الإثنين 12/مايو/2025

الأقصى ومفاهيم الخلاص اليهودي

الأقصى ومفاهيم الخلاص اليهودي

في عام 1986 أصدرت صحيفة “الاتحاد” تحت إشرافي العلمي، سلسلة خاصة لنشر رسائل الماجستير والدكتوراه التي تخرجها أقسام الدراسات العبرية في الجامعات المصرية، كان الكتاب الأول في السلسلة يضم رسالة دكتوراه تحت عنوان “المسيح المخلص ومفهوم السيادة اليهودية للدكتورة منى ناظم. في الأسبوع الماضي شاركت في مناقشة رسالة جامعة تتعامل مع مفهوم الخلاص في كتب التفاسير اليهودية والتلمود مقارنة مع صورة هذا المفهوم مع حضارات الشرق الأدنى القديم وخاصة في الديانات الفارسية القديمة، للطالبة رشا محمد.
ولقد بينت الرسالة العلمية الأخيرة أن مفهوم الخلاص في التلمود وكتب التفسير يقوم على فكرتين رئيسيتين: الأولى فكرة الاختيار التي تعتبر اليهود شعب الله المختار وبالتالي، فهو الشعب الوحيد الذي اختصه الرب بالخلاص الأبدي، أما الفكرة الثانية فهي فكرة حلول الرب في عصر الخلاص بين اليهود في بيت المقدس.
لقد قسمت الزرادشتية عمر الكون وفقاً لمراحل الصراع بين ممثل الخير وممثل الشر إلى أربع دورات تاريخية، مدة كل منها ثلاثة آلاف سنة، وتتميز المرحلة الرابعة بظهور مخلص من نسل زرادشت على رأس كل ألفية منها.. كذلك أرست الزرادشتية فكرة وقوع كوارث طبيعية وحروب ضارية قبل مجيء الخلاص. وهنا بينت الرسالة الجديدة أن فقهاء التلمود قد اعتمدوا التقسيم الألفي لتاريخ العالم كما تفعل الزرادشتية، فقسموا التاريخ إلى ثلاث دورات كل منها مؤلفة من ألفي عام، كذلك حاكى التلمود فكرة وقوع الكوارث والحروب الزرادشتية وصور حرب ياجوج وماجوج (هرمجدو) على أنها أشد المصائب التي تنزل ببني إسرائيل في آخر الزمان.
لقد أوضحت الباحثة في مقدمة رسالتها أمراً يستحق الالتفات من جانب السياسيين وصناع القرار العرب والمسلمين، وهو أن الألفية الميلادية الحالية تمثل بالنسبة لأتباع الديانة اليهودية وبعض الطوائف المسيحية البروتستانتية الألفية الأخيرة من عمر الكون، ولذا فهم يتوقعون أن تشهد الألف سنة الحالية أحداث ما قبل النهاية وحروب آخر الزمان ونزول المسيح المخلص.
وهنا تنبهنا الباحثة إلى تفسير النشاط المحموم الذي نلاحظه من جانب الجماعات الدينية اليهودية المتطرفة في القدس وضد الأقصى، فتبين أن بداية الألفية الميلادية الحالية قد شهدت حالة تنبؤات حول الحروب بين الأمم والكوارث التي تحل بالعالم ووصل بعض المتنبئين إلى وضع تواريخ محددة لليوم الذي يشهد نهاية العالم.
وفي هذا الخضم من النبوءات الجديدة تم إحياء واستدعاء نبوءة قديمة تعود إلى الحاخام “جاءون فلينا”، الذي عاش في القرن الثامن عشر، وفيها يقول إن اليهود سيبدأون في بناء الهيكل الثالث فوق أنقاض المسجد الأقصى في يوم السادس عشر من مارس 2012 الذي انقضى منذ أيام.
التقارير الفلسطينية تشير إلى تصاعد محموم بالفعل في الأنشطة التي تقوم بها المنظمات الصهيونية الدينية وخاصة المنظمات التي تحمل اسم أنصار الهيكل، وهي أنشطة سبق أن كتبنا عنها هنا ونبّهنا إلى مخاطرها على المسجد الأقصى وعلى الوجود العربي في القدس.
البحث العلمي في التلمود والكتب القديمة لا يقع عندنا في باب دراسة تراث قديم من باب الرفاهية العلمية بل هو كاشف لأصول المفاهيم والسياسات والإجراءات العدائية التي يتعرض لها المسجد الأقصى بدرجات تتزايد خلال السنوات الأخيرة من جانب الاحتلال الصهيوني.
أستاذ الدراسات العبرية – جامعة عين شمس
صحيفة الاتحاد الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات