الأحد 11/مايو/2025

فلسطين والمفصل التاريخي

فلسطين والمفصل التاريخي

قامت القوات الصهيونية قبل أيام بالاعتداء على قطاع غزة وأوقعت غاراتها الجوية 25 شهيداً وعشرات الجرحى معظمهم من المدنيين، من بينهم 25 فرداً من أسرة واحدة سقط البيت فوق رؤوسهم، كما أدت الغارات الجوية إلى تدمير عدد من المنازل الأخرى.
ووقع هذا العدوان ضمن مسلسل من الاعتداءات التي تقوم بها دولة الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني منذ اغتصابها أرض فلسطين، تخللتها مجازر شنيعة داخل فلسطين وخارجها، وتدمير الممتلكات وسرقتها، واعتقال عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والمسؤولين الفلسطينيين من حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية، واستخدام أسلحة محرمة دولياً، وحصار المدن والقرى، ومنع دخول المواد الغذائية للأطفال، كما بنت جداراً اتفق على تسميته ب”جدار الفصل العنصري”، قضم أراضي فلسطينية تقع ضمن الأراضي التي حددتها اتفاقيات أوسلو بحيث تكون ضمن الدولة الفلسطينية المزمع إنشاؤها.
ومنذ احتلال فلسطين، أصدر مجلس الأمن قرارات تنص على انسحاب الجيش الصهيوني العنصري من الأراضي الفلسطينية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هُجّروا منها.
تلك وقائع وأحداث وقرارات معروفة للجميع، لكن ردة فعل المجتمع الدولي كانت باردة ومتآمرة وتتسم بالميوعة، بينما كان يستشيط المجتمع الدولي غضباً ويحشد جيوشاً ضخمة ويستخدم سلاحاً فتاكاً ليطبق قرارات مجلس الأمن بالقوة المطلقة، حدث هذا في لبنان في العام 2006، وفي الكويت والعراق في العام 2003، وفي ليبيا في العام 2011، وفي جنوب السودان في العام الماضي، وفي إيران منذ نشب الخلاف على برنامجها النووي، والآن يسعون إلى إصدار قرار بشأن سوريا لتطبيقه فوراً، على الرغم من التصريحات التي توحي بصعوبة التدخل العسكري المباشر في سوريا.
الجامعة العربية وهي الأقرب إلى فلسطين، كانت ردود أفعالها مشينة ولم تتجاوز البيانات والإدانات والشجب والاستنكار، ما أوحى إلى الكيان الصهيوني أن الجامعة ليست جادة في التعاطي مع القضية الفلسطينية بشكل حاسم.
في المقابل، تعاونت الجامعة العربية مع مجلس الأمن في سابقة تاريخية في الموضوع الليبي، والآن تتعامل معه في الموضوع السوري، ولكنها فشلت في إصدار أي قرار حتى الآن نظراً لحسابات دولية وتوازنات استراتيجية تتعامل معها الدول الكبرى بحذر شديد، وهذا يعني أن ثقل الجامعة العربية في مجلس الأمن وعلى الساحة الدولية ضعيف جداً إلى درجة الخيبة والهزيمة، وقراراتها تزيد من التشرذم العربي ومضاعفة الصدع في الجسد القومي، حتى بات المراقب يتساءل عن الطريقة التي تُتّخذ فيها القرارات ونواياها ومستوى الدور العربي فيها، وهو أمر يتحسسه كل من لديه إلمام بسيط في السياسة والمتابعة الإخبارية وتحليل الأحداث.
ولو تعاملنا مع الأحدث في إطار حداثتها، ونظرنا إلى الاعتداء الصهيوني الأخير على قطاع غزة، في ظل ما يحدث في بعض الدول العربية، والقرارات التي اتخذت، والتي في طريقها إلى الإقرار لوجدنا ما يلي:
* أولاً: التزمت الأمم المتحدة ومجلس الأمن والجامعة العربية ومنظمات حقوق الإنسان الصمت المطبق ولم تحرك ساكناً.
* ثانياً: التزمت تركيا الصمت، بينما تنشط في الموضوع السوري ونشطت في الموضوع الليبي والمصري والتونسي.
* ثالثاً: لم تستغل الجامعة العربية الظرف للمطالبة (ولو شفوياً ومن باب إعلان المواقف)، بإقامة منطقة حظر جوي فوق قطاع غزة، وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، لم يطالب أحد في السابق إنشاء ممرات إنسانية لتوصيل المساعدات لأطفال غزة أو جنين وغيرهما، بل إن تركيا التي أرسلت سفناً لكسر الحصار عن غزة وباءت محاولتها بالفشل وتكبدت نحو عشرة قتلى أتراك، لم تستجب لها حكومة الكيان الصهيوني باعتذار واحد أو بتعويض عن الضحايا.
رابعاً: لم تقم الدول العربية التي تربطها معاهدات مع الكيان الصهيوني بسحب سفرائها المعتمدين لدى دولة الكيان (وظلت أعلام دولة الكيان ترفرف في تلك العواصم على الرغم مما يطلق عليه بالثورات).
الشعب الفلسطيني لا يعيش تحت مطرقة حاكم مستبد يقتل شعبه، وإنما يعيش تحت احتلال استعماري استيطاني عنصري (رغم وجود سلطة هي في الواقع ليس لها سيادة على أرضها)، ويقوم هذا الاحتلال بممارسة أنواع شتى من القمع والقتل وارتكاب المجازر بشكل شبه يومي بحق الفلسطينيين، بدعم من أوروبا والولايات المتحدة ودول آسيوية، وهو أحق من أي شعب آخر في نيل حريته وبناء دولته على أرضه واختيار ممثليه وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، ووفقاً للمعاهدات المبرمة بين السلطة والكيان الذي يتملص يومياً من هذه الاتفاقيات، ويصر على العودة إلى الصفر عند كل استحقاق لتنفيذها.
الشعب الفلسطيني منقسم على ذاته، هذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان، لكن حتى هذا الانقسام هو بفعل انقسام المجتمع الدولي والعربي، ولو استبعدنا هذا الأثر والعامل، فإن هذا الانقسام ليس سبباً في تجاهل هذا الشعب على مدى 63 عاماً، يعاني فيها التشرد والحرمان والجهل والفقر، بل إن تضييق الخناق عليه يجبره على الهجرة إلى أمريكا وأوروبا بحثاً عن إنسانيته، وهرباً من ظلم ذوي القربى ومنظمات حقوق الإنسان التي تطلق قراراتها وفق المصالح السياسية.
أما آن لهذا الشعب أن يترجّل عن مقصلته في ظل ازدهار المطالبة بالديمقراطية وتطبيق القرارات الدولية وحماية المدنيين؟ أما آن للمجتمع الدولي أن يتأثر ولو قليلاً بهذه المأساة التي تضع كل المبادئ والقيم الإنسانية والقوانين الدولية على المحك وفي اختبار تاريخي وإنساني؟
هذه أسئلة موجهة إلى الجامعة العربية والفلسطينيين والمجتمع الدولي وكل جهة تدعي أنها حامية لحقوق الإنسان في العالم، وهذه الأسئلة لا تنطلق من موقع الاستعطاف أو التسوّل وإنما من موقع الحق الظاهر والمؤكد والمدعوم بالقوانين والقرارات، وطرحها يأتي في لحظة مفصلية تاريخية يعيشها العالم كله، فهل من أحد يدعيّ بالعدل ويؤمن بالحرية والمساواة يجرؤ على تقديم إجابة شافية؟
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات