السبت 10/مايو/2025

انتخابات الرئاسة المصرية.. أبيض أسود!!

انتخابات الرئاسة المصرية.. أبيض أسود!!

ما تحقق في مصر حتى الآن من الثورة ومخرجاتها لا يمكن اعتباره إلا تطوراً باهراً ربما لم يحدث مثله في مصر منذ مئات بل آلاف السنين.. ولكن الخطأ والخطر هو أن يتوهم أحد أن الثورة المصرية يجوز أن تقف عند هذا الحد وأن تغفل عما يمكره فلول النظام الساقط – وعواجيزه – وما لا يزالون يستطيعونه حتى الآن..
الأمر خطير على الحقيقة لا على التهويل، وليس يجوز التهاون في توصيفه.. فنصف الثورة – كما يقال – يعني عدم الثورة.. والخطورة تأخذ مداها من أربع حقائق لا تزال تحكم الثورة المصرية ؛ الأولى: أنها – أي الثورة – لم تكسر قرن النظام السابق ولم تجر عملية التطهير من فلوله، وهم لا يزالون يحاولون ويقاتلون من أجل العودة إلى المشهد، ولا تزال لهم يد طولى في كثير من الأحداث والأزمات المتوالية التي لا تنفك إحداها حتى تقع أخرى وأخريات..
الحقيقة الثانية: أن الثورة لم تصل بعد للحكم وأن الكثير من الثوار يدورون داخل أفكار غير إستراتيجية وتشغلهم النكايات الشخصية والحزبية الصغيرة.. ظهر ذلك جلياً في المناقشات السياسية والإعلامية وفي الابتزازات التي يضغطون بها على مرشح “الإخوان” الذي هو الرهان الوحيد الذي يمكن أن تنطلق به وأن تعول عليه الثورة..
والحقيقة الثالثة: أن الثورة لم تستطع حتى الآن تحريك الفئة السلبية المصرة على الصمت والتفرج من بعيد والذين يتجاوز عددهم – للأسف – نصف عدد الذين لهم حق الانتخاب والتصويت..
الحقيقة الرابعة: أن مرحلة الثورة كلها – منذ أول نزول لميدان التحرير حتى اليوم وإلى أن يتسلم الرئيس الجديد زمام الأمور– إن تسلمها – لا تتجاوز السنة والنصف.. ما يعني أن الثورة لا تزال رقيقة الكيد وأن الكثيرين من عامة الثوار لم يتذوقوا بعد حلاوتها بما يكفي للموت من أجلها وتحصينها وترصينها..
الثوار المصريون والشعب المصري في ظل تحكم العسكر واستعدادهم لإغراق مصر في الدماء وفي ظل دعم الخارج وتشققات الداخل أمامهم أربعة خيارات ؛ فإما أن يتصادموا مع العسكر وهو ما لا يريده ولا يقبل به إلا أعداء مصر والكائدون لها ليل نهار، وإما أن يستسلموا للعسكر ومرشحه ولتذهب الثورة ومكتسباتها إلى الجحيم، أو أن يخوضوا الانتخابات وأمامهم فرصة وحيدة هي أن ينصروا “السيد مرسي” مرشح “الإخوان” والزمان يجري والجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية تتقدم بسرعة.. فإذا كان خيار الثورة أن تنتصر وبدون مصادمة الجيش ولا الاستسلام له فإن عليهم أن يتوقفوا عن اللامبالاة بما يحققه منافس “مرسي” على أرض الواقع؛ من هنا تأتي خطورة أن يقاطع الثوار الانتخابات.. ومن هنا تأتي أهمية أن يتوقفوا عن محاولات ابتزاز السيد “مرسي” لاستقطاع الرشاوى الانتخابية منه.. وإن كانوا يصدقون أن “مرسي” طامع في الحكم وأنه لن يتخلى عنها.. إلى آخر هذه السلسلة من التهم غير الحقيقية ولا المنطقية.. فعليهم أن يسألوا أنفسهم أي المرشحيْن سيكون أسهل عليهم نزعه والثورة عليه بعد أربع سنوات من انتخابه إن لم يحكم في الناس بالسوية ولم يمش معهم في السرية؛ أهو مرشح الفلول وهو شخص فاسد مفسد ومعه المال والعسكر والسلطة وأكثر من ثلاثة ملايين حزبي سيكون قد أحياهم من موات وسلَّحهم “وملَّشهم وبلطجهم”؛ أم “السيد مرسي” وهو من هو في النزاهة والفرادة وهو صاحب رسالة طهورية، ومعنيُّ أن يقدم أفضل النماذج والتجارب لحكم الإسلاميين وحكم الإخوان بعد أكثر من ثمانين سنة من الوعود والمبشرات، وسيكون في ذلك الحين بلا مؤسسة عسكرية وأمنية تحميه ضد مواطنيه وشانئيه؟
 الثوار الذين يأخذون على “الإخوان” مآخذ إنما يرددون شبهتين اثنتين من دون تبصر بسياقهما ولا بتأويلاتهما؛ الشبهة الأولى: أن الإخوان خالفوا ما تعهدوا به بعد انتصار الثورة عندما وعدوا ألا ينافسوا في انتخابات البرلمان على أكثر من 35% من مقاعده.. وكرروا ذات الخطيئة إذ ينافسون اليوم على الرئاسة بعد أن قطعوا العهود ألا يفعلوا.. يقول هؤلاء: وذلك يؤشر على سلوك سياسي غير سوي لدى “الإخوان”.. أما الشبهة الثانية فيقولون: إن “الإخوان” تحالفوا مع المجلس العسكري وتركوا ميدان التحرير بعد سقوك المخلوع.. وأقول:
 بصرف النظر عن دقة ومصداقية الدعويين – الشبهتين – فإن خصوم “الإخوان” يستطيعون ألا يروا إلا ما يختلفون فيه معهم، ويستطيعون أن يعموا عن اليد الممدودة لهم وللجميع، كما يستطيعون في المقابل أن يتجاوزوا كل سوء الظن هذا وأن يروا الأمور من زاوية أخرى، وأن يصدقوا أن التغييرات في وعود “الإخوان” ليست لأن سلوكهم غير سوي ولكن اقتضاها ما قام به المجلس العسكري من مفاجآت وممارسات سيئة واستئصالية للثورة، كما يستطيعون أن يفرقوا بين ما وعد به المجلس العسكري ولم يكن أمام “الإخوان” إلا أن يصدقوه وبين ما حدث بالفعل من انقلاب ناعم منه على الثورة.. وبالتالي يرون سكوت “الإخوان” عليه حكمة إذ سكتوا وإذ لم يرغبوا في الاصطدام به وإذ تقبلوا وعوده كنوع من مسايرته وعلى طريقة (لاحق العيار) ويرون فزعهم منه واعتراضهم عليه اليوم حكمة أخرى..
الإخوان يعلمون أن الاصطدام بالعسكر هو السيناريو الأكثر خطورة والأشد سواداً وسوءاً والذي قد يقضي على الثورة برمتها، ويعرفون أنه الذي سيفكك الجيش والذي سيدخل مصر – لا قدر الله – في أتون فتنة لا تبقي ولا تذر تتداخل فيها معاول الخارج مع تشققات الداخل وبصورة أكثر دموية مما جرى في ليبيا وما يجري اليوم في سوريا.. وواهم من يظن أن الشعب المصري وأياً من شعوبنا محصن من تدهور كهذا بالأخص والكيان الصهيوني وداعموه يفكرون ويخططون لذلك كبديل عن الثورة (وللقارئ أن يعود لكتابات “برنارد لويس” المستشرق والمرشد الروحي والفكري للبيت الأبيض الأمريكي والذي تحدث كثيرا عن ضرورة تفتيت دولنا إلى طائفيات ومذهبيات متناحرة).
لقد أبرز الحكم الذي صدر بحق حسني مبارك وأعوانه تغلغلهم في مفاصل القضاء والمحافظات والدولة عموماً بما يوجب على جميع الثوار والحريصين على مصر أن يعودوا إلى صوابهم.. وأن يقتنعوا بأن التطهير لا يجوز أن يقف عند حد عزل شخص أو أشخاص من حوله، وأن من الممكن بل من الواجب واللازم والضروري في هذه المرحلة أن يخوض الشعب المصري مواجهته موحدا في صعيد واحد مع ” الإخوان ” لكنس الفلول وكنس المرحلة التي لا تزال سبة وعيبا على كل الذين ارتضوها وبنفس القدر على الذين قصروا في التنظف منها.. مواجهة سياسية وإعلامية وبرامجية وانتخابية وشعبية ووطنية واسعة وشاملة، وقيادة إستراتيجية لها من الرصيد الأخلاقي والتنظيمي ما يجعلها موضع مراهنة جدية..
لقد صارت الرايات في مصر اليوم رايتين لا ثالث لهما فإما سوداء معها الشر كله والتبعية الذيلية المهينة لأعداء الأمة وعودة الفساد والخراب والنهب والسلب والتخلف والجوع وأكثر من أربعين مليوناً من الشعب لا يقرأون ولا يكتبون، وعشرين مليوناً مرضى بلهارسيا، وعشرات الملايين العاطلين عن العمل والمشردين.. وإما أن تنجز الثورة أهدافها وأن تصل غاية مداها، وأن تصير ثقافة طبيعية لها أفقها في حل كل المشكلات، وأن يعود لمصر كيانها السياسي وكينونتها الثقافية الرائدة..
آخر القول: لو عاد حكم العسكر والفلول لمصر – لا قدر الله – فلن يكون ذلك بسبب “الإخوان المسلمين” الذين قدموا كل ما يمكن لجماعة محترمة مقتدرة أن تقدمه لترصين وتحصين الثورة ودماء شهدائها.. وإنما بسبب نفر أكلت الكراهية العمياء الصماء “للإخوان” وربما للإسلام قلوبهم وفهمهم وحرصهم.
صحيفة الشرق القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات