الجمعة 09/مايو/2025

إسرائيل وسؤال الساعة

إسرائيل وسؤال الساعة

فور أن فسخت مصر عقد تصدير الغاز إلى “إسرائيل”، بادر أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي، إلى محاولة تهييج الرأي العام الداخلي والخارجي ضد القاهرة. وفي تصريحاته الإعلامية والسياسية وردود أفعاله، أعاد ليبرمان إلى الأذهان مقولاته السلبية الثابتة تجاه مصر؛ التي أوصلته قبل سنوات إلى التهديد بقصف السد العالي لإغراقها.
والظاهر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سارع إلى لجم لسان وزير خارجيته المنفلت، عبر لفت نظره إلى التداعيات غير المستحبة للمغالاة في التحريض على أكبر العواصم العربية، وهي تخوض غمار غليان ثوري غير مسبوق.. وهنا استعاض الوزير المتنمر عن كلامه العدائي، بتوجيه رسالة إلى نتنياهو يحذره والمعنيين فيها من “الخطر الاستراتيجي الرابض على الجبهة الجنوبية بعد الانقلاب في مصر..”.
والأهم أن الرسالة مضت إلى تكييف هذا الخطر على أنه “مقلق لإسرائيل أكثر من الملف النووي الإيراني، بما يدعو إلى قرار جريء بإعادة تفعيل القيادة الجنوبية في الجيش، وتخصيص الموازنات اللازمة للتعامل مع سيناريوهات مفاجئة، كخرق معاهدة السلام بتحركات عسكرية..”.
وهكذا، فإنه في الوقت الذي لم يفرغ فيه الإسرائيليون من جدل الزعم بأولوية الخطر الإيراني الماثل على بعد أكثر من ألف ميل، إذا بهم ينخرطون في جدل مواز حول الخطر الذي يلوح من جبهة مصر، التي استأمنوا جانبها لأكثر من ثلاثين عاماً.
وبينما يتنافس الإسرائيليون حول أي الخطرين الإيراني أم المصري هو الأكثر إلحاحاً على حاضرهم ومستقبلهم، نجد أنهم لا يملكون ترف الادعاء بأن الجبهات الأخرى على الحدود مع سوريا ولبنان وقطاع غزة، لا تخبئ لهم أخطاراً قد تثور في أية لحظة تحت ظروف معينة. وربما صح الاعتقاد في هذا السياق، بأن العقل الاستراتيجي الإسرائيلي لا يسعه الاطمئنان إلى صقيع الجبهة الأردنية، وذلك على افتراض أنه لا يمكن التكهن بالمدى الذي سوف تصل إليه رياح التغيير في الرحاب العربية، وما قد تحظى به أو لا تحظى هذه الجبهة من استثناء.
لا يتوقف الإحساس الحقيقي بالأمن والاستقرار من عدمه، على وجود الأخطار من عدمها في الواقع الفعلي، وإنما يقوم هذا الإحساس أو يغيب بناء على التصورات التي تسكن الخواطر والوجدانات بشأن وجود الأخطار أو غيابها. وعليه، قد لا تكون الأوضاع الحقيقية على كل الجبهات الإقليمية لإسرائيل، في الجوارين المباشر والبعيد نسبيا، مدعاة لإثارة الخوف والقلق والتهديدات الأمنية التي يزعمها المسؤولون الإسرائيليون.. لكن التقديرات والتصورات التي يبثها هؤلاء ويروجون لها، تكفي وزيادة لصناعة فوبيا الأمن الخارجي، في تضاعيف الحالة الإسرائيلية.
نفهم ذلك، مثلاً، من تصريح لرئيس الأركان الإسرائيلي بيني غانتز (22/4/2012)، عبر فيه عن “تزايد مستويات الخطر من خارج حدود الدولة..”، ومضى إلى القول: “لا أعتقد أن هناك لحظة واحدة تمر ولا يحدث فيها أي شيء في هذا العالم. ولقد أمرت بمضاعفة عدد العمليات الخاصة في الخارج..”.
ربما يجد البعض في هذا التصور، الذي يعني مراقبة ما يدور في العالم كله لأجل ضمان أمن إسرائيل، شيئا من الحكمة وبعد النظر.. لكننا نسأل هؤلاء عما إذا كان من الممكن للحياة أن تستقيم في “مجتمع” هذا مبلغ استشعاره للأمن؟.. كيف للإسرائيلي أن يمارس يومياته ثم يأوي إلى فراشه آمنا قرير العين، فيما تعتمل في ذهنه الخيالات والإيحاءات بأن ثمة أخطارا قد تدهمه بغتة من هذه الجبهة أو تلك؟
رب قائل بأن النخب الصهيونية الحاكمة، بتضخيمها لحجم الأخطار المتربصة بالدولة، إنما تقصد تحقيق أعلى مستويات الجهوزية والاستعداد.. بيد أن بلوغ هذا القصد يظل عرضة للاقتران بحالة موازية من التوتر وإدمان القلق والاستنفار، الذي يقطع الأنفاس ويجعل القوم يحسبون كل صيحة عليهم.
تتفاقم المواصفات السلبية لهكذا “مجتمع”، على الصعيدين النفسي والعصبي، إلى الدرك الأسفل من رهاب الهواجس والظنون وعدم الاطمئنان، بالنظر إلى معاناته أيضاً من أمراض داخلية شبه مستعصية.. كتفشي العنف وعصابات الجريمة المنظمة، ومافيات الشوارع التي تتنافس للسيطرة على مناطق النفوذ.. هذا علاوة على استشراء الفساد واستغلال الوظيفة العامة، والتفاوت الطبقي إلى أبعد الحدود، واتساع الصدوع في تضاعيف القطاع اليهودي بين المتطرفين الدينيين والقوى العلمانية، وكذا بين المهاجرين القدامى والمهاجرين الجدد، وزحف هذه الصدوع إلى بعض أهم المؤسسات الموصوفة ببوتقات الصهر كالجيش.
ثم إن الإسرائيليين ليسوا في وارد التخلي عن مخاوفهم الأمنية، من تبعات التكاثر السكاني والتطور السياسي للأقلية العربية الفلسطينية تحت جلد الدولة، ولا سيما في ضوء ضمور المدد البشري اليهودي الخارجي.. ويقلقهم أن تتواكب هذه المنغصات مع ارتفاع منسوب التلاقي والتفاعل، بين أبناء هذه الأقلية ومواطنيهم التاريخيين في الأرض المحتلة منذ عام 1967.
يستقبل الإسرائيليون اليهود عامهم الخامس والستين وهم ينامون بنصف عين، غير آمنين؛ تحيط بهم الأخطار الحقيقية والمتخيلة، من بين أيديهم ومن أمامهم وخلفهم، وذلك على عكس أحوال اليهود في أي مكان آخر في هذا العالم.
مع ذلك كله، ومثله مما يضيق المقام عن الاستطراد إليه، هناك من يتبجح بنجاح المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين.. أي حماقة هذه!
[email protected]
صحيفة البيان الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...