عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

يوم الأرض والقدس في مناخ الربيع العربي!

يوم الأرض والقدس في مناخ الربيع العربي!

في «يوم الأرض»، والذي جُعِلَ يوماً لـ «القدس» أيضاً، شَرَعْنا نرى «الربيع العربي»، والذي هو، في أساسه، «اخضرارٌ ديمقراطي»، يُخْرِج بعضاً من «براعمه القومية»، ولقد كان أمْراً طبيعياً وحتمياً أنْ تكون «فلسطين» أوَّل تلك «البراعم»، فهي في ذلك «الأساس» كَمَنَت، وهي التي منها يَسْتَمِدُّ «الشعور القومي العربي» جُلَّ طاقته، وهي التي تُسلِّح «الانتماء القومي العربي» بما يُمكِّنه من التغلُّب على كل انتماء دونه، يُمزِّق، ويُمْعِن في تمزيق، الجسد القومي لأُمَّةٍ أراد لها أعداؤها، وبعضهم مِمَّن يتسربل بالعداء اللفظي لعدوِّنا القومي الأوَّل، وهو “إسرائيل”، أنْ تظلَّ مهزومة، وهي التي لا ينقصها لتنتصر إلاَّ شيء واحد هو أنْ «تجرؤ على الانتصار».
وإذا كان من دَرْسٍ يمكننا، وينبغي لنا، استخلاصه من تجارب الحراك الشعبي العربي، أكان من أجل «حقٍّ قومي»، أم من أجل «حقٍّ ديمقراطي»، فهذا الدرس إنَّما هو، في أحد نصفيه، أنَّ إبداء وممارسة العداء الشعبي يستثيران، ولا بدَّ لهما من أنْ يستثيرا، صراعاً بين الشعوب وحُكَّامها، الذين لم يَعْرِفوا من أساليب «المواجهة» لهذا العدوِّ القومي، الصريح والناجح في عدائه لنا، إلاَّ أسلوبيِّ «الامتناع» و«المَنْع»، فهُم تارةً «ممتنعون» عن مواجهته، وطوراً «مانعون» لشعوبهم من أنْ تتولَّى عنهم المواجهة، وفي هذا يكمن المعنى الحقيقي لـ «الممانعة»!
وفي النِّصف الآخر من الدرس نفسه، نَعْلَم، ونتعلَّم، أنَّ “إسرائيل” هي العدو (المستتر تارةً، والظاهر طوراً) لكل حراك شعبي عربي من أجل الحرِّية والديمقراطية، يتَّسِع ويتعمَّق ويتأصَّل، فما أنْ تُحْدِق المخاطِر الشعبية بنظام حكم دكتاتوري، في دولة عربية ذات تأثير (موضوعي) قوي بالأمن الإستراتيجي ل”إسرائيل”، حتى يشرع هذا العدوِّ القومي للعرب يَنْشَط ويَعْمَل، في السرِّ والعلَن، ضدَّ هذا الحراك، الذي لن يكون، أو يظلَّ، بمنأى عن عداءٍ إقليمي ودولي فعليٍّ له، تقوده الولايات المتحدة، التي لا تَفْهَم الحقوق والمطالب الديمقراطية لشعوبنا إلاَّ إذا تُرْجِمت (سياسياً واقتصادياً..) بما يخدم مصالحها وأهدافها الإمبريالية في كل بلدٍ عربيٍّ باغتها فيه حراك شعبي (ديمقراطي) عفوي من حيث المبدأ والأساس.
“إسرائيل” لا تُفاضِل أبداً بين شعب عربي حُرٍّ وديمقراطي وبين نظام حكم (عربي) دكتاتوري، لأنَّ الأمر الأوَّل هو الأسوأ لها، وإنْ استعصى عليها، أخلاقياً، الجهر بموقفها هذا، لكنَّها، وعلى ما نرى من «الحقائق» المتسرِّبة من مواقفها المُعْلَنة، والمشترَكة مع الولايات المتحدة، ومع قوى أخرى، تُفاَضِل، أو يمكن أنْ تُفاضِل، بين بقاء نظام الحكم الدكتاتوري في دولةٍ عربيةٍ (يهمها أمْرها) وبين انهيار هذه الدولة نفسها، أيْ تمزُّقها وتفتُّتها، واقتتال مواطنيها بما يعود بالنَّفع الإستراتيجي على الدولة اليهودية نفسها، وكأنَّ غاية “إسرائيل” (والتي لا تختلف كثيراً، أو من حيث الجوهر والأساس، عن غاية الولايات المتحدة) هي أنْ تُبْذَل (وتُنسَّق) الجهود والمساعي الدولية (والإقليمية) لـ «نُصْرة الربيع العربي»، في الظَّاهِر، بما يقي أنظمة الحكم الدكتاتورية العربية شرَّ السقوط، فإذا تعذَّر هذا، واستعصى، وُجِّهَت الجهود والمساعي نفسها بما يَجْعَل سقوط «الدكتاتور» طريقاً إلى تدمير «الدولة»، وتمزيق «الوطن»، واقتتال «الشعب».
ولقد جاءت تجربة «الربيع العربي» لتقيم الدليل على أنَّ الولايات المتحدة لم تتحدَّث، من قَبْل، عن أهمية وضرورة «الإصلاح (الديمقراطي والسياسي)» في الدول العربية، أو في بعضها، إلاَّ لتَجْعَل شعوبنا، بعد «الربيع العربي»، أكثر اقتناعاً وإيماناً بعدم تصديق هذا «المنافِق الأعظم» في دعوته إلى ذاك «الإصلاح»، الذي لم ينادِ به إلاَّ لغاية من اثنتين: الابتزاز السياسي لأنظمة الحكم الدكتاتورية العربية، فتَجْنَح لمزيدٍ من الاستخزاء لمشيئة الولايات المتحدة و”إسرائيل”، أو حَمْل أنظمة الحكم نفسها على إشراك قوى وجماعات ليبرالية (تَسْتَصْلِحها مصالح وأهداف الولايات المتحدة) في ممارسة الحكم والسلطة.
وهذا «النِّفاق (الديمقراطي والإصلاحي)»، الذي اتَّضح وتأكَّد عَبْر المواقف الفعلية للولايات المتحدة من «الربيع العربي»، هو، بحدِّ ذاته، خير دليل على أنَّ انتزاع الشعوب العربية لحرِّيتها السياسية، ونَيْلِها لحقوقها الديمقراطية كاملةً، هما أمْران يَعْدِلان، لجهة نتائجهما وعواقبهما، «اعتداءً»، لا أخْطَر منه «اعتداء»، على المصالح والأهداف الإمبريالية للولايات المتحدة في العالَم العربي، وعلى “إسرائيل”، التي لا أغالي إذا قُلْت إنَّ مَنْع الديمقراطية، عربياً، هو ما يَمْنَح الدولة اليهودية هذا «التفوُّق الإستراتيجي»، وإنَّ هذا القهر السياسي للشعوب العربية هو ما يُكْسِب الجيش الإسرائيلي صفة «الجيش الذي لا يُقْهَر».
لقد كانت «فلسطين»، ولجهة ما كشفته من «عورات قومية» لأنظمة الحكم العربية، هي «النابِض الخفي» لـ «الربيع (الشعبي الثوري الديمقراطي) العربي»، الذي يتحدَّى شعوبنا الآن أنْ تُزاوِج، وأنْ تعرف كيف تُزاوِج، بين «الحق الديمقراطي» و«الحق القومي»، فلا «ديمقراطية» إذا كان ثمنها «التفريط في الحقِّ القومي»، ولا «قومية» إذا كان ثمنها «التفريط في الحق الديمقراطي»، والآن، يَثْبُت ويتأكَّد أنَّ حاكِماً عربياً يستعبد شعبه هو ما يجعل الصراع القومي والتاريخي بيننا وبين إسرائيل، صراعاً «حقيقياً» تخوضه “إسرائيل” ضدَّنا، وصراعاً «زائفاً» نخوضه ضدَّها، فكيف لصراعٍ بهذا التناقض الواقعي (والمنافي للعقل والمنطق في الوقت عينه) ألاَّ يأتي بهذا «الانفجار التاريخي»، المسمَّى «الربيع العربي»، الذي شرع يُرينا براعمه القومية؟!
صحيفة الوطن القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات