننا العربية.
ان استقرار الحياة الداخلية لحركة حماس وإجراء الانتخابات الداخلية بطريقة ديمقراطية وشفافة، وفي هذه المرحلة بالذات، أمر تُحسد عليه حركة حماس. فالعواصف التي هبت وتهب على المنطقة طالت الجميع من أنظمة ومن أحزاب وحركات داخل أو خارج مواقع السلطات الرسمية. وفي ذلك المعمعان استطاعت قيادة حركة حماس المحافظة على وتيرة ورطانة مواقفها تجاه عواصف الرياح المندلعة في المنطقة، بل واجتازت تلك القطوع بإجراء الجردة الداخلية وانتخاب مؤسسات قيادية جديدة والمتوقع لها أن تكون كما يلي:
مكتباً سياسياً جديداً مؤلفاً من تسعة عشر عضواً هم : ثلاثة من الضفة الغربية وثلاثة من قطاع غزة وثلاثة من الشتات، يضاف إليهم أول ثلاثة أسماء من الفائزين بشورى الحركة في الضفة والقدس، وأول ثلاثة أسماء من الفائزين في مجلس شورى قطاع غزة، وأول ثلاثة أسماء من الفائزين في مجلس شورى الشتات، ليصبح المجموع تسعة عشر عضواً مع رئيس السابق المكتب السياسي.
حماس وخالد مشعل
أما مجلس الشورى العام، فيضم في عضويته المنتخبين الخمسة عشر لمجلس شورى الضفة الغربية، ومعهم المنتخبين الخمسة عشر لمجلس شورى قطاع غزة، والمنتخبين الخمسة عشرة لمجلس شورى الشتات، ليصبح مجلس الشورى العام مؤلفاً من (45) عضواً يضاف لهم رئيس المجلس ورئيس المكتب السياسي، وخمسة أعضاء يختارهم أعضاء المجلس ليتم تعيينهم في عضويته، وبذا فان عضوية مجلس الشورى يتوقع لها أن تصل إلى نحو (52) عضواً، مع الإشارة لوفاة رئيس مجلس الشورى العام محمد حسن شمعة، ليتبقى العدد الكلي المتوقع لمجلس الشورى الجديد (51) عضواً.
وفي هذا الصدد، يتوقع للمكتب السياسي الجديد أن ينتخب رئيسه لدورة جديدة، كذلك بالنسبة لمجلس الشورى العام. حيث تتجه الأنظار نحو الأستاذ خالد مشعل لانتخابه على رأس المكتب السياسي نظراً لتشكّل إجماع على شخصه لقيادة الفترة التالية، بالرغم من رغبته المعلنة بالإحجام عن ترشيح نفسه.
وفي هذا السياق فان مصادر فلسطينية موثوقة كانت أكدت لنا بأن خالد مشعل سيكون على الأرجح رئيساً للمكتب السياسي، وفي أضعف الحالات سيكون رئيساً لمجلس الشورى العام.
إن الإشارة لخالد مشعل، ولموقعه المرتقب في قيادة المكتب السياسي أو مجلس الشورى العام لا تتأتى من مفاهيم (تأبيد) المواقع التي «هجيناها وذممناها» واعترضنا عليها بقوة بداية حديثنا. إنما تتأتى من منطلق خصوصية المرحلة التي قاد فيها خالد مشعل حركة حماس وهي تمر في قطوع وأزمات صعبة، كان من بينها أن حركة حماس وجدت نفسها أمام خيارات حادة وصعبة تجاه أكثر من موضوع محدد، ليس أقلها الأزمات الجارية في بعض البلدان العربية ومنها ما يجري في كل من مصر وسورية على سبيل المثال.
وقد استطاع خالد مشعل أن يوجه دفة القرار الحمساوي بنجاح واقتدار جيد نسبياً، وأن يحقق حالة النأي بالنفس، وهي الحالة التي توافق الفلسطينيون عليها كقوى وأحزاب وعموم الناس بالنسبة للأزمات العربية الداخلية، في ظل تجربة مريرة علمتهم معنى النأي بالنفس، بعدما وقعه معهم ما وقع في أكثر من ساحة كان أخرها في الساحة العراقية بعد احتلال بغداد عام 2003، عندما تم البطش ببضعة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين ضاقت بهم الأرض على اتساعها على أرض العراق وقد دفعوا الثمن الباهظ ظلماً وتجبراً على يد قوى موتورة وحاقدة، عمياء البصر والبصيرة.
إن تلك السمة التي تفيض منها الوسطية والاعتدال، وروح الخبرة والحالة الكاريزمية التي ميزت شخصية خالد مشعل في قيادة حركة حماس، تُزكيه الآن لدورة جديدة لرئاسة المكتب السياسي، وفي قيادة إطار قيادي يفترض أن أكثر من ثلثه بات من الوجوه القيادية الجديدة في قيادة حركة حماس، في المكتب السياسي ومجلس الشورى العام.
إن الإشارة لخالد مشعل «المتوسط العمر تقريباً» والجامع بين جيل الشباب وجيل الآباء المؤسسين، ليست دعوة تأبيد للفرد، أو دعوة تكريس الزعاماتية، بمقدار ما هي دعوة للمزاوجة الحقة والفاعلة بين أجيال تتبادل المواقع تباعاً تباعاً تباعاً، دون قطع أو بتر، من جيل الآباء المؤسسين إلى جيل الرجال الميدانيين في الانتفاضة والعملين السياسي والعسكري، إلى جيل الشباب الصاعد الآن. فهذا التمازج وحده من يضمن الاستمرارية، ومن يضمن نقل الخبرات والكفاءات، ومن يضمن صك وصب وصقل التجربة والوعي، وإذكاء روح التجديد والقناعة بها.
صحيفة الوطن القطرية 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات