الثلاثاء 13/مايو/2025

الأسرى في زمن الردّة

الأسرى في زمن الردّة

وصول الأسير الفلسطيني محمود السرسك مرحلة الخطر الشديد وهو يدخل يومه التسعين مضرباً عن الطعام، ينذر بما هو أخطر من تدهور صحته حتى لو وصل التدهور ذروته باستشهاد الأسير. متناولو أوضاع الأسرى كخبر أو كقضية يفوتهم الانتباه إلى وضع مستجد في تعامل الاحتلال مع الأسرى الفلسطينيين والعرب. قبل عام 2012، وصلت أطول فترة إضراب خاضه الأسرى في سجن “إسرائيلي” واحد أو في السجون جميعاً، إلى عشرين يوماً.
كان ذلك عام 1987، وقد حقق ذلك الإضراب معظم المطالب المحددة من قيادة الأسرى. هذا العام بدأت الإضرابات تأخذ منحى أشد خطورة وأصبحت فتراتها تطول كثيراً وتبلغ أضعاف فترات الإضرابات السابقة، بسبب ارتفاع منسوب التعنّت “الإسرائيلي” المتناسب مع تصاعد التطرف في قياداته المتعاقبة وفي شارعه.
حين يدور الحديث عن الأسرى الفلسطينيين والعرب، يكرر بعض المتحدّثين “الإسرائيليين” الذين تصر بعض الفضائيات على استضافتهم كأصحاب “رأي آخر”، أن الأسرى يعيشون في سجون تشبه فنادق سبع نجوم، ولولا الخشية من منح المشاهدين سبباً كافياً لتغيير المحطة بسببهم، لنفوا أن تكون لديهم سجون، ولزعموا أن من يقبضون عليهم ويخطفونهم يعيشون في فنادق ومنتجعات سياحية. هذا المنطق التضليلي لا يهدف إلى تجميل صورة الاحتلال فحسب، إنما لتبرير رفض إدارات السجون الاستجابة لمطالب الأسرى المضربين عن الطعام، وهي مطالب تتعلّق بالكرامة والحياة الإنسانية، لكن الاحتلال يريد أن يظهر الأسرى بمظهر من يقررون الموت بلا سبب.
بهذا الأسلوب تواكب إدارة السجون سياسة “إسرائيلية” عامة تستفيد من زيادة انحياز دول كبرى ومؤسسات دولية فاعلة ل “إسرائيل”، واعتبارها “دولة” فوق القانون كل ما تفعله له غطاء وذريعة.
لذلك رأينا كيف كان جلعاد شاليت الذي أنزلته المقاومة من دبابته على أطراف غزة، بنداً ثابتاً على جدول محادثات زعماء دول كبرى، وموضوعاً دائماً في مؤتمراتهم الصحافية، من دون أن يكلّف هؤلاء أنفسهم- ولو من باب المجاملة والتوازنات واعتبار الكلام أحياناً من دون جمرك- أن يتطرقوا بكلمة عابرة عن حق آلاف الأسرى في سجون “إسرائيل” في حياة كريمة قبل حقهم بالحرية. وحتى عندما أضرب الأسير الفلسطيني خضر عدنان ستة وستين يوماً، وبعده الأسيرة هناء الشلبي أربعة وأربعين يوماً، وبعدهما ثلاثة آلاف أسير لثمانية وعشرين يوماً، لم يتحرّك ضمير العالم دولاً ومؤسسات.
لا بد من الانتباه إلى دلالات هذا المتغيّر النوعي في قضية الأسرى، وهو جزء من المتغيّر الأكبر المتعلّق بتزايد الانحياز الدولي ل “إسرائيل”، انحياز تجلى في أوضح صوره عندما اجتاحت “إسرائيل” الضفة الغربية وارتكبت مجازر أبشعها في مخيم جنين وبلدة نابلس القديمة، وبعد ذلك عندما شنت عدوانها الواسع على غزة وما تخلله من مجازر لم تسلم منها حتى مؤسسات الأمم المتحدة. وقد رأينا بعد ذلك ما حل بتقرير لجنة غولدستون.
إن الانتصار لقضية الأسرى يجب أن يكون من أولى واجبات القيادات والفصائل والمؤسسات الفلسطينية من دون غيرها، ولو اهتم بهذه القضية أولئك الذين مروا بتجربة السجن، لدار الحديث عن عشرات الآلاف من المهتمين والمتضامنين القادرين على إبقاء جذوة هذه القضية الإنسانية والسياسية مشتعلة حتى لا ينفرد الاحتلال بالأسرى الذين يصمدون ويسطّرون ملاحم بطولية في زمن الردة والتشرذم والتقوقع، ومرحلة “تبدّلت غزلانها”.
[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات