نَعْي الصهيونية في عيدها

في ذِكْرى ما تُسميه الصهيونية يوم الاستقلال، وما يجري فيه تَسْمِيةُ المأتم عُرْساً، والنكبة عيداً، تُنْشرُ مقالة في “معاريف” لشاي غولدن هي بمنزلة نعي للدولة العبرية، واعتراف صريح بأن اليهودي يشعر بالعار في هذه المرحلة من كَوْنِه يَهوديّاً بسبب اندلاع الشرور العنصرية وازدراء كل ما هو غير يهودي. وإذا كانت أحداث جنوب تل أبيب هي المناسبة أو القشة، فإن ما تراكم، حسب ما يرد في مقالة غولدن من ثقافة الكراهية والتحريض على الآخر، أدى إلى شعور بالخجل من الانتساب إلى الدولة العبرية.
لكن كيف تفاقم وتراكم هذا التحريض بحيث بث ثقافة الرعب والكراهية والانتقام؟
لم تتسع مقالة غولدن لذلك كله فاكتفت بإشارات وإحالات.
لكن هناك من استبقوا هذا الشعور بالخجل من مثقفين وكتّاب يهود، ومنهم للمثال فقط، “إسرائيل” شاحاك الذي عدّته الصهيونية ابناً عاقاً، وكذلك بورغ الذي أفَتْى الحاخامات بعدم جواز دفنه في أرض الميعاد، لأنه قال إن دولة تأسست على الاغتصاب وتهجير أهل البلاد الأصليين لابد أن تزول.
وأهمية ما قاله بورغ أنه شغل مناصب كبرى في الدولة العبرية منها رئاسة الكنيست.
هذا الشعور بالخجل من الانتساب إلى دولة عنصرية، بدأ ينتشر ولم يتوقف فقط عند حاخام أحرق جواز السفر في الهايد بارك، أو عند الهاربين من التجنيد الإجباري، ومنهم من فضل الانتحار، بل أصبح مناخاً ثقافياً وهاجساً أخلاقياً لدى فئة لا يستهان بها من المثقفين اليهود. وحسب ما كتبت ميشيل مزراحي التي هاجرت إلى أوروبا احتجاجاً على ممارسات الاحتلال، فإن اليهود أنتجوا أخيراً يهوداً آخرين بمعنى أن من احترف لعب دور الضحية سقط عنه القناع، فاتضح أمام الملأ أنه التلميذ الأنجب لكل جلادي التاريخ ومنهم من يقول إنهم جلادوه!
وثقافة من هذا الطراز الموتور والمتوتر على مدار اللحظة، لابد أن تُنْتِجَ سيكولوجيا مُشَوهّة. وعلى سبيل المثال أنتج الإلحاح التربوي الصهيوني على تحذير الأطفال اليهود من الخوف، خوفاً مضاعفاً، انتهى إلى فوبيا الخوف الأشد تنكيلاً من الرعب.
هكذا يحتفل بعض الكتّاب اليهود بذكرى الاستقلال وعيد الدولة اللذين تَما على أنقاض أرض الآخرين ومأتمهم، ومعنى ذلك أن الخديعة قصيرة العمر، وأن الشهود الآن هم من صلب اليهود أنفسهم، لكن بعد أن أعلنوا العصيان على تعاليم الإبادة والتطهير والتفوق الوهمي.
لم تكن نسبة هؤلاء في الماضي تتجاوز ما يصنّف في الأدبيات الصهيونية على أنه نسبة الشواذ، لكنها تضاعفت مراراً، ونذكر للمثال فقط، أن اجتياح لبنان العام 1982 كان عاملاً حاسماً في كشف الخديعة، وبدأت منذ ذلك الوقت أصوات مضادة، منها كتابات ومذكرات لجنود قدم الكاتب العربي إبراهيم البحراوي نماذج منها في كتابه “الأدب الصهيوني بين حربين”.
إن أكثر من ستة عقود هي عمر الخطأ التاريخي الفادح كما سماه المؤرخ توينبي، كانت كافية لإذابة أجنحة الشمع وتماثيل الثلج، لأن التاريخ قد يُلْوَى عُنُقُهُ في لحظات نادرة وحرجة ولأسباب متعلقة بالفراغ الأخلاقي والقوة العمياء لكنه سرعان ما يؤوب إلى رشده.
هذه المقالة، وما يشبهها ما ينشر بالعبرية، نعي للصهيونية بعد أن بلغت أرذل الاستيطان والعنصرية واحتكار أنين الضحية.
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تقتل امرأة فلسطينية كل ساعة في قطاع غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل بالقصف المباشر على قطاع غزة ما معدله 21.3 امرأة...

الصحة تحذر من تسارع مؤشر النقص الحاد في الأرصدة الدوائية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت وزارة الصحة من أن مؤشر النقص الحاد في الأرصدة الدوائية في "تسارع خطير"، فميا أفادت بأن مستشفيات القطاع استقبلت...

الأونروا تحذر من ضرر غير قابل للإصلاح مع إطالة أمد الحصار الإسرائيلي
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، من أن إطالة سلطات الاحتلال الإسرائيلي منع إدخال المساعدات إلى...

السفير الأمريكي في إسرائيل يجدد دعم واشنطن لتهجير الفلسطينيين من غزة
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام جدد السفير الأمريكي لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي مايك هاكابي، دعم واشنطن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، رغم...

جيش الاحتلال يعلن استعادة رفات جندي قٌتل في اجتياح لبنان 1982
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، استعادة رفات جندي إسرائيلي من الأراضي السورية في عملية وصفة بالخاصة....

مسيرة احتجاجية في ستوكهولم تنديدا بالإبادة الإسرائيلية في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام انطلقت في العاصمة السويدية ستوكهولم، السبت، مسيرة احتجاجية تنديدا بقرار إسرائيل توسيع الإبادة على قطاع غزة. ووفق الأناضول؛...

1500 مواطن فقدوا بصرهم جراء الإبادة في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة، و 4000 آخرون مهددون بفقدانه؛ مع نقص...