الجمعة 09/مايو/2025

الكيان الصهيوني وجبهة سيناء

الكيان الصهيوني وجبهة سيناء

مهما تكن المرامي والأهداف الحقيقية للانتقادات الحادة التي وجهها رئيس جهاز “الشاباك” الصهيوني السابق يوفال ديسكين، إلى رئيس الحكومة “الإسرائيلية” بنيامين نتنياهو ووزير حربه إيهود باراك اللذين وصفهما ب”المسيحين الدجالين”، واتهمهما بالاستخفاف بالجمهور “الإسرائيلي” واتخاذ قرارات غيبية، إلا أن الرجل الذي حذا حذو رئيس جهاز الموساد السابق مئير داغان، ألقى حجراً كبيراً في بركة الحيرة والارتباك وحالة عدم اليقين حيال المستقبل الذي تقف عليه الدولة الصهيونية، تحت ظلال العالم المتغير، بسرعة غير مسبوقة، على الصعيدين الدولي والإقليمي.
وظهور قوى تصعد وأخرى تهبط، وتراجع عناصر الاستقرار في البيئة الاستراتيجية الإقليمية التي تعرضت لاهتزازات قوية ونوعية وضعت “إسرائيل” أمام تحديات أمنية وسياسية مضاعفة ومركبة يرتفع منسوبها باطّراد على وقع ما يسمى في تل أبيب “الخطر النووي الإيراني” الذي مازال يعدّ الخطر الأساس على ما يسمى “أمن إسرائيل”، وتحوّل مكانة الولايات المتحدة الاستراتيجية، وترجيح اختلاف طريقة ومستوى تعاطيها مع منطقة الشرق الأوسط.
المؤشرات الأبرز على تثقيل كفة المخاطر التي تحملها هذه المتغيرات الإقليمية والدولية على الدولة الصهيونية مقابل نظيرتها المتعلقة بالفرص، لم تقتصر فقط على التقديرات والتصريحات “الإسرائيلية” المتشائمة والمتقاطعة مع معطيات الاستخبارات التي تبيّن، ووفق ما يؤكد رئيس الأركان الجنرال بني غانتس، أن “احتمال التدهور إلى حرب في الواقع الاستراتيجي، وبإزاء عدم الاستقرار في المنطقة، أعلى مما كان في الماضي”، كما أنها لم تأت، وكما كان مقدراً، من جهة الشرق (الضفة الغربية) المفتوح على بركان شعبي يمكن أن ينفجر في أية لحظة في وجه الاستيطان والتهويد الزاحف، ولا من الشمال المدجّج بصواريخ المقاومة اللبنانية وتحدياتها، وإنما جاءت، هذه المرة، من جبهة الجنوب المصري التي قلبت القاعدة “الإسرائيلية” القديمة التي كانت تتكئ على هيمنة القطب الواحد، وتفيد أن استقرار الدولة الصهيونية يتطلب، بالضرورة، عدم استقرار الدول العربية، وبالأخص مصر وسوريا اللتان خاضتا الحروب السابقة كافة في مواجهة “إسرائيل”.
ومع أن العنوان الأهم في هذه المؤشرات، والذي احتل مساحات واسعة في وسائل الإعلام مؤخراً، تمثل في إلغاء الجانب المصري اتفاق الغاز مع “إسرائيل” الذي شكل أحد الموضوعات المركزية للتنديد بالنظام السابق وفساده وتبعيته التي أضاعت على الشعب المصري الجائع مليارات الدولارات لمصلحة الدولة الصهيونية، وفي تداعيات هذه الخطوة التي يعلم الجميع أنها ليست مجرد “خلاف بزنس”، أو فسخ عقد تجاري غير عادل يمكن إعادة النظر فيه، بل تطور يقول الكاتبان سيمون هندرسون وديفيد شانكر، في مقال نشره “معهد واشنطن”، إنه “لن يؤثر في “معاهدة السلام” فحسب، بل سيزيد أيضاً من احتمالات وقوع نزاعات مفتعلة على تطوير حقول الغاز في شرقي البحر المتوسط”، إلا أن الأمر يتعدى هذا التطور النوعي وتبعاته المفتوحة على احتمالات شتى، إلى تفاقم واتساع ما يسمى في تل أبيب “المخاطر الأمنية” التي يمكن أن تهب على “إسرائيل” من جبهة سيناء التي تختلف التقديرات بشأن تنامي التيارات السلفية، بما في ذلك تنظيم “القاعدة”، فيها، وقدرة السلطات المصرية على فرض سيطرتها في هذه البقعة الجغرافية الواسعة (61.000 كم مربع) الموصلة ما بين آسيا وإفريقيا، والتي عانى أهلها الحرمان والإهمال طوال العقود السابقة.
التبشير “الإسرائيلي” بهذا الخطر المزعوم من جبهة سيناء، لم يبدأ، في الواقع، مع حادثة إطلاق صواريخ غراد باتجاه مدينة إيلات، ومقتل عدد من الجنود المصريين برصاص الجيش “الإسرائيلي” في أغسطس/آب الماضي، وإنما يعود إلى الأيام التي أعقبت سقوط الرئيس مبارك، حيث أطلقت الدبلوماسية “الإسرائيلية” ووسائل الإعلام الصهيونية، حينها، رزمة من التحذيرات حيال إمكانية تحول شبه جزيرة سيناء إلى مرتع “للإرهاب والإرهابيين” الذين يريدون، وبالتنسيق مع “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وبعض القوى السلفية في غزة، المساس ب”أمن إسرائيل”، وذلك بهدف “تحصين” اتفاقية كامب ديفيد، والضغط على القوى السياسية المصرية، وبالأخص حركة “الإخوان المسلمين” التي حازت الأغلبية في مجلس الشعب لاحقاً، لإشهار الالتزام بهذه الاتفاقية التي شكلت القاعدة والعنوان الأبرز لجميع الموبقات التي ارتكبت خلال العهد السابق.
غير أن “عملية إيلات” وما تلاها من تظاهرات عارمة أمام السفارة “الإسرائيلية” في القاهرة في أيلول/ سبتمبر الماضي، ومن تفجيرات متكررة لأنابيب الغاز المتجهة إلى فلسطين المحتلة، دفعت “الإسرائيليين” إلى رفع مستوى التهويل والتهديد إلى درجة تشبيه نتنياهو أراضي سيناء بمنطقة الغرب الأمريكي خلال القرن التاسع عشر التي كان يغيب عنها القانون، حيث تستغل ما أسماه “جماعات إرهابية” من “حماس” و”الجهاد الإسلامي” و”القاعدة” الوضع السائد، بمساعدة من إيران، لتهريب وجلب السلاح لشن هجمات على “إسرائيل”.
وعليه، وتحت ذريعة فقدان السلطات المصرية سيطرتها على سيناء، قام الجيش “الإسرائيلي” بتعزيز قواته على الحدود مع مصر، ونشر فرقة “غولاني” للمرة الأولى هناك، وزوّد القوات بمركبات “هامر” تحمل أجهزة رصد وإطلاق نيران تلقائية، فيما ارتفعت الدعوات “الإسرائيلية” إلى عبور الحدود المصرية بحجة تأمينها، واحتلال ما بين 5 أو 7 كيلومترات من أراضي شبه الجزيرة المصرية بدعوى تأمين الحدود التي تشهد وتيرة بناء مذهلة للجدار الفاصل ما بين الجانبين، وذلك قبل أن يتجه الخطاب “الإسرائيلي” إلى نزع برقع الدبلوماسية، بعيد إعلان الجانب المصري إلغاء اتفاق الغاز.
وتتحد الحكومة والمعارضة على إطلاق نار سياسية عنيفة ضد المصريين، وصلت إلى حدود وصف زعيم المعارضة وحزب “كديما”، شاؤول موفاز، القرار المصري ب”التدهور غير المسبوق في العلاقات، والخرق الصارخ لاتفاقية السلام”، وتنبيه عضو الكنيست بنيامين بن إليعازر، إلى أن إلغاء مصر اتفاقية الغاز “مؤشر جديد على إمكان قيام مواجهة” بين الدولة الصهيونية والمصريين، وتقديم وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان وثيقة إلى رئيس الوزراء نتنياهو عمّا أسماه “الأخطار الاستراتيجية المحتملة من جرّاء الثورة في مصر”، جاء فيها، إن “الشأن المصري أشد إقلاقاً من إيران”، ما يفرض “اتخاذ قرار سياسي شجاع، لإعادة بناء قيادة المنطقة الجنوبية من خلال إعادة تمركز الفيلق الجنوبي الذي تم حلّه بعد “اتفاق السلام”، وإدراج ثلاثة أو أربعة ألوية اختصاصية للجنوب، وكذا تخصيص الميزانيات اللازمة وإعداد الرد “الإسرائيلي” على سيناريوهات محتملة في المستقبل”.
وعلى رغم أن العنوان المرسل إليه هذا التصعيد “الإسرائيلي” هو النظام المصري المقبل الذي يجب وضعه تحت الضغط الشديد لإعلان التزامه الكامل وربما “المطلق” باتفاقية كامب ديفيد، فإنّ ثمة “قُطبة” مخفية في ثناياه تشي بأن حكومة نتنياهو، أو الحكومة المقبلة في حال حدوث انتخابات مبكرة في الدولة الصهيونية، ربما تعمل على الوصول إلى ترتيبات أمنية وسياسية معينة مع حكومة “حماس” في غزة لدفع المخاطر التي يمكن أن تهب من سيناء باتجاه الكيان الصهيوني، ولا سيما بعد الإشارات التي صدرت عن القيادي في “حماس” محمود الزهار عن ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية على أي شبر من أراضي فلسطين، والتي ينبغي أن تصبّ، وفق القراءة “الإسرائيلية”، في خانة الدعوة المتكررة إلى اعتبار قطاع غزة هو هذه الدولة المستقلة.
* كاتب فلسطيني
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...