السبت 10/مايو/2025

إسرائيل والغواصات الألمانية

إسرائيل والغواصات الألمانية

رسالة ذات دلالة أرسلها رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو حين قال للصحافة الألمانية إن “إسرائيل” تعلّق أهمية كبرى على الغواصات التي حصلت عليها من ألمانيا، وتلك التي ستحصل عليها تباعاً حتى عام 2017. حتى الآن وصلت إلى “إسرائيل” ثلاث غواصات مصمّمة لكي تحمل صواريخ نووية. بقيت ثلاث غواصات من الست المتفق عليها، وقد أطلق عليها صانعوها الألمان اسم “دولفين”، وهي تسمية مؤسفة وتحمل مفارقة، لأن الدلافين كائنات بحرية صديقة للإنسان وتتدخّل لإنقاذه إن تعرّض للخطر في البحر، أما هذه الغواصات فهي مصمّمة للقتل الجماعي والتدمير الشامل.
أهمية كلام نتنياهو تكمن في كونه يأتي بعد يومين من نشر تقرير في مجلة “دير شبيغل” الألمانية المتخصصة بالتسريبات، كما فعلت مع “القرار الظني” الخاص بلبنان. تقرير المجلة الألمانية يقول إن “إسرائيل” في صدد تجهيز الغواصات ذات المنشأ الألماني بصواريخ عابرة ذات رؤوس نووية. بل، وأكثر من ذلك، نقلت عن مسؤولين كبار سابقين في وزارة الدفاع الألمانية أن الحكومة في برلين تعتقد أن “إسرائيل” جهّزت بالفعل غواصات “دولفين” بذخائر نووية.
في العمل السياسي، وبخاصة المرتبط بقضايا صراعية، يراد من التصريحات، أحياناً، أن تمهّد لقرارات وخطوات وأحياناً لمغامرات كبرى. تصريحات نتنياهو، وتحديداً لوسيلة إعلامية ألمانية، لم يكن الهدف منها التمهيد لقرار أو خطوة أو مغامرة، بل جاءت بعد التقرير المسرّب ل “دير شبيغل” ولمنحه غطاء من الجدّية، وتوجيه رسالة تهديد في سياق الملف النووي الإيراني المدرج على مائدة مفاوضات “5+1” مع طهران.
هذا يعني أن نتنياهو بتصريحاته حول أهمية الغواصات الألمانية “النووية”، يؤكد أنه على علم مسبق، أو أن مخابراته تقف خلف نشر “دير شبيغل” للتقرير. وهو بهذه التصريحات، كما التسريبات، لا يأبه للوجه الآخر لها، حيث إنها تؤشّر إلى كون “إسرائيل” مدجّجة بالأسلحة النووية. لكنّ التلميح والتسريب هما المنهج السائد في سياق سياسة “الغموض البناء” كما يسمّيها شمعون بيريز أبو مفاعل ديمونا النووي الذي زودته به فرنسا، “أم الديمقراطية” في العالم.
الغريب أنه في حين تباهى نتنياهو بالغواصات الألمانية واستقوى بها في حربه النفسية، رفض قائد سلاح الجو لديه أمير إيشل الحصول على سيارة يمنحها الجيش لضباطه برتبة لواء، والسبب أن السيارة من صنع ألمانيا، وباعتبار أن والدته من الناجين من المحرقة النازية.
ربما يكون قراراً شخصياً، مع أنه منتشر على نطاق واسع في أوساط “الإسرائيليين”، وهو ينطبق على السيارات المدنية وليس على الأسلحة والغواصات النووية، والأموال الهائلة التي تحصل عليها “إسرائيل” من ألمانيا تحت عنوان “التعويضات” عن المحرقة، وكلها أموال تحلب من جيوب أجيال ألمانية لا علاقة لها بما حصل في الماضي.
ويعرف نتنياهو أن 70% من الألمان يعتقدون أن “إسرائيل” تسعى إلى تحقيق مصالحها من دون اعتبار لمصالح غيرها، لكنّه يعزو هذا الأمر إلى تعرض “إسرائيل” “للتشهير يوماً بعد يوم”. هو لا يأبه بهؤلاء وغيرهم لأنه يستند إلى مجتمع دولي يدلّل “إسرائيل” ويضعها دائماً فوق القانون وخارج أية مساءلة دولية، ولا حتى التفتيش على منشآتها النووية بعد كشف العالم الفار من مفاعل “ديمونا”، مردخاي فعنونو عن وجود أكثر من مئتي قنبلة نووية لدى الكيان، وهذا قبل عشرين سنة، وربما يفر “فعنونو” آخر ليكشف عن أضعاف هذا العدد.
لا يبدو تزويد “إسرائيل” غواصاتها بصواريخ نووية أمراً يستحق التداول من المجتمع الدولي ومؤسساته ووكالته الذريّة، ولا حتى من “جيرانها” العرب الذين تقع المئتي قنبلة على بعد دخان سيجارة من وسائد نومهم. لكن لا بأس، إذا كانت “إسرائيل” تمخر البحار والمحيطات بغواصات نووية، فإن العرب متفوّقون عليها منذ زمن، لأنهم غاصوا إلى قاع التاريخ، من دون غواصات.
[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات