إسرائيل بعد عام من الثورات العربية

ثمة من يقول إن “إسرائيل” تنام قريرة العين وهي مطمئنة إلى وضعها، في ظل تلاشي أو انعدام الأخطار عليها، بفعل تشتت اهتمام العرب بأوضاعهم الداخلية التي لا يحسدون عليها. وثمة رأي “إسرائيلي” آخر، مفاده أن الوضع العربي غير مطمئن بفعل ضبابية وضعه، وعدم وضوح ما ستؤول إليه الأمور بخاصة في دول الطوق.
وبصرف النظر عن نظريات المؤامرة التي تفننا في تفسيرها وتفنيدها وشرحها نحن العرب، ثمة استنتاجات موضوعية وطبيعية في ظروفها ومكوناتها، بأن “إسرائيل” قد استفادت إلى حد كبير مما يجري في البلدان العربية عامة ودول الطوق خاصة. لكن الأمر لا يبدو بهذه البساطة وهذا التسطيح في التحليل. للعديد من الأسباب التي تبدو أيضاً منطقية ولا يمكن تجاهلها.
فثمة أخطار لا تقل أهمية عما كان سائداً سابقاً. صحيح أن معظم الأنظمة العربية قد اعتادت، وعوّدت “إسرائيل” على نمط معين من “الستاتيكو” الذي أراح الطرفين العربي و”الإسرائيلي” لعقود مضت، مع وجود استثناءات قليلة هنا أو هناك، إلا أن المتغيّر الحاصل ليس واضحاً إلى الحد الذي يمكن البناء عليه “إسرائيلياً” واعتباره أمراً مقبولاً في حده الأدنى ومن وجهة تكتيكية لا استراتيجية.
فمعظم الثورات التي تمكنت من الظهور بمظهر المنتصر عبر توليها السلطة واقعياً لا عملياً، هي إسلامية التوجّه بصرف النظر عن نوعيتها ومستوى عدائها الأيديولوجي ل”إسرائيل”. وعلى الرغم من كل التوصيفات التي تطلق عليها من هنا أو هناك، فهي من وجهة النظر “الإسرائيلية” إسلامية وتكن العداء للكيان بشكل أو بآخر، وربما تشكل خطراً عليه أكثر من أي بيئة سياسية تبنتها الأنظمة العربية سابقاً.
وبعيداً عن التنظير أو التحليل، ثمة وقائع ميدانية تقود إلى استنتاجات واضحة وجلية. ففي مصر حيث وصل الإخوان المسلمون إلى البرلمان مثلاً، وهم يرشحون رئيساً من بينهم، في بيئة باتت معادية ل”إسرائيل” بشكل علني ومختلف الوجه عن السابق، ففي بداية الثورة لم تسمع “إسرائيل” حتى شعاراً معادياً لها، لكن ما لبث الأمر أن انتقل إلى مرحلة إحراق السفارة “الإسرائيلية” في القاهرة وضرب أنابيب الغاز المصرية المغذية لها؛ في ظل تنامي حركة الجهاديين في سيناء، وبشكل لافت ويدعو إلى القلق “الإسرائيلي” خصوصاً بعد تنامي التنسيق مع الفلسطينيين في غزة، رغم خصوصية العلاقة مع حركة حماس في الفترة الأخيرة.
في المقلب الشمالي الآخر من الصورة في سوريا، وإن كان الأمر مختلفاً نوعاً ما، فيبدو أن التشويش يلف الرؤية “الإسرائيلية”، صحيح أن الجولان لا يزال هادئاً، لكنه سجّل سابقة وإن كانت مفتعلة في يوم الأرض العام الماضي. فعلى رمزيتها، فمن يضمن ل”إسرائيل” مثلاً عدم تكرارها بصورة متواترة وغير مضبوطة التحرك أو الأهداف العملية؟ وعندها سيكون الأمر مغايراً وسيكون الجولان مكاناً مختلفاً عما عُهِدَ لعقود خلت.
في المقلب الشرقي، حيث أطول الحدود مع “إسرائيل”، الأمر ليس مختلفاً أيضاً، صحيح أن الجبهة الأردنية آمنة رسمياً بفعل معاهدة وادي عربة منذ عام 1993، لكن ثمة حراك إسلامي أردني قوي ومؤثر في الحياة الشعبية والسياسية الأردنية، وهنا مكمن الخوف “الإسرائيلي” مما هو غير مؤكد عملياً. فبين الفترة والفترة جرت عمليات ضد “إسرائيل” انطلاقاً من الأراضي الأردنية، ورغم محدودية فعاليتها، فإنها ترسم صورة “إسرائيلية” غير مريحة للوضع هناك، كما أن القوى الأردنية تطالب في كل تحركاتها الأسبوعية بإلغاء معاهدة وادي عربة وإغلاق السفارة “الإسرائيلية” في عمّان.
مكمن الخوف “الإسرائيلي” الأكثر شدة ينطلق من الساحة اللبنانية، وهنا الأمر ليس متعلقاً بالضرورة بالحراك الراكد أو المقنع، بقدر ما هو خوف من انفجار عسكري غير محسوب النتائج بدقة، وهو مرتبط بشكل عام بحسابات إقليمية أكثر منها لبنانية بحتة، وعليه فإن القلق “الإسرائيلي” هنا أعم وأشمل بفعل أبعاده وتداعياته التي يصعب السيطرة عليها.
أربعة وستون عاماً من الصراع العربي – “الإسرائيلي” تخللته حروب تحريرية وتحريكية أيضاً، لكن بمجملها كانت مضبوطة الإيقاع “إسرائيلياً”، وكانت قادرة على استيعاب نتائجها وتداعياتها بيسر وسهولة بعد فترة وجيزة من انطلاقها، لكن ما يجري الآن في البلدان العربية هو بمنزلة المعروف المجهول “إسرائيلياً”، وهي المرة الأولى التي تقف القيادات “الإسرائيلية” أمام تحديات غير واضحة المعالم، عاجزة عن الإجابة عن السؤال المركزي، ماذا بعد الثورات العربية؟
ربما عام واحد ونيف غير كاف لرسم صورة واضحة المعالم عن منطقة تعج بالأزمات والتناقضات والمصالح، فيها أنظمة استهلكت نفسها في مواجهة “إسرائيل” بطرق عفا عليها زمن الحرب والسلم معاً، والمضحك المبكي في هذه الصورة السريالية، أن طرفي المعادلة الحقيقيين، “إسرائيل” وشعوب البلدان العربية يقفان حائرين عن تفسير ما يجري.
شعوب عربية تبحث عن ضالتها، و”إسرائيل” تبحث عن أمنها وفي كلتا الحالتين، حيرة وغموض. فيما الحل السياسي والأمني نخر غالبية الأنظمة العربية من دون التمكن من مواجهة “إسرائيل” أو السماح لغيرها بالمواجهة.
* أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...

الأمم المتحدة تحذّر من استخدام المساعدات في غزة كـ”طُعم” لتهجير السكان
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت هيئات الأمم المتحدة من مخاطر استخدام المساعدات الإنسانية في قطاع غزة كوسيلة للضغط على السكان ودفعهم قسرًا للنزوح، مع...

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...