صعود شاؤول موفاز وتشريح كاديما

انتهى الفصل الأول من المعركة الداخلية في حزب كاديما (بالعبرية: إلى الأمام)، بعد حروب إقصاء داخلية بين زعامات ورؤوس هذا الحزب «الإسرائيلي» الحديث العهد في الخريطة السياسية. فقد كان حزب كاديما قد ظهر إلى الوجود قبل نحو سبع سنوات بفعل عملية انشقاقية داخل حزب الليكود قادها الجنرال آرييل شارون عام 2005م.
كاديما من الليكود… ومن حيروت
حزب كاديما، لم يضف شيئاً جديداً للخريطة الفكرية الأيديولوجية والسياسية داخل مكونات المجتمع الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة عام 1948 وفي مناطق المستعمرات المقامة فوق الأرض المحتلة عام 1967، بمقدار ما جاء تنفيساً وخلاصاً لحزب الليكود (الحزب الأم) من مشاكل واستعصاءات وصراعات كُتل بين الرؤوس القيادية الحامية والمتنفذة فيه، كانت قد اعتملت واستعرت على امتداد السنوات التي سبقت حدوث الانشقاق داخله.
وفي انشقاقه عن الليكود عام 2005 بقيادة الجنرال آرييل شارون، شكّل حزب كاديما لوناً جديداً من ألوان اليمين العقائدي القومي الصهيوني دون إضافات فكرية أو سياسية، مجدداً توجهات وسياسات عتاة اليمين في الدولة العبرية الذين تناسلوا تاريخياً من داخل حزب عتيق وقديم في «إسرائيل» هو حزب (حيروت) أو (الحرية) الذي انتهى به المطاف تحت عنوان حزب الليكود. فمدرسة (حيروت) ضمت تاريخياً أبرز الشخصيات المتطرفة في تاريخ «إسرائيل» ولعل مناحم بيغن واسحق شامير ورفائيل ايتان (الجنرال رفول) وموشي أرينز.. الخ، بعض من تلك الشخصيات المعروفة جيداً للقاصي والداني في فلسطين والمنطقة العربية.
ويذكر أن حزب كاديما، فاز في الانتخابات الماضية للكنيست الثامنة عشرة التي جرت في عام 2009 فوزاً لا بأس به بحصوله على عدد من المقاعد البرلمانية أكثر بقليل من تلك التي فاز بها حزب الليكود بزعامة نتانياهو، لكن تسيبي ليفني زعيمة الحزب فشلت في استقطاب أي من الكتل البرلمانية، وبالتالي فشلت في تشكيل حكومة ائتلافية، بينما نجح حزب الليكود بقيادة بنيامين نتانياهو في إقامة تحالف ناجح مع أحزب قومية صهيونية يمينية وحتى مع حزب العمل المحسوب على «اليسار الصهيوني» ومع أحزاب دينية لتشكيل حكومة ائتلافية مازالت إلى الآن تقود الحياة السياسية داخل «إسرائيل» وهو ما أدى في انعكاساته السلبية لتراجع دور وحضور حزب كاديما كما دلت بشكل مستمر استطلاعات الرأي المتواترة من حين لآخر داخل «إسرائيل»، ومنها الاستطلاع الأخير الذي نشر نتائجه قبل أيام خلت عدد من الصحف العبرية، وفيه يتوقع لحزب كاديما الحصول على (14) مقعداً من مقاعد الكنيست في الانتخابات القادمة للكنيست التاسعة عشرة، بينما فاز في الانتخابات الماضية بـ (28) مقعداً في هبوط مؤثر وصل إلى نصف المقاعد.
وبالطبع، فان مؤشرات القياس تعبر في حقيقتها عن انعكاسات الأزمات الداخلية التي بدأ يعيشها حزب كاديما منذ سنوات خلت، وتحديداً بعد الموت الدماغي للجنرال شارون، وهي أزمة لا تتمحور حول برنامج فكري أو رؤية سياسية بمقدار ما تتمحور على خلفيات الصراع التنظيمي والتنافس غير المبدئي الجاري عموماً في الحياة السياسية والحزبية «الإسرائيلية» حتى وإن تلحفت تلك الصراعات بثوب سياسي أو بقميص فكري، وعلى ضوء تلك التقديرات تحدث البعض من المتابعين داخل «إسرائيل» عن حزب كاديما باعتباره حزب مركز فلا يمين ولا يسار ولا رأسمالية ولا اشتراكية، معتبرين أن الحزب تحول بالفعل إلى حزب لا طعم له ولا رائحة، لا يُلفظ ولا يُبتلع. وهو يصاب بالبكم في الموضوعات الجوهرية، أو تجد أعضاءه يتشاجرون من غير قدرة على صياغة موقف موحد على حد تعبير إحدى الصحف العبرية مؤخراً.
كاديما الجديد بقيادة موفاز
وقبل أيام قليلة، جرت انتخابات المركز في حزب كاديما لانتخاب رئيس جديد للحزب من بين ثلاثة متنافسين بينما انسحب المتنافس الرابع مائير شطريت من الحلبة، على موقع رئاسة الحزب. فهناك رئيسة الحزب تسيبي ليفني وهي تتربع موقع الطامح لتجديد قيادتها للحزب. وهناك المتنافس الثاني الجنرال الفاشي المتطرف اليهودي الإيراني الأصل شاؤول موفاز رئيس الأركان السابق، المتخم بالفساد وحامل نزوات السلطة، والمستند لماضيه العسكري الممتد لنحو أربعين عاماً في «الجيش الإسرائيلي» الذي أصبح رئيساً لأركانه ووزيراً للحرب بعد ذلك.
أما المتنافس الثالث فهو رئيس المخابرات الداخلية أو ما يطلق عليه بـ (الشين بيت) أو جهاز (الشاباك) الجنرال آفي دختر صاحب التاريخ الدموي، وحامل المواقف السياسية الأقرب لليمين العقائدي في حزب الليكود كسابقه الجنرال شاؤول موفاز.
وبالاقتراع المباشر لقاعدة كاديما، صعد الجنرال اليهودي (الإيراني الأصل) شاؤول موفاز إلى موقع رئاسة الحزب، وهزمت أمامه وزيرة الخارجية السابقة وخريجة مدرسة الموساد (الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية) تسيبي ليفني، فيما ضاع المتنافس الثالث بينهما ولم يستطع الحصول على نسبة محترمة من أصوات ناخبي القاعدة التنظيمية لحزب كاديما.
النتيجة، كانت متوقعة بحدود جيدة، فقد سجل شاؤول موفاز فوزاً ساحقاً وغير مسبوق في الانتخابات الداخلية التي جرت يوم الثلاثاء الماضي الواقع في السابع والعشرين من مارس الجاري 2012 مقصياً بذلك تسيبي ليفني ومهدداً بنفيها خارج الحياة السياسية «الإسرائيلية»، حيث بدا الفارق كبيراً بين موفاز وتسيبي ليفني، بفارق أكثر من (20%) فقد حصل موفاز على نسبة (617%) من أصوات ناخبي القاعدة التنظيمية لحزب كاديما، فيما حصلت تسيبي ليفني على نسبة (372%) من أصوات الناخبين، وذلك في الانتخابات الداخلية التي شارك بها بحدود (95) ألفاً من أعضاء الحزب. وبصعود موفاز لرئاسة كاديما يكون العسكر في «إسرائيل» قد حققوا نصراً مؤزراً على الساسة، معززين معسكر اليمين واليمين الوسط «الإسرائيلي».
لقد تسلح موفاز في معركته الداخلية بتاريخه العسكري، كما تسلح في رفع شعاراته الاجتماعية، مدغدغاً مشاعر القاعدة الشبابية العريضة لحزب كاديما، التي ترى أن الهم الأساسي والرئيسي يمثل بالهم الاجتماعي والاقتصادي وليس الهم السياسي أو حتى الأمني.
وبالفعل، فقد توجه الجنرال موفاز إلى مناطق الوجع عند القاعدة العريضة لحزب كاديما معلناً أن «إسرائيل دولة قوية بكل معنى الكلمة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالمجال المدني والاجتماعي فنحن دولة ضعيفة». معلناً «أن إسرائيل يوجد بها ثغرات اقتصادية واجتماعية كبيرة، وحان الوقت لقيادة كفاح اجتماعي». ومضيفاً «سأُغير الوضع وسيأتي الأمل. وأنا ألتزم بأن يستطيع كل شاب في إسرائيل أن يجد سكناً في متناول اليد بأقل من مليون شيكل، وسأخفض سعر الأرض إلى صفر، وأهتم بالطبقة الوسطى وبالطبقات الضعيفة وبالشباب».
وفي تقييم نتائج العملية الانتخابية لرئاسة حزب كاديما وصعود موفاز، يمكن القول بأن شاؤول موفاز ابتلع تسيبي ليفني في لعبة دهاء داخلية، وقد حاد بصحفي «إسرائيلي» لتقديم قصة واقعية وطريفة عن العلاقات بين ليفني وموفاز، فالعلاقات بين الاثنين ذكرته بقصة عن شركتين «إسرائيليتين» تنافستا في بيع سلعة ما لسنغافورة. وكان تبادل القذف بينهما مفرطاً جداً حتى أن المشتري في سنغافورة صدقهما معاً واشترى المنتج من فرنسا.
كما أن التقديرات تقول بأن الوزيرة السابقة تسيبي ليفني حصدت ما زرعته يداها، فلم تنجح في قيادة حزب كاديما في لجة الحياة الحزبية «الإسرائيلية» وتقلباتها وتحالفاتها المتحولة كل يوم. كما لم تستطع أن تقود حزب كاديما الذي كان ومازال في موقع المعارضة لائتلاف حكومة نتانياهو وحزبها الأول حزب الليكود المتحالف مع قوى اليمين واليمين المتطرف داخل الكنيست «الإسرائيلي». فقد فشلت تسيبي ليفني في إظهار دور المعارضة القوية لنتانياهو وفي تشكيل البديل له، مقابل نجاح شاؤول موفاز في مواجهة ربابنة السياسة والأمن والمال في أكثر من مناسبة بصفته رئيساً للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست «الإسرائيلي» وهي اللجنة المعنية باتخاذ القرارات الاستراتيجية المتعلقة بأفق كل مرحلة.
المرحلة التالية
لقد غاب الشأن السياسي العام المتعلق بالعملية السياسية مع العرب ومع الطرف الفلسطيني، وحتى الملف النووي الإيراني، عن الانتخابات الداخلية لرئاسة حزب كاديما، غياباً ملحوظاً، فلم تحظ الدعاية الانتخابية بين المتنافسين على رئاسة الحزب باهتمام في العناوين السياسية إلا بحدود معينة لا تتعدى الحديث العام، حيث خاض شاؤول موفاز معركته على قاعدة من يعرف من أين (تُؤكل الكتف)، أي من إبراز الشأن الداخلي المتعلق بالمواضيع الاقتصادية والاجتماعية والرفاه وهموم الشباب.
وفي التوقعات المقبلة في جانبها السياسي، فلن يكون هناك جديد بالنسبة للملف التفاوضي بين الطرف الرسمي الفلسطيني والطرف «الإسرائيلي» حيث يتوقع أن يعيد موفاز إنتاج السياسة ذاتها، حين قال في تصريحاته بعيد فوزه برئاسة الحزب «إنه مع تسوية تقوم معها دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع “إسرائيل”، لكن فقط على أراضي قطاع غزة و على مساحات لا تتعدى (65%) من أراضي الضفة الغربية مع استثناء القدس الكبرى بالكامل التي تساوي مساحتها ربع مساحة الضفة الغربية، وبدون إزالة أي مستعمرات «إسرائيلية» مقامة فوق أراضي الضفة الغربية.
وعليه، علينا ألا نتوقع جديداً في خط وسياسة كاديما، بل يتوقع لنا أن نرى إنتاجاً للسياسة ذاتها.
صحيفة الوطن القطرية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

إصابة مواطنين برصاص الاحتلال في بنت جبيل جنوبي لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب شخصان برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، في بلدة مارون الراس الحدودية، قضاء بنت جبيل، جنوب لبنان....

حماس: الموقف العربي من حرب التجويع والإبادة لا يرقى لمستوى الجريمة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام شددت حركة "حماس" على أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي ترتكب جريمة حرب مركبة في غزة، باستخدامها التجويع سلاحا ضد...

السلطة تقطع رواتب عدد كبير من الأسرى في سجون الاحتلال
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام أقدمت السلطة على قطع رواتب عدد من الأسرى والأسيرات، والمحررين والمحررات، في خطوة أثارت استياء واسعًا في...

الأورومتوسطي: إسرائيل تقتل امرأة فلسطينية كل ساعة في قطاع غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل بالقصف المباشر على قطاع غزة ما معدله 21.3 امرأة...

الصحة تحذر من تسارع مؤشر النقص الحاد في الأرصدة الدوائية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت وزارة الصحة من أن مؤشر النقص الحاد في الأرصدة الدوائية في "تسارع خطير"، فميا أفادت بأن مستشفيات القطاع استقبلت...

الأونروا تحذر من ضرر غير قابل للإصلاح مع إطالة أمد الحصار الإسرائيلي
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، من أن إطالة سلطات الاحتلال الإسرائيلي منع إدخال المساعدات إلى...

السفير الأمريكي في إسرائيل يجدد دعم واشنطن لتهجير الفلسطينيين من غزة
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام جدد السفير الأمريكي لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي مايك هاكابي، دعم واشنطن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، رغم...