بروتوكولات هنري كيسنجر

أسئلة عدة ألحت علي إذ كنت أقرأ آخر “إبداعات” هنري كيسنجر التي أودعها مقاله في صحيفة (الواشنطن بوست – 30/3/2012)، والتي اعترض فيها على ما سماه “تحول” السياسة الخارجية الأمريكية من “التدخل الأمني” (ويقصد التدخل العسكري المستند إلى مفهوم الأمن) إلى “التدخل الإنساني”، أو ما أطلق عليه “المساعدات الإنسانية”.
أول الأسئلة هو: هل كان كيسنجر حقاً ذلك ال “داهية” الذي يصفونه، أم نحن العرب بالذات من منحه هذه الصفة ؟ وثانيها: هل كان يمكن له أن يكون ما يوصف به، لو لم يستند إلى قوة ونفوذ الولايات المتحدة الأمريكية؟ وثالثها: هل كان ممكناً أن يصل إلى ما وصل إليه في هيكل السلطة في الولايات المتحدة، لو لم يكن يهودياً ومن عتاة الصهاينة؟ وآخرها: بماذا تميز كيسنجر عن غيره ممن تولوا حقيبة السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، من أمثال جيمس بيكر، أو سايروس فانس، أو حتى جون فوستر دالس؟
لا أريد أن أتوقف طويلاً عند هذه الأسئلة لأنني أعتقد أن أجوبتها موجودة داخلها، لكنني أريد أن أشير في عجالة إلى أن أبرز “أمجاد” كيسنجر استندت إلى: وقف إطلاق النار في فيتنام، وإقامة العلاقات مع الصين، وتحقيق “فصل القوات” على الجبهتين المصرية والسورية في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 وكما هو معروف، كانت حرب فيتنام فشلاً ذريعاً لسياسة كيسنجر، إذ يعرف الجميع كيف انتهت تلك الحرب بهرب الدبلوماسيين الأمريكيين بالمروحيات التي هبطت على سطح السفارة في سايغون.
أما العلاقات مع الصين، فالأخيرة هي التي أرادت وسعت إليها لأهداف تخصها. ويقال إن الفضل في إقامتها كان للرئيس نيكسون وليس لكيسنجر. وأما “فصل القوات” على جبهتي سيناء والجولان، فكان الفضل فيه لأنور السادات ألذي أعطى أمريكا 9.99% من أوراق اللعبة. بمعنى آخر، “أمجاد” كيسنجر كلها قامت على الملح.
وبوصفه أحد سماسرة وتجار الحروب الكبار، من الطبيعي أن يزعج كيسنجر ما رآه “تراجعاً” عن قواعد السياسة الخارجية للولايات المتحدة التي عرفها، القائمة على التدخل العسكري وسياسات الحرب والتهديد بها، لو كان ذلك صحيحاً. لكن أن يرى في تغيير بعض من “التكتيكات” تحولاً إلى “الإنسانية”، فهذا محض هراء وتضليل مكشوف لا يحتاج المرء إلى “دهاء” كيسنجر وعبقريته حتى يكتشفهما. ومن السهل ملاحظة أن هذا “التحول” إلى ما سماه “المساعدات الإنسانية” إنما جاء تحت الإكراه وضغط الظروف التي تمر بها الولايات المتحدة من جهة، ومن باب الخداع والتضليل من جهة أخرى، لكنه بالتأكيد لا يقيم دليلاً على نية صانعي السياسة الأمريكية الحاليين بالتراجع عن سياساتهم القديمة.
ومن الطريف حقاً أن يرى كيسنجر أمريكا، زعيمة الإمبريالية العالمية، تتحول إلى “الإنسانية” وهي الدولة صاحبة أبشع سجل في موضوع حقوق الإنسان، إذ تأسست على إبادة ملايين الهنود الحمر من سكان القارة الأصليين، وفي عصر وصلت فيه الرأسمالية “النيوليبرالية” إلى مستوى غير مسبوق من التوحش واللاإنسانية.
إن العالم لم يفقد ذاكرته بعد، وهو لا يزال يتذكر أنه منذ تسلمت الولايات المتحدة دفة العالم الرأسمالي بعد الحرب العالمية الثانية التي أنهتها الولايات المتحدة بإلقاء أول قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي، ظلت تقود العالم من حرب إلى حرب، في سلسلة من الحروب المتنقلة من كوريا إلى فيتنام، ومن أفغانستان إلى العراق، وما بين ذلك من المؤامرات وتدبير الانقلابات العسكرية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتنية، ودون أن نشير إلى دورها في خلق وحماية ودعم الكيان الصهيوني في فلسطين، والتآمر على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وكل البلدان العربية.
وفي مقاله المشار إليه، يكشف كيسنجر عن وجهه الحقيقي، اليهودي الصهيوني، عندما يشرح لماذا يحمل على السياسة الخارجية الحالية للولايات المتحدة التي يرى أنها يجب أن تحافظ على قواعدها القديمة، مذكراً أن السياسة الأمريكية في “الشرق الأوسط” قامت على ثلاث قواعد:
– منع أي قوة ناشئة في المنطقة من الصعود.
– ضمان التدفق الحر للبترول إلى الولايات المتحدة والأسواق الغربية.
– التوصل إلى سلام دائم بين “إسرائيل” وجيرانها العرب (وبالطبع وفقاً للشروط الإسرائيلية)، وتسوية (يقصد تصفية) القضية الفلسطينية.
الخوف على “إسرائيل”، وموقف أمريكا منها، هما ما يؤرق كيسنجر، ومن أجلها يريد أن تتمسك السياسة الأمريكية بالقواعد التي قامت عليها. وهو يبشر الجميع بأن “التدخل الإنساني في الثورات العربية” في الظروف الإقليمية الراهنة أمر مستحسن، لكنه لن يدوم طويلاً “ما لم يرتبط بالأمن القومي الأمريكي”. بعبارة أخرى، إما أن تكون “الثورات العربية” في خدمة الأمن القومي الأمريكي، الذي لا ينفصل عن “أمن إسرائيل”، وخدمة المصالح الأمريكية و”إسرائيل” أول المصالح، وإلا فالقضاء عليها أمر واجب على الولايات المتحدة أن تتكفل به.
وكان سبق لكيسنجر، في تصريحات سابقة لصحيفة (ديلي سكيب – 6/2/2012)، أن بشر العالم بقرب الحرب العالمية الثالثة التي سيكون طرفاها أمريكا وأوروبا من جهة، وروسيا والصين وإيران من جهة أخرى. وبثقة لا يملكها إلا كيسنجر، يضيف: ستنتهي هذه الحرب بانتصار الولايات المتحدة و”من ركام الحرب سيتم بناء قوة عظمى وحيدة قوية، هي الحكومة العالمية التي تسيطر على العالم.. وسيكون نصف العالم قد أصبح إسرائيلياً”!
سؤال: هل يقع هذا في نطاق “التفكير الاستراتيجي”، أو هو بروتوكول يضاف إلى “بروتوكولات حكماء صهيون”؟
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...