الإثنين 12/مايو/2025

ائتلاف نتنياهو الجديد

ائتلاف نتنياهو الجديد

خلال يومين انقلبت الخريطة الحكومية في “إسرائيل” مئة وثمانين درجة. بعد أن صوت “الكنيست” بالقراءة الأولى على إجراء انتخابات مبكرة قيل إنها ستجري في سبتمبر/ أيلول المقبل، فاجأ رئيس حكومة الكيان وزعيم حزب “الليكود” بنيامين نتنياهو المراقبين ومجتمع الكيان بعقد تحالف مع زعيم حزب “كاديما” الجديد شاؤول موفاز، ليصبح نتنياهو رئيس حكومة تتربع على قاعدة “برلمانية” تتشكّل من اربعة وتسعين عضو “كنيست” من أصل مئة وعشرين.
لا أريد أن أتناول الموضوع من زاوية أخلاقية أو من مدخل الانتهازية السياسية التي تصرّف وفقها موفاز، والعقلية البونابرتية التي تملّكت نتنياهو وهو ينقلب على إرادة حزبه ويقدم على خطوة لم يطلع عليها أنصاره أو يستفتيهم بها، فهذه المعالجة الأخلاقية تصلح للتداول في ساحة الكيان الداخلية، ذلك أن كل أطراف الكيان بما ينطوي عليه من أيديولوجيا وسياسة ليسوا أخلاقيين، وكلهم انتهازيون من حيث أنهم مغتصبون ومحتلون وإجراميون، وتتوقف خلافاتهم عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين والعرب.
بطبيعة الحال استثار فضول المراقبين السياسيين أن يجري هذا الانقلاب المفاجئ في الخريطة “الإسرائيلية” خلال يومين، فقد كان الاعتقاد السائد أن نتنياهو المتسلّح باستطلاعات تضعه في أفضل مراحله، سيذهب لانتخابات مبكرة تحقق له وحزبه مكاسب غير مسبوقة في ضوء تردي “شعبية” الأحزاب الأخرى. لكن ما لم يفكّر به هؤلاء هو إمكان إقدام نتنياهو على الدعوة للانتخابات المبكرة من أجل دفع أحد المتضررين من الانتخابات الملوّح بها، وهو “الليكود”، كي ينحني أمام نتنياهو ويتذلل له كي يتجنّب اختباراً لا يجد نفسه جاهزاً له ولا يجد الظرف مواتياً لمعركته الانتخابية.
أدرك نتنياهو أن موفاز الذي أقصى ليفني قبل أسابيع قليلة سيغريه مقعد هامشي في الحكومة يكرسه سياسياً، بدلاً من مقعد في حزب يعاني الاهتزازات بعد غرق مؤسسه ارئيل شارون في غيبوبة مفتوحة.
السؤال الأبرز الذي يقفز لأذهان العرب مع كل تغير في الخريطة الحزبية في الكيان، هو مدى انعكاس هذا التغيّر على الصراع العربي – الصهيوني وعملية التسوية. ولأن السقف الأعلى للعرب الرسميين هو التفاوض، فإن التفكير ينصب في مثل هذه الحالات على مصير المفاوضات وما تسمى عملية السلام.
هذا منهج يعكس عقلية التسوّل، ذلك أنه يبنى على منطق ماذا سيعطينا “الإسرائيليون” وليس ما نحن قادرون على انتزاعه بلا أوراق نحن تنازلنا عنها، وفي ظل ميزان قوى مختل بسببنا. وللتذكير، فإن نتنياهو نفسه عندما تنافس مع شمعون بيريز في انتخابات ما بعد مقتل رابين هو صاحب مقولة “لماذا نسير باتجاه العرب ما دامت التجربة دلّت أنهم يسيرون إلى المكان الذي تقف فيه “إسرائيل””.
بمعيار التجربة هذا الكلام صحيح، وهو أحد العوامل التي غذّت الصعود المطرد للتطرّف واتجاه المجتمع “الإسرائيلي”، بمعزل عن عملية التسوية، من اليسار إلى اليمين ومن اليمين إلى يمين اليمين.
ومن جهة أخرى، لا يمكننا أن نعزل هذه الخطوة عن الحملة “الإسرائيلية” والتهديدات المتكررة بتوجيه ضربة عسكرية لإيران بذريعة برنامجها النووي، وكذا الأمر بالنسبة لحزب الله وغزة، ومصر ما بعد الثورة.
مثل هذه الضربة التي يصفها “الإسرائيليون” بالخيار الموضوع على الطاولة، وما تحمله جعبة الكيان من مخططات عدوانية على الجبهات الأخرى تحتاج إلى حكومة تستند لقاعدة مريحة في “الكنيست”، خاصة أن أمامها سنة ونصف السنة حتى الانتخابات المقبلة لتحاول أو تنتظر إنضاج الظروف المواتية ل “إسرائيل”.
وفي مطلق الأحوال، ينبغي أن يشطب العرب من قاموسهم أية مراهنة على التطورات الحزبية في الكيان، وفي أمريكا أيضاً، وألا يتوقّعوا منهما سوى مخططات العدوان والفتن.
[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات