السبت 10/مايو/2025

القضية الفلسطينية في ذكرى نكسة حزيران

القضية الفلسطينية في ذكرى نكسة حزيران

الخامس من حزيران تاريخ لا يمحى من ذاكرة الأمة العربية، ومهما حاولت قوى الاحتلال الإسرائيلي أن تجعل العرب ينصرفون عن قضية فلسطين الأساسية فإن هذا اليوم يعود من جديد ليذكرهم بتلك القضية، وربما كانت أحداث حزيران معروفة ومرصودة في كتب التاريخ ومدوناته، لكن تلك الأحداث التي مر عليها أكثر من أربعة عقود بحاجة إلى إعادتها لكي تتعلمها الأجيال الجديدة، والسؤال الأول هو كيف تطورت الأحداث التي قادت إلى تلك النكسة؟
لقد ظل العالم العربي كله قبل تلك الحرب مهيئا للدخول في مواجهة مع إسرائيل، وتعاظمت العمليات الفدائية ما دفع “ليفي أشكول” في الخامس من مايو أن يرسل تهديداته أمام الكنيست محذرا الفلسطينيين وقائلا إذا لم يوقف الفلسطينيون عملياتهم فإن إسرائيل سوف تزحف نحو دمشق، لكن التهديدات الإسرائيلية في تلك المرحلة لم ترهب سورية أو مصر، فقد كان الفكر الثوري في المنطقة لا يقف عند مثل تلك التهديدات، وبالتالي فقد ذهبت كل من مصر وسورية في اتجاه تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين، وهدد الرئيس جمال عبد الناصر بأنه إذا ما كررت إسرائيل عملياتها العدوانية مثل عملية طبرية فسوف تدرك أن الاتفاقية بين سورية ومصر ليست مجرد قصاصة ورق لاغية. لكن “إسرائيل” لم تكن في الفترة التي سبقت الحرب تتوقف عن عملياتها العدوانية، إذ أسقطت في شهر إبريل من عام سبعة وستين ست طائرات سورية، كما أسقطت ثلاث طائرات أخرى فوق الأراضي الأردنية وقام الأردن بتسليم طياريها إلى سورية.
وكانت زيارة الفريق محمد فوزي لدمشق في الرابع عشر من مايو ذات أهمية خاصة إذ تبعتها تحركات عسكرية مصرية كبيرة في اتجاه الشرق، كما حذرت مصر مجلس الأمن من أن إسرائيل تعد لعدوان على مصر، وكانت المرحلة الحاسمة عندما طلبت مصر من الأمم المتحدة أن تسحب قوات الطوارئ الدولية من المنطقة لأنها كانت توجد في الجانب المصري ولم يكن لها وجود في الجانب الإسرائيلي، وعلى الفور دعا وزير الخارجية السوري “إبراهيم ماخوس” إلى الجهاد ضد “إسرائيل”، وكانت “إسرائيل” قد دعت بشكل سري إلى التعبئة العامة واستدعت جنود الجيش الاحتياطي، كما أن خمس فرق عسكرية رابطت في صحراء النقب بالقرب من صحراء سيناء، ولدى تحرك الأسطول السادس الأمريكي إلى شرق البحر الأبيض المتوسط أعلن الرئيس جمال عبد الناصر التعبئة العامة.
لكن الخطوة المهمة والخطيرة حدثت في الثاني والعشرين من مايو عام سبعة وستين عندما قرر الرئيس جمال عبد الناصر إغلاق مضائق تيران، وعني ذلك محاصرة جميع السفن التي تحمل الصادرات والواردات الإسرائيلية، ومع ذلك قال مندوب مصر في مجلس الأمن إن بلاده لن تكون البادئة بالحرب إذا وقعت. وبدأ الجانب العربي يستعد إلى كل الاحتمالات من الجانب الإسرائيلي، وفي الحادي والثلاثين من مايو قام الملك حسين بزيارة القاهرة ووقع اتفاقية الدفاع المشترك مع سورية ومصر، وكانت تلك مرحلة مهمة لأنها طوت صفحة الخلاف التي كانت قائمة بين الرئيس جمال عبدالناصر والملك حسين. وفي يوم التوقيع دخلت مفارز من الجيش العراقي إلى سورية، أما “إسرائيل” فقد ركزت على حشد الدعم الأجنبي لصالحها وبدأت حملة دعائية بتوزيع كمامات الغاز لمواطنيها على الرغم من أن الجانب العربي لم يكن يملك أسلحة نووية أو جرثومية، وفي اليوم الأول من حزيران أجرى “ليفي أشكول” تعديلاً في حكومته وأوكل قيادة وزارة الدفاع إلى “موشي دايان” بينما أصبح مناحيم بيغن وزيراً للدولة.
وكانت سائر تلك الأحداث تجري مع وجود جهود لتحسين العلاقات بين مصر والولايات المتحدة، واستعداد مصر لاستقبال سفير أمريكي جديد، وقد عبرت مصر عن حسن نواياها بأن سمحت لحاملة طائرات أمريكية بأن تعبر قناة السويس، وعلى الرغم من كل ذلك فقد اندلعت المعارك في الخامس من حزيران وبدأ جدل كبير في مجلس الأمن حول من البادئ في الهجوم في أطول جلسة عقدها المجلس لمناقشة قضية واحدة استمرت اثنتي عشرة ساعة.
وكانت إسرائيل قد أطلقت صافرات الإنذار منذ صباح يوم الخامس من يونيو كما أطلقت سلاحها الجوي ضد المطارات المصرية، وقد استطاعت “إسرائيل” في هذه العملية أن تدمر أكثر من أربعمئة طائرة مصرية كانت قابعة في المطارات المصرية، وذلك ما جعل محمد حسنين هيكل يقول أن تدمير سلاح الجو المصري في تلك الحرب كان هو السبب الرئيسي في خسارة الحرب لصالح “إسرائيل”.
ولم يكن تدمير القوات الجوية المصرية هو الشيء الوحيد الذي واجهته مصر في تلك المرحلة، بل كان لمصر أكثر من مئة ألف جندي فوق أرض سيناء أصبح ظهرهم مكشوفاً، وقد تمكنت “إسرائيل” من احتلال سيناء بأكملها في هذه الحرب، وفي السادس من حزيران دخلت قوات إسرائيلية إلى الضفة الغربية، كما هاجمت قوات إسرائيلية مطارات الأردن، وعندما علم “موشي دايان” بأن مجلس الأمن سوف يقر قراراً بوقف العمليات العسكرية، قامت القوات الإسرائيلية على الفور بدخول القدس الشرقية.
ودون الدخول في تفاصيل العمليات القتالية، فقد كانت خسارة الحرب صدمة قوية في مختلف بلاد العالم العربي التي لم تكن تتوقع هزيمة بذلك الحجم، خاصة أن الرئيس جمال عبد الناصر كان يسيطر على العالم العربي بتوجهاته القومية ودعواته المتواصلة لمواجهة “إسرائيل”، لكنه لم يجد بدا من تقديم استقالته على أنه يتحمل المسؤولية كاملة في ما حدث، غير أن الجماهير العربية في مختلف بيئاتها رفضت تلك الاستقالة وطلبت من الرئيس جمال عبد الناصر أن يبقى في موقعه من أجل مواجهة العدوان الإسرائيلي، وكان من أهم الأحداث التي وقعت بعد حرب حزيران، مؤتمر اللاءات الثلاثة الذي عقد في العاصمة السودانية الخرطوم، وقد استقبل الرئيس جمال عبد الناصر في شوارع الخرطوم استقبالاً رائعاً ما جعله يقول إنه لم يكن يتوقع استقبالاً بذلك الحجم لقائد مهزوم في معركة مهمة، وقال رئيس وزراء السودان في ذلك الوقت محمد أحمد محجوب ما كنا نخشاه في تلك القمة الخلاف الذي كان قائماً بين الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل، لكن الملك فيصل طلب في أول مؤتمر القمة الكلمة وهو ما جعل الجميع يتطلعون في حذر ولكن الملك فيصل فاجأ الجميع عندما قال ليس هذا وقت الشماتة في أحد وإنما هو وقت التكاتف بين جميع شعوب الأمة العربية من أجل مواجهة العدوان الإسرائيلي، وأعلن الملك فيصل تبرع بلاده لمساعدة مصر ودول المواجهة، وقال محجوب إنه عقد اجتماع صلح في منزله بين الملك فيصل والرئيس جمال عبد الناصر فاحتضن عبدالناصر الملك فيصل وبكى من شدة التأثر بعد توتر العلاقة الشخصية بين الرجلين. وفي هذا الأسبوع تعود ذكرى حزيران والعالم العربي يمور بثورات الربيع العربي التي تستدعي أن تعود القضية الفلسطينية إلى موضع الصدارة الذي كانت عليه من أجل استرجاع الحقوق وإنصاف الشعب الفلسطيني.
* كاتب من السودان
صحيفة القدس العربي اللندنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات