الجمعة 09/مايو/2025

الشاعر والشهيد

الشاعر والشهيد

من زاوية شعرية صرفة يطيب لبعض الشعراء الفلسطينيين الذين يحولون تراجيديا بلادهم إلى صورة غنائية، القول إن الفلسطيني الذي انتزعت بلاده منه بالقوة وبالدهاء السياسي العالمي إنما يقيم في الريح، وهناك من الفلسطينيين، من جهة شعرية أيضاً، من يقيم في قصب الناي، وآخرون يقيمون في الكتابة، وهناك من يقيم في الأمل حتى لو  طال أمد هذا الأمل.
حقاً.. أين يقيم الفلسطيني طالما أنه حتى الآن لم يحقق دولته ولا استقلاله، وعندما اقترب من هذا الحلم، ها  هو ابن القضية التي زاد عمرها على الستين عاماً يتأرجح بين مدينتين وأكثر من انقسام بين سياسي وآخر، وبين مثقف وآخر في متوالية درامية ليس من المعروف نهايتها.
هذا كلام فيه شيء من ظلال السياسة التي إذا دخلت حتى في الطعام تفسده وتخرب مذاقه، لذلك، يبدو الفلسطيني مقيماً أبدياً في الشعر.
الشعر وطن من لا وطن له. لذلك تكاثر الشعراء الفلسطينيون منذ ثورة عزالدين القسام وحتى الآن بقدر ما يتكاثر الشهداء. الفرق أن الشاعر الفلسطيني يحيا ويموت في القصيدة، بينما يموت الشهيد على الأرض.
يستعير الشاعر من الشهيد شيئاً من دمه ومن دموعه. من دم الشهيد يسوي الشاعر زهوراً أسطورية حمراء يسميها دم أدونيس أو شقائق النعمان، ومن دموع الشهيد يصنع خيطاً يدله إلى الفردوس، وإذا فقد الشاعر الفلسطيني مدينة أو قرية صنع من اللغة أرضاً بديلة تعوّض كيانه المعنوي عن هذا الفقدان.
لكن.. إلى متى يظل الفلسطيني فكرة تعويضية “تائهة” في الشعر؟ وكم من الوقت يمكن للشعر أن يحمي الفلسطيني من الضياع؟ ثم، أَلَمْ يتعب الفلسطيني من هذه الغنائية المريرة التي يمارسها ويستمرئها منذ ستين عاماً قابلة للتمديد بدمغة دموية حارّة إذا لم تنته المأساة على يد الشهداء وليس على يد الشعراء.
الشعراء، كما السياسيون في الحالة الفلسطينية.. لا صلاحية أو لا جدوى من خطاباتهم المفعمة بالقوة أحياناً وبالحنين أحياناً أخرى، فقد ذهب الشاعر إلى آخر اللغة ولكنه إلى الآن لم يحرر شبراً واحداً من بلاده المرسومة بالطول على الخريطة. أما السياسي الفلسطيني فقد أصابه العمى الكامل، فلم يعد يرى البلاد ولا الخريطة، ووحدهم الشهداء “يتناولون” حنينهم في القبور، وينتظرون ثم ينتظرون اللحظة المناسبة التي ينبعثون فيها من الموت إلى الحياة (وربما من الحياة إلى الموت).. فالموت على وجه الأرض أكثر منه في بطنها.. ليتوقف الشاعر عن الاستعارة من الشهيد وليكف السياسي عن استثمار الدم الجميل.
[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...