إسرائيل وديمقراطية الحزب الواحد

الإعلان عن الاتفاق المفاجئ بين نتنياهو وشاؤول موفاز، وانضمام الأخير إلى الحكومة، وصفه بعض المراقبين “الإسرائيليين” بأنه “هزة أرضية سياسية”، بينما قال بعض آخر إنه “قنبلة نووية سياسية” ألقيت في الساحة السياسية “الإسرائيلية”، التي كانت تسيطر عليها أجواء الانتخابات المبكرة. وقد صادق 71 عضواً من أعضاء الكنيست على الاتفاق، وعارضه 23 عضواً، وأظهر استطلاع نشرته صحيفة (هآرتس) أن 23% فقط من “الإسرائيليين” اعتبروا أن الاتفاق جاء لاعتبارات تتعلق ب”المصلحة الوطنية”، في مقابل 63% رأوا أنه جاء لاعتبارات سياسية وشخصية. قادة “المعارضة” تحولوا إلى مجموعة من الشتامين، ومنهم بنيامين بن أليعازر، النائب عن (العمل)، الذي قال عن موفاز إنه “باع روحه للشيطان، وجعل المواطن يفقد الثقة في نظامه السياسي ويرى السياسة مجمعاً للقاذورات”.
ومثلما كانت التحليلات قد تشعبت حول دوافع “قرار” نتنياهو بالذهاب إلى الانتخابات المبكرة، في وقت كان يتمتع فيه بأغلبية مريحة تسمح له بالبقاء حتى موعد الانتخابات العادية العام ،2013 تشعبت أيضاً حول دوافع الاتفاق. ودائماً هناك ما يمكن أن يوضع من الدوافع لأية خطوة سياسية، ومثله يمكن أن يوضع لخطوة سياسية مضادة. وبالنسبة للاتفاق الأخير بين “الليكود” و”كاديما” تضاربت وتعارضت التحليلات والتوقعات، فهناك من رأى أن انضمام “كاديما” يعتبر تحركاً نحو “يسار الوسط”، وفيه ما قد يشجع على إقدام نتنياهو على تجميد الاستيطان، ومن ثم استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. ومنهم من رآها خطوة نحو الحرب، إما على غزة أو ضد إيران. وهناك، في الوقت نفسه، من رآها “حكومة تهدئة” بالنسبة إلى إيران. كذلك، هناك من رأى فيها مجرد “خطوة انتقامية” ضد الذين عارضوا نتنياهو من المستوطنين ورفضوا ترؤسه لمؤتمر “الليكود”، أو ضد “إسرائيل بيتنا” وزعيمه أفيغدور ليبرمان وتخلصاً من تهديداته. وأخيراً، هناك من رأى فيها رسالة موجهة ضد إدارة أوباما الأمريكية، التي تخلت عن مشروعه في مواجهة إيران.
ليس ذلك مهماً في ذاته، لأننا لن نجد في تلك الآراء إلا جزءاً صغيراً من الحقيقة، لكننا لن نجد الحقيقة، لا منفردة، ولا مجتمعة. وبصرف النظر عن أن الخطوة توجت نتنياهو “ملكاً” على “إسرائيل”، كما رأى البعض، وأيضاً بصرف النظر عن المصالح المشتركة التي فرضت “الوحدة” على الحزبين كما رأى البعض الآخر، ثم أخيراً بصرف النظر عمن ربح أو خسر من الاتفاق، فإن المؤكد أن التوافق، إن لم يكن الاتفاق في المواقف الرئيسة والأهداف الأساسية بين الحزبين، هو ما سمح بهذه الخطوة. والحقيقة الوحيدة البارزة التي أظهرها الاتفاق هي الخطأ الشائع عن “ديمقراطية إسرائيل” بأن فيها “تعددية حزبية”، وتقسيم هذه الأحزاب إلى “يمين” و”وسط” و”يسار”، إذ ثبت أن هناك حزباً واحداً، وأن “الديمقراطية في إسرائيل” هي “ديمقراطية الحزب الواحد” مثلما هي “ديمقراطية الدين الواحد”.
الآن في الكنيست 94 عضواً من أصل 120 عضواً تؤيد “حكومة الوحدة”، أي أن 16 عضواً فقط في الكنيست لا يؤيدونها (وهذا ليس مؤكداً، فربما يوجد بين هؤلاء من يؤيدها)، وهي نسبة تحيل الديمقراطية المزعومة إلى ديكتاتورية صريحة، إذ تسمح لنتنياهو بأن يمرر أي قرار يريد أيا كان، إنفاذاً أو إلغاء، أكان حرباً أو سلاماً، توسيعاً للاستيطان أو تجميداً، فرض الخدمة العسكرية على المتدينين أو العرب أو إلغاءها. وفي السياق، أمام “حكومة الوحدة” ثلاث قضايا تنتظر الإجابة: الملف النووي الإيراني والحرب على إيران، الاستيطان والمفاوضات مع السلطة الفلسطينية، قانون “طال” وقانون الميزانية.
بالنسبة إلى الملف النووي الإيراني، كان موفاز يرفض الحرب على إيران. لكن مصادر مطلعة في مكتب رئيس الوزراء، حسب إذاعة الجيش “الإسرائيلي”، توقعت “تغيراً دراماتيكياً” في موقف موفاز، وأنه سينتقل إلى تأييد شن عمليات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية. في كل الأحوال، هذه القضية بعد كل السجال الذي أخذته وشارك فيه كل قادة الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” قبل الإعلان عن الاتفاق الأخير بين نتنياهو وموفاز، كانت قد استقرت مؤجلة لما بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية، وأصبحت القناعة العامة هي أن هذه الحرب غير واردة من دون موافقة، بل ومشاركة أمريكية، وهو أمر أصبح ليس وارداً قبل انتخابات الرئاسة. لهذا السبب يمكن القول إن وجود موفاز في الحكومة، (دون أن نأخذ في الاعتبار ما قالته “المصادر المطلعة في مكتب رئيس الوزراء) قد يرجح التأجيل، لكنه لن يكون السبب فيه. أما بالنسبة إلى المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، فإن التفاؤل بأن وجود موفاز في الحكومة سيساعد في التوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية ليس مبرراً، إنه قد يساعد على استئناف هذه المفاوضات، إذا تم تجميد الاستيطان، لكنه لن يشكل اختراقاً، والقول بغير ذلك فيه تجاهل لحقيقة أن تسيبي ليفني وحكومة أولمرت، لم تستطيعا أن تتوصلا إلى اتفاق، بالرغم مما كان قد أعلن عن أن الاتفاق شمل 95% من القضايا التي كان يجري التفاوض حولها. أي أنه عندما كان القرار كله في يد “كاديما” لم تنجح المفاوضات، فكيف الآن وهو لا يملك إلا قطعة جد صغيرة منه؟ وأما قوانين “طال” و”الميزانية” وما ماثلها، فهي بالرغم من كل شيء تظل مسائل تخضع للصفقات بين الأحزاب المؤتلفة، ولن تشكل تهديداً للحكومة الجديدة إلا إذا قرر نتنياهو عكس ذلك.
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: قرار برلمان بروكسل تمكين للعدالة الدولية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أشادت حركة حماس بقرار برلمان بروكسل مطالب الحكومة الفيدرالية بتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية...

القسام يشتبك مع قوة صهيونية ويجهز على سائق آلية عسكرية شرقي غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اليوم الثلاثاء، الاشتباك مع قوة هندسة صهيونية، والإجهاز على سائق آلية...

470 ألف فلسطيني بغزة قد يواجهون جوعاً كارثياً من المرحلة الخامسة حتى سبتمبر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام رجح تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي إن يواجه 470 ألف شخص في قطاع غزة، جوعاً كارثياً (المرحلة الخامسة...

شهيد بقصف مسيّرة إسرائيليّة دراجة نارية في جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شخص، اليوم الثلاثاء، إثر قصف من مسيّرة إسرائيليّة على بلدة حولا جنوبيّ لبنان، في استمرار للخروقات...

الصحة تعلن ارتفاع عدد ضحايا الإبادة بغزة إلى 52908 شهداء
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، اليوم الثلاثاء، ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 52908 شهداء و119721 مصابا منذ 7 أكتوبر/...

أمن السلطة يقتل الشاب رامي زهران في مخيم الفارعة
طوباس - المركز الفلسطيني للإعلام قتلت عناصر أمن السلطة، الشاب رامي زهران بإطلاق نار مباشر -اليوم الثلاثاء- في مخيم الفارعة شمال الضفة الغربية....

الأمم المتحدة: عدد الوجبات اليومية المقدمة في غزة تراجع بنسبة 70%
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إن عدد الوجبات اليومية المقدمة للفلسطينيين في قطاع غزة انخفض هذا...