معوقات داخلية على طريق المصالحة الفلسطينية

مضى حتى الآن قرابة شهرين من توقيع إعلان الدوحة بين حركتي فتح وحماس، كما مضى قرابة أكثر من عشرة أشهر على توقيع اتفاق القاهرة للمصالحة الفلسطينية، والذي تم بوجود جميع القوى الفلسطينية، وعددها أربعة عشر فصيلاً موجودة في فلسطين والشتات. ورغم ذلك فالحال الفلسطينية مازالت على وضعها السابق من حيث استمرار الانقسام وتفاقم بعض المظاهر الداعمة له كاستمرار حملات الاعتقال السياسي من حين لآخر.
لقد سادت أجواء ومناخات من التفاؤل بعد توقيع إعلان الدوحة انطلاقاً من توصل حركتي حماس وفتح لصيغة (خلاّقة) لحل مشكلة الحكومة الفلسطينية الموحدة المنشودة، والتغلب على مشكلة رئاستها من خلال التوافق على توليها من قبل الرئيس محمود عباس، واقتصار عضويتها على الحالات المهنية من التكنوقراط.
فما هي المعوقات التي مازالت تعترض طريق الترجمة العملية لإعلان الدوحة ولاتفاق المصالحة الموقع عليه في القاهرة، خصوصاً وأن الأجواء الفلسطينية العامة، وتواتر التصريحات المتعاقبة من مختلف الأطراف تؤكد على ضرورة انجاز المراحل الأولى من الاتفاق بتشكيل حكومة وحدة وطنية بين الضفة الغربية والقدس قطاع غزة، وتفعيل عمل اللجان المعنية بمعالجة ملفات المصالحة المختلفة ومنها مسألة الإعداد للانتخابات التشريعية والرئاسية وقانونها، وانجاز الملف المتعلق بمنظمة التحرير وإعادة بنائها وبناء مؤسساتها.
في هذا المجال، لا ننطلق في موقفنا ورأينا من رغبات أو نوايا، بمقدار ما ننطلق من مصلحة وطنية باتت لا تقبل استمرار حالة الانقسام ولا بأي شكل من الأشكال في زمن التحولات الجارية في منطقتنا وفي عموم العالم، وفي وقت تشهد فيه الأراضي المحتلة تصعيد صهيوني ونوايا مبيتة لشن عدوان شامل وجديد على قطاع غزة على غرار العدوان السابق الذي جرى نهاية العام 2008 وبداية العام 2019.
أن معوقات تطبيق إعلان الدوحة واتفاق القاهرة للمصالحة الفلسطينية، ليست قطعية وباترة، بل يمكن تذليلها. وليست حكماً أبدياً على الحالة الفلسطينية، مع أن الضغط الإقليمي والدولي (وتحديداً من الطرف الأميركي) مازال يفعل فعله في هذا المجال، مع أن الحالة الفلسطينية باتت الآن في موقع أفضل للتخلص من هذا الضغط والخروج منه باتجاه إعادة بناء الحالة الفلسطينية وإغلاق ملف الانقسام.
فالضغط الخارجي يمكن كسره مهما علا شأنه واشتدت سطوته، وتحديداً مع الحلول المنطقية التي تم اشتقاقها في إعلان الدوحة لحل مشكلة الحكومة الموحدة المنشودة ولجهة رئيسها. حكومة وفاق وطني محددة المهام والبرنامج، حكومة يقبلها المجتمع الدوى ويدعمها الأخوة العرب إلى أن تنجز مهامها وتولد حكومة أخري منتخبة. فالتحفظات الدولية لن تكون موجودة عندها مادامت رئاسة الحكومة قد أسندت للرئيس محمود عباس، ومادامت الحكومة تتشكل في إطارها العام من التكنوقراط القادر على قيادة المرحلة الانتقالية وصولاً إلى موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية، والتي ستكون نتائجها إعلاناً فلسطينياً من قبل الناس عبر صناديق الاقتراع وعلى قاعدة الخيار الديمقراطي الحر القادر على كسر أي موقف أخر آت من الخارج.
وبالطبع، لا ننفي هنا وجود معارضة “إسرائيلية” قوية لأي تقارب فلسطيني داخلي لطي صفحة الانقسام، مع إمكانية قيام دولة الاحتلال باستخدام ما لديها من إمكانيات لتعطيل تطبيق إعلان الدوحة واتفاق المصالحة كالحجز على الأموال الفلسطينية المجباة من الضرائب وغيرها، أو التهديد بعمل عسكري لإعادة خلط الأوراق. وإعاقة برنامج حكومة التوافق، وقد تصل حالة العداء “الإسرائيلية” للتقارب الفلسطيني إلى محاصرة الرئيس وأعضاء حكومته لمنعهم من العمل، فنتنياهو كرر تهديداته العلنية للسلطة في رام الله وللرئيس محمود عباس شخصياً بقوله “على أبو مازن أن يختار بين السلام وحماس” حيث لا يمكن المضي في كلا الاتجاهين حسب نتنياهو.
فالجزء الأوسع من المنغصات الخارجية يأتي كما هو متوقع من الطرف “الإسرائيلي” الذي لا يريد أن يرى توافقاً وطنياً فلسطينياً، ولا يريد أن يرى حالة فلسطينية متماسكة، ومع ذلك فإن هذا الموقف “الإسرائيلي” يمكن كسره وقذفه للوراء حال تم التوافق الفلسطيني الداخلي وإخلاص النوايا من قبل مختف الأطراف الفلسطينية المعنية.
إن المعوقات الخارجية الصادة لطريق وحدة الساحة الفلسطينية موجودة منذ زمن طويل، والولايات المتحدة يهمها استمرار الانقسام الداخلي في البيت الفلسطيني، ويزعجها أن ترى حالة فلسطينية موحدة ومتماسكة، لكن هذا الضغط الخارجي بات الآن أقل تأثيراً على المعادلة الفلسطينية من أي وقت مضى لأكثر من سبب وسبب. ومن هنا فان المعوقات الداخلية مازالت هي الأبرز على هذا الصعيد، وهي معوقات تنتظر من جميع القوى الفلسطينية وخصوصاً من حركتي فتح وحماس ومعهما باقي المؤثرة في المعادلة الفلسطينية كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية ـ القيادة العامة، وحركة الجهاد الإسلامي، أن تتحرك باتجاه التخلص من الحسابات الخاصة بكل فصيل لصالح الهم الوطني العام والحسابات الوطنية الكبرى التي يفترض بها أن تكون فوق أي مصلحة فئوية ضيقة لأي طرف فلسطيني مهما علا شأنه، ومهما زاد رصيده أو امتداده وعلاقاته الإقليمية وتشعباتها.
إن المعوق الحقيقي والرئيسي لتطبيق إعلان الدوحة واتفاق القاهرة للمصالحة الفلسطينية، يتمثل في تضارب النوايا بين أقطاب المعادلة الفلسطينية، ووجود ترسبات فئوية مازالت تتغلغل في المعادلة الفلسطينية وعند مختلف أطرافها، وهي ترسبات مقيتة، لها حساباتها الضيقة القائمة على العصبويات والمصالح التنظيمية الخاصة، وعلى الهيمنة والاستئثار والرغبة في التفرد، ووجود منتفعين من استمرار الانقسام ومعارضين في الوقت نفسه لإسدال الستار عليه. فيما يتطلب إنهاء الانقسام التجرد من تلك الآفات الضارة التي تشكّل الآن المعوق الأساسي لتطبيق اعلان الدوحة واتفاق المصالحة، وتحقيق الانفراج والانفتاح في البيت الفلسطيني بين جميع القوى.
وخلاصة القول، إن ملفات المصالحة وبتعقيداتها تحتاج لإنضاج أولاً، ومزيد من التفاني ثانياً، ومزيد من التغلب على الأنانيات والعصبويات التنظيمية ثالثاً، ومزيد من الارتقاء في وعي المصالح الوطنية العليا والكف عن المصالح الخاصة لهذا الفصيل أو ذاك رابعاً.
كاتب فلسطيني/ دمشق/ عضو اتحاد الكتاب العرب
صحيفة الوطن العمانية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...