الأحد 11/مايو/2025

حروب تُغطي بعضها

حروب تُغطي بعضها

يجزم أوري أفنيري في مقالة نشرت في “هآرتس” مؤخراً، بأن كل ما يقال الآن عن هجوم محتمل على إيران من واشنطن وتل أبيب أو من إحداهما هو مجرد كلام بلا أي رصيد واقعي. ويضيف أن الدولة الصهيونية لم تشن حرباً واحدة خلال ستة وستين عاماً من دون موافقة واشنطن، باستثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، لكنها دفعت الثمن على الفور، حين سلبها أيزنهاور كل إنجازات النصر حتى آخر مليمتر كما يقول.
واستبعاد أفنيري للحرب على إيران له حيثيات عسكرية وأخرى سياسية، فهو يرى أن إغلاق مضيق هرمز يمكن أن يتم خلال الدقائق الأولى من الحرب. وإذا أرادت واشنطن أو تل أبيب أو كلاهما إبعاد ناقلات الطائرات عن مدى الصواريخ فإن ذلك يتطلب احتلال أجزاء كبرى من إيران.
أما الحيثية الجغرافية فهي مستمدة من مقولة شهيرة لنابليون وهي إذا أردت أن تفهم سياسة بلد ما، فانظر إلى خريطته. فالجغرافيا ليست معزولة عن السياسة والتاريخ أيضاً، وإغلاق هرمز معناه ببساطة أن أربعين في المئة من نفط العالم الذي يمر من هذا المضيق سيتوقف، وسوف ترتفع أسعار النفط عدة أضعاف مما يلحق دماراً بالاقتصادين العالمي والأمريكي.
ولأن أفنيري معارض راديكالي لحكومة اليمين في تل أبيب منذ كان يرأس تحرير صحيفة “هماعلام هازيه” فهو يختزن في ذاكرته شكوكاً لا آخر لها بما يصدر عن نتنياهو، فهو الذي قال ذات يوم إن هذا اليميني المتطرف يستثمر أي حدث صاخب في العالم ليمرر برامجه، وهو الآن بإلحاحه على إيران وتسلحها النووي انما يهدف إلى تهميش ما يجري في فلسطين وهكذا يستطيع أن يواصل مشروعه الاستيطاني بمعزل عن أي شهود.
ويستشهد أفنيري بما قاله جدعون ساعد عن موقف أوباما من خطاب نتنياهو، فقد رأى أنه نجح إلى حد بعيد في صرف الانتباه عن الاستيطان وقال له أوباما: “العب بالمستوطنات كما تشاء أما إيران فاتركها من فضلك لكبار السن”.
الأمريكيون إذا ما تجاوزنا الاستطلاعات المسيرة والمسيسة يشعرون بأن نتنياهو قد يجرهم إلى كارثة، خصوصاً في هذه الأيام التي يشهد فيها الاقتصاد الأمريكي تحسناً إلى حد ما نسبة لما كان عليه قبل أشهر.
بالطبع لا تخلو معظم الكتابات من سطوة الرغائب، والإسقاطات سواء كانت نفسية أم سياسية، وقد يرى من يقرأ لأفنيري أنه يكتب ما تمناه، أو على الأقل يرجح وجهة نظر تروق له. فهو مثلاً يعرف جيداً أن أمريكا أوباما الآن ليست أمريكا ايزنهاور والمستر دالاس قبل ما يقارب الستة عقود، فما قاله أوباما عن الأمن المقدس والتحالف الأبدي وتسخير كل ما تستطيعه واشنطن لحماية تل أبيب أمام “الايباك”، جعل أكثر من أربعين رئيساً أمريكياً سبقوه إلى يمينه وليس إلى يساره، وقد اعترف بذلك مزهواً عندما قارن نفسه بالرئيس ترومان الذي اعترف بالدولة الصهيونية بعد دقائق من إعلانها.
الحروب خصوصاً إذا كانت من هذا الطراز الاستباقي أو الإجهاضي لا تنفع معها لعبة اليانصيب أو التوقعات المبنية فقط على قرائن منطقية.
وثمة من حروب ما بعد الحداثة وهو الاسم الآخر لحروب الاستباق ما يقع دون أن يقع، وهذه ليست أحجية، فعندما وقعت حرب الخليج الثانية ووضعت أوزارها قال عالم الاجتماع بودريار في مقالة شهيرة “إن تلك الحرب لم تقع”، وهذا نمط آخر من منطق غير تقليدي وأحياناً يترقب الناس حروباً على وشك الاندلاع ليكتشفوا بعد فوات الأوان أنها قد وقعت بالفعل وأنهم من غنائمها وهم لا يدرون.
 صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات