المفارقات الفلسطينية

العدوان والحصار على غزة والاستيطان المفتوح وعربدة قوات الاحتلال في الضفة والتهويد للقدس، هذا هو المشهد الفلسطيني الذي يرسمه الاحتلال على وجه الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة.
مثلث المشهد ليس جديداً، فهو يرتبط بما هو قائم عليه هذا الكيان في مثلث العدوان والاحتلال والاستيطان، غير أن المستجد هنا يتمثل بما يمكن وصفه بتداعيات المواجهة في إخلال وإفراغ لما يفترض المقاومة.
في أبرز هذه التداعيات المفتوحة على تصفية القضية الفلسطينية كان الانقسام السياسي بين حركتي “فتح” و”حماس” الساقط على الأرض في الضفة الغربية من جهة وعلى غزة من جهة ثانية الذي يراد له صهيونياً في أحسن الأحوال أن يبقى حالة متواصلة بما يترتب عليها من أضرار وخسائر فادحة ومخاطر ماثلة على الفلسطينيين في مواجهة العدوان ومقاومة الاحتلال وإزالة الاستيطان وإعلاء وانتصار قضيتهم العادلة.
ولمجرد الإشارة والاستدلال على هذا التداعي هناك أكثر من مفارقة، فالأحد الماضي حذر رئيس دائرة شؤون القدس في منظمة التحرير الفلسطينية أحمد قريع من أن إتمام المخطط “الإسرائيلي” الهادف السيطرة كلياً على مدينة القدس وفصلها عن الضفة الغربية سيعني عملياً نهاية مشروع السلام وفق حل الدولتين برمته بات في موضع خطر حقيقي.
وأشار إلى أن سلطات الاحتلال باتت تسيطر على 85% من أراضي المدينة المقدسة بالمستوطنات أو المناطق الأمنية والخضراء والحدائق التلمودية وغيرها، مؤكداً أن “إسرائيل” “طوقت بالفعل ونصبت 12 معبراً دولياً حول المدينة المقدسة، بينما تواصل عمليات تهويد البلدة القديمة وسائر المناطق والأحياء على مرأى من العرب والمسلمين”.
وبينما كان قريع لايزال يعدد الأساليب والوسائل والسياسات الصهيونية لاستهداف القدس وتهويدها، كان كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ينفي تقارير صحفية تحدثت عن رفض الحكومة “الإسرائيلية” تسلم رسالة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس “بشأن مستقبل عملية السلام وتطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية”، وقال إن الجانب الفلسطيني لا يزال ينتظر تحديد موعد لقاء “إسرائيلي” فلسطيني خلال أيام.
المفارقة ليست قاصرة على حالة واحدة، بل هي متعددة ومتداخلة، وتبدو واضحة في واحدة منها بين ما ذهب إليه كل من المسؤولين في السلطة الفلسطينية، الأول يرسم المشهد الكارثي الذي باتت عليه القدس إثر سياسة التقويض والتهويد الصهيوني، والثاني لا يحلق بأمنيات التسوية وحسب بل تصير الحقائق ساطعة بأن السياسة الصهيونية وبخاصة الاستيطان والتهويد تمضي بوتائر متسارعة ودونما مواجهة.
في غضون سنوات فإن التسوية الأمريكية الخادعة وخلال المفاوضات وهي ناشطة أو متوقفة كانت القدس قد شهدت وهي لاتزال تشهد مخططاً صهيونياً بمراحل ولأهداف متعددة.
في توازٍ مع ما كان قائماً بالمفاوضات، جرى صهيونياً في القدس تصفية كامل المؤسسات الفلسطينية الوطنية والأهلية الخدمية والثقافية، وطالت هذه الحملة مؤسسات تاريخية ودور العبادة الإسلامية والمسيحية وبات الأقصى هدفاً بوجوده، وأبناء القدس في الدوامة العنصرية الجهنمية فهل بعد هذا تصير هناك غرابة إلى ما آل إليه التهويد بالنتيجة؟
الواقع أن الضجة عالية في شأن المخططات الصهيونية المدعومة استعمارياً وبخاصة من الولايات المتحدة، وهي على أي حال تتجه صوب تصفية كل ما هو فلسطيني وجوداً وقضية، والمشكل أنه بمثل ما هي المفارقة التي رسمها قريع عن الكارثة التي باتت عليها القدس من جراء السياسة الصهيونية من جهة وصائب عريقات عن مستقبل الضياع في متاهة المفاوضات العبثية، فإن الضجيج عن المخططات الصهيونية في ظل الانقسام السياسي الفلسطيني يترجم بمفارقات سياسية تفتقد إلى المسؤولية ولا داعي إلى الإشارة: أين تصب في الحصيلة؟ لأن الانقسام السياسي الفلسطيني لم يحدث ضعفاً ولم يلحق ضرراً في المسيرة الكفاحية للشعب الفلسطيني وحسب بل إن الشرخ بات مفتوحاً على هاوية سحيقة.
من هنا إذا ما بدأت السلطة الفلسطينية التي تقودها حركة “فتح” تحركاً دبلوماسياً وسياسيأً كما كان تجاه الأمم المتحدة في شأن الحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية فإن “حماس” لاتبادر إلى دعم هذا التحرك، والكثير جرى خارج المجرة وحتى الإرادة الأمريكية فإنها لا تعطي لنفسها المتابعة والمراقبة بل إنها تطلق مسبقاً أحكاماً جاهزة بالفشل وأوصاف ال “مناورة” و”التضليل”، في المقابل فإن السلطة تصير في عمى عن رؤية الحق الفلسطيني مواجهة العدوان الصهيوني، ناهيك عن الحق المشروع في مقاومة الاحتلال.
وبين هذا وذاك، عوضاً عن تكامل إمكانات ووسائل وأساليب المقاومة الفلسطينية وانتهاج الخيارات المناسبة في مواجهة العدوان وإنهاء الاحتلال وإزالة الاستيطان فإن الانقسام السياسي بات مكرساً.
هنا تكمن أهمية دعوة القائد والمناضل الفلسطيني مروان البرغوثي القابع في سجن الاحتلال منذ عشر سنوات إلى “إطلاق مقاومة شعبية واسعة النطاق” لأنها الخيار الأمثل لمواجهة الانقسام ومقاومة الاحتلال.
* كاتب وصحفي من اليمن
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

إصابة جنود إسرائيليين بصاروخ مضاد للدروع في حي الشجاعية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم السبت، بإصابة عدد من جنود جيش الاحتلال في قطاع غزة نيران المقاومة الفلسطينية. وقال...

جامعة كولومبيا تعلّق دراسة 65 طالبا احجوا ضد الإبادة في غزة
واشنطن - المركز الفسطيني للإعلام علقت جامعة كولومبيا دراسة 65 طالبا من "مؤيدي فلسطين" لمشاركتهم في احتجاج داخل المكتبة الرئيسية للجامعة يوم الأربعاء...

باكستان تطلق عملية “البنيان المرصوص” ضد الهند
إسلام أباد - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت باكستان فجر اليوم السبت، عملية عسكرية مضادة للهجمات العدوانية الهندية على أراضيها ومنشآتها العسكرية تحت...

لجنة أممية تحذر من خطر المجاعة والمرض على الفئات الهشة بغزة
جنيف - المركز الفلسطيني للإعلام قالت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري إن نفاد الغذاء في قطاع غزة، إلى جانب الدمار الواسع...

إصابتان برصاص الاحتلال وهجمات للمستوطنين في الضفة
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب شاب فلسطيني برصاص الاحتلال في بلدة تقوع جنوب شرق بيت لحم، فجر السبت، في الضفة الغربية المحتلة، إثر اقتحام...

“الجهاد الإسلامي” تنعى القائد بسرايا القدس الشهيد نور البيطاوي
جنين - المركز الفلسطيني للإعلام نعت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الشهيد نور عبد الكريم البيطاوي، القائد في "كتيبة جنين" التابعة لسرايا القدس،...

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...