السبت 10/مايو/2025

ليل الأسرى وفجرهم

ليل الأسرى وفجرهم

الأسرى الآن يقاتلون بأمعائهم، يقاومون بجوعهم، يتحدّثون بآهاتهم، ومن ينطق باسم قضيته بالألم يجعلنا نخجل من مجاراته بالقلم، خاصة أن القلم لا يميز بين الأصابع التي تمتشقه. يحتار المرء في ما يعبّر بصدق عن ألم الأسير سوى الأسير نفسه، ولا سيما القابع خلف القضبان وليس قابضاً ثمن نضاله مالاً أو منصباً لتصبح سنوات السجن جزءاً من أرقام البورصة.
لذلك أحاول البحث عن الرسائل المسرّبة من السجن، فردية أم جماعية، ففيها النبض الصادق واستشراف المستقبل الفلسطيني من رحم هؤلاء متقدمي الصفوف فوق صفيح الأسر الساخن.
تستسيغ الأذن ويرتاح الوجدان لكلام مكتوب بحبر السجن وعلى ورق علبة السجائر لأنه يعبّر عن حالة الصراع التي يجهد جيش من الإعلام والأقلام والشاشات والإنترنتيين لجعلها واقعاً من السمن والعسل مع “أولاد العم” الذين أصبح حلفاؤهم أصدقاءنا.
الناطقون باسم الألم الحبيس في سجون أسوأ احتلال في التاريخ جديرون بالاستماع إليهم وتمثّل روحهم وهم يتقدّمون الصفوف والآخرون بعيدون كثيراً في الخلف وجوههم باتجاه بعض أو للوراء بحثاً عن أبعد نقطة في الظلام للتسربل بها.
أكتب عن مضربين عن الطعام منذ أربعة عشر يوماً، ومنهم من قارب إضرابه الشهرين، بعدما تناولت اليوم ثلاث وجبات بالتمام والكمال. أكتب عن أسرى مرضى امتنعوا عن تناول الدواء، وعندما داهمني الصداع تناولت حبّتين وكأس ماء. أعرض معاناة المحشورين في بضعة أمتار مربّعة بعد رحلة في السيارة لأربع ساعات. أتعاطف مع آباء محرومين من رؤية أطفالهم، ويعيشون الآن إحساس المضرب عن الطعام بأنه لن يراهم أبداً، وأطفالي يتقافزون حولي.
وتقع يدي على رسالة قديمة لسان حال أصغر أسير في العالم، رهين محبسين أحدهما من نوع غير الذي عاشه المعري. اقرأ كلمات يوسف الزق الذي ولدته أمه فاطمة قبل أربع سنوات في سجن الاحتلال، فلربما كانت كلماته سيفاً أصدق أنباء من الكتب. كم كان ملائكياً حينها عندما سأل أتعلمون من أنا؟، ولم ينتظر الإجابة ليجيب بنفسه “أنا ذاك الطفل الذي أنجبتني أمي بالسجن.. أنا أصغر أسير بالعالم يوم جئت للدنيا كانت أمي مقيّدة بسرير مستشفى السجن يعتصرها الألم وهي تدثّرني بدفئها ودموعها على وجهي”.
ليتجنّب الإعلاميون تعليقات أصحاب ربطات العنق عن إضراب الأسرى، وليذهبوا إلى أم ناصر أبو حميد في مخيم الأمعري، ليحاولوا فهم معنى أن تجلس أم وحيدة فيما أبناؤها السبعة خلف القضبان قبل أن يخرج أحدهم ليستشهد. لتذهب الفضائيات لزيارة خيمة التضامن في غزة للقاء الأسير المحرر أسعد صلاح الذي انتهت معاناته الذاتية مع السجن نسبياً، لتبدأ فصلاً جديداً عنوانه إضرابه عن الطعام تضامناً مع ولديه الأسيرين فهمي وصلاح، ومع شقيقه سعيد وابنه غسان، وكلهم في سجن نفحة الصحراوي.
لقد قرر مواصلة الإضراب حتى ينتصر الأسرى ويفكوا إضرابهم، فأية حرية تلك التي نالها؟ إنه يريد أن يقول بأسلوب الأسرى وأدواتهم،  إن الفلسطينيين لن يتركوا أسراهم يعانون وحدهم في السجون، ولن يتركوا الاحتلال يستفرد بأبنائهم حتى لو صمت العرب والعالم وتلهوا بكل شيء سوى الحرية الحقيقية للإنسان.
بعد أربعة عشر يوماً مرت على إضراب الأسرى، سمعنا رسميون عرب يتحدّثون عن “نيّة” عربية لتدويل قضية الأسرى. لم يقل هؤلاء كيف ومتى، مع أن الحد الأدنى من المصداقية يتطلّب على الأقل اجتماعاً للجامعة العربية، لكي تذهب هي للتدويل. لكن يبدو أن من أدمنوا لعبة الامتصاص ورفع العتب لا يستطيعون إتقان غيرها. لكن أيها الأسرى أنتم أكثر من يعرف أنه “ليس بعد الليل إلا فجر مجد يتسامى”.
[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...