الإثنين 12/مايو/2025

أسرى الوطن الأسير

أسرى الوطن الأسير

بيننا وبين 15 مايو/أيار الأصلي، 15 مايو/أيار 1948، أربعة وستون عاماً. ما أكثر ما تبدلت فلسطين، ما أكثر ما تبدل العالم العربي، ما أكثر ما تبدلنا نحن.
من سيكتب التاريخ سيروي هذه التبدلات، وسيقول كم عصفت بنا التغييرات، كم أضعنا وكم ضُيعنا. كيف تقلص حجم الأراضي التي كنا نمشي في مناكبها أحراراً أو شبه أحرار، حتى لم نعد واثقين من أن أقدامنا ثابتة على ما تبقى من أراضٍ نقف عليها.
ومن سيروي التاريخ سيكتب أن هذه التبدلات جرت لكن كان هناك دائماً من رفض رفع الراية البيضاء، ومن قاتل حتى الرمق الأخير، حتى آخر قطرة دم من أجل ألا تؤول الأمور إلى ما آلت إليه.
ستة عقود ونيف بيننا وبين 15 مايو/أيار الأصلي. الصفحات البيض وسط الكتاب الأسود الذي سيتم على صفحاته تدوين وقائع هذه الحقبة صفحات كثيرة، لأنه في أحرج الظروف، في الأزمنة التي اندفع فيها قطار الخيانة مسرعاً مجتاحاً ما أمامه من “عوائق”، كان هناك من وقف معيقاً حتى لو كان بصدرٍ عارٍ.
كانت الأمهات الفلسطينيات والعربيات يدفعن إلى الكفاح بأجيال جديدة لم ترَ من فلسطين إلا القليل، وبعضها لم يعرفها إلا بالاسم فقط، وحين عز السلاح حولوا حجارة الوطن إلى سلاحٍ موجع في مأثرة بطولية لم يبتكرها شعب لا من قبل ولا من بعد.
أكثر من ستين عاماً من الضياع والفقدان والخيانة، ولكن التاريخ لم يكن يوماً لدى أي أمة تاريخ انتصارات فحسب. نعلم أن هناك من يريد تحويل هذا اليوم إلى مرثية، إلى بكائية جديدة تضاف إلى ما في هذا التاريخ الدامي من بكائيات.
ولكن الأجدى هو التبصر في عبر التاريخ، الذي هو ليس معطى نهائياً وإنما هو سيرورة متغيرة. صحيح أن الانتصارات اللفظية لا تصنع انتصارات فعلية، ولكن هذا أمر والانطلاق من بؤس الحال الراهن لتكريس الهزيمة وتعميم مداها أمر آخر.
فلو أن الشعوب فعلت هذا الفعل لما كان احتلال قد زال، ولا غزو قد دُحر. وقدرنا إن أردنا البقاء أن نكون داخل التاريخ، أن نُصبح صُناعاً له كالآخرين، لا “إمعات” تساق إلى الخراب.
كم تغيرت فلسطين. كم تغير الزمن، ولكن ما أكثر الرجال والنساء الممسكين بالجمر الذين ما بدلوا تبديلاً.
ومن هؤلاء الأسرى في سجون الوطن الأسير الذين يخوضون عشية وغداة ذكرى النكبة معركة “الأمعاء الخاوية” في ظلّ صمت عربي – رسمي ودولي مهين، لكنهم، رغم الحصار، يوصلون للضمائر الحية في هذا العالم، وما أكثر أصحابها، رسالتهم في فضح الاحتلال الغاشم، الذي لا يكتفي بإبقائهم في الأسر الطويل، وإنما يستمر في أسر وطن بكامله، متمادياً في بناء المستوطنات في الضفة الغربية وتهويد القدس والتحضير لتنفيذ “ترانسفير” جديد للشعب الفلسطيني من أراضي 1948بهدف إقامة ما يسمّى “الدولة اليهودية”.
إضراب أسرى الوطن الأسير عن الطعام، وفي مقدمتهم قادة كبار للنضال الوطني الفلسطيني من وزن أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ضربة على دماغ الغافلين والمتواطئين واللاهثين وراء وهم زائف.
[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات