الإثنين 12/مايو/2025

لا أريد يوم الأرض

لا أريد يوم الأرض

لسان حال الفلسطيني الفطري، الغلبان وابن القرى والأرياف والمراعي يقول: “لا أريد يوم الأرض.. أريد الأرض”.
لسان حال شعبي تماماً، غير مسيّس تماماً. لسان برّي وتلقائي ليس له علاقة بالأيديولوجيا والأحزاب، ولا بالمؤسسات، خصوصاً تلك المؤسسات المبنية على نُظُم ونظام.. لسان فصيح يقول بلا أخطاء لغوية، وبلا بلاغة لغوية: “.. لا نريد يوم الأرض.. نريد الأرض”.
سياسيون كبار، ومثقفون كبار أيضاً، اختزلوا، من دون أن يدروا أو هم على دراية، الأرض الفلسطينية إلى يوم في العام.
30 آذار من كل عام تستيقظ النخوة السياسية، وتزهر في أوراق العام ورقة فلسطينية خضراء. في هذا اليوم الكل يريد تحرير القدس والعودة إلى الأرض المغتصبة، والاغتصاب ما زال جارياً على الأرض. النكسة أصبحت عشر نكسات، والاحتلال أصبح عشرة احتلالات، ويوم الأرض ما زال يوم الأرض.
في هذا اليوم الفلسطيني، تصبح الأرض خزانة جميلة تُعلّق فيها ثياب الشهداء، وينحو الخطباء إلى اللغة الشعرية، ويخرج الحزبي والسياسي والمنظر الأيديولوجي ليقول: ما زلنا على قيد الحياة، ما دامت الأرض على قيد الموت..
لذلك كله، يقول فقراء الأرض والمزارعون والفلاحون، يقول أولئك الهامشيون الذين لا يرتدون على جلودهم سوى بعض الثياب المبللة بالدم والدموع: لا نريد يوماً واحداً للأرض.. نريد كل الأيام.
فلسطين في يوم الأرض منبر كلام. الكوفية المرقّطة بالأبيض والأسود تتدلى فوق ربطة العنق، وفوق المعطف الطويل. رجل السياسة ورجل الدين ورجل السلطة ورجل الحرب ورجل الثورة ورجل الثورة التي ضد الثورة، ورجل الاستبداد، والرجل الذي يقتل العباد، والرجل الجالس في حديقة الياسمين، والرجل الجالس في الرماد.. كل هؤلاء يتناولون “فلسطين” في الصباح المبكر مع القهوة المبكرة.
لا نريد يوماً لفلسطين.. نريد لها كل الأيام
فلسطين في يوم الأرض ورقة سياسية احتفالية نظيفة في شارع يخلو من المارة. احتفالية انضباطية تماماً، موزونة تماماً. وبعيدة كلياً على الربيع العربي، هذا الربيع المزعج، الذي يمكن إسكاته بصوت مرتفع يحكي عن الأرض في يوم الأرض.
الفلسطيني الذي بلا ربيع، الذي أمضى عمره في الخريف الطويل، المولود من برتقالة وعلى رأسه تاج من الزيتون والزعتر، يقول بلسان فلاحي  بسيط: اتركوا الأرض لشعب الأرض، ومن يُزاود على قضية وطن، عليه أولاً أن يحنو على وطنه.
[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات