الشاعر والشهيد

من زاوية شعرية صرفة يطيب لبعض الشعراء الفلسطينيين الذين يحولون تراجيديا بلادهم إلى صورة غنائية، القول إن الفلسطيني الذي انتزعت بلاده منه بالقوة وبالدهاء السياسي العالمي إنما يقيم في الريح، وهناك من الفلسطينيين، من جهة شعرية أيضاً، من يقيم في قصب الناي، وآخرون يقيمون في الكتابة، وهناك من يقيم في الأمل حتى لو طال أمد هذا الأمل.
حقاً.. أين يقيم الفلسطيني طالما أنه حتى الآن لم يحقق دولته ولا استقلاله، وعندما اقترب من هذا الحلم، ها هو ابن القضية التي زاد عمرها على الستين عاماً يتأرجح بين مدينتين وأكثر من انقسام بين سياسي وآخر، وبين مثقف وآخر في متوالية درامية ليس من المعروف نهايتها.
هذا كلام فيه شيء من ظلال السياسة التي إذا دخلت حتى في الطعام تفسده وتخرب مذاقه، لذلك، يبدو الفلسطيني مقيماً أبدياً في الشعر.
الشعر وطن من لا وطن له. لذلك تكاثر الشعراء الفلسطينيون منذ ثورة عزالدين القسام وحتى الآن بقدر ما يتكاثر الشهداء. الفرق أن الشاعر الفلسطيني يحيا ويموت في القصيدة، بينما يموت الشهيد على الأرض.
يستعير الشاعر من الشهيد شيئاً من دمه ومن دموعه. من دم الشهيد يسوي الشاعر زهوراً أسطورية حمراء يسميها دم أدونيس أو شقائق النعمان، ومن دموع الشهيد يصنع خيطاً يدله إلى الفردوس، وإذا فقد الشاعر الفلسطيني مدينة أو قرية صنع من اللغة أرضاً بديلة تعوّض كيانه المعنوي عن هذا الفقدان.
لكن.. إلى متى يظل الفلسطيني فكرة تعويضية “تائهة” في الشعر؟ وكم من الوقت يمكن للشعر أن يحمي الفلسطيني من الضياع؟ ثم، أَلَمْ يتعب الفلسطيني من هذه الغنائية المريرة التي يمارسها ويستمرئها منذ ستين عاماً قابلة للتمديد بدمغة دموية حارّة إذا لم تنته المأساة على يد الشهداء وليس على يد الشعراء.
الشعراء، كما السياسيون في الحالة الفلسطينية.. لا صلاحية أو لا جدوى من خطاباتهم المفعمة بالقوة أحياناً وبالحنين أحياناً أخرى، فقد ذهب الشاعر إلى آخر اللغة ولكنه إلى الآن لم يحرر شبراً واحداً من بلاده المرسومة بالطول على الخريطة. أما السياسي الفلسطيني فقد أصابه العمى الكامل، فلم يعد يرى البلاد ولا الخريطة، ووحدهم الشهداء “يتناولون” حنينهم في القبور، وينتظرون ثم ينتظرون اللحظة المناسبة التي ينبعثون فيها من الموت إلى الحياة (وربما من الحياة إلى الموت).. فالموت على وجه الأرض أكثر منه في بطنها.. ليتوقف الشاعر عن الاستعارة من الشهيد وليكف السياسي عن استثمار الدم الجميل.
[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...

27 شهيدًا و85 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 27 شهيدًا، و85 إصابة إلى مستشفيات قطاع غزة، خلال الـ 24 ساعة الماضية؛ جراء العدوان...

اتحاد نقابات عمال النرويج يقرر فرض المقاطعة الشاملة على الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام قرر الاتحاد العام لنقابات عمال النرويج (LO) فرض المقاطعة الشاملة على الاحتلال الإسرائيلي، وحظر التجارة والاستثمار مع...