عدوان غزة: اختبار قدرات حماس ورد مصر وتسويق القبة الحديدية

في مراجعة سريعة للأيام التي سبقت اغتيال الامين العام للجان المقاومة في غزة زهير القيسي، ورفيقه الأسير المحرر، محمد الحناني، وما رافق الاغتيال من تصريحات اسرائيلية، يظهر بوضوح ان ثلاثة أسباب اساسية وقفت خلف مبادرة اسرائيل للتصعيد الامني عند الحدود الجنوبية: الاول استبقت به اسرائيل الضربة والثاني كشفه وزير الدفاع، ايهود باراك، في بداية العملية، أما الثالث فتحدث عنه رئيس اركان الجيش وكأن غزة حقل تجارب لإسرائيل.
في حملة التحريض على حركة حماس التي روجت لها اسرائيل قبل يومين من اغتيال القيسي، تحدثت في شكل واضح عن ان حماس باتت تهدد امنها وأن تخطيطها المستقبلي يشكل خطراً حقيقياً على امن اسرائيل. وروج الجيش لتقرير استخباري جاء فيه ان الحركة تواصل تعزيز قدراتها العسكرية بالتزود بالمزيد من الأسلحة المتطورة، وبأنها ادخلت السنة الماضية سبعة أضعاف ما تزودت به من اسلحة عام 2010 ما زاد عدد الصواريخ بنسبة اربعين في المئة وعدد القذائف المدفعية بنسبة خمس وعشرين في المئة.
وروج الجيش لتدريبات جيشه على سيناريو مواجهات تحت الارض مدعياً ان الحركة تمتلك منظومة حربية وعسكرية تحت الأرض تشمل عشرات «الأنفاق القتالية» المرتبطة بالبيوت داخل القطاع، بعضها أنفاق معدّة لعمليات اختطاف جنود اسرائيليين وأخرى لنقل الأسلحة وتهريبها في الجنوب. وزادت اسرائيل في حملة تحريضها على حماس عند اعلانها ان الحركة تقوم بتشكيل خلايا مسلحة تعمل تحت اسماء مختلفة وتخطط لتنفيذ عمليات ذات نوعية عالية من سيناء ضد اسرائيل وتطمح الى النجاح في تنفيذ عملية اختطاف جنود اسرائيليين.
ولم تتأخر اسرائيل في التفاخر بقدرتها على «الردع والدفاع» واعترفت في شكل واضح بأنها هي التي بادرت الى هذا التدهور الامني باغتيالها القيسي. واستهل رئيس الحكومة، بنيامين نتانياهو، جلسة حكومته الاسبوعية التي عقدت على وقع اطلاق الصواريخ وصفارات الإنذار في الجنوب، بالتفاخر بتنفيذ جريمة اغتيال القيسي وتعامل مع مقتل ثمانية عشر فلسطينياً كمجرد ارقام. فلم يذكرهم ولم يقدم ولو اعتذاراً او حتى تبريراً لجريمة قتل اطفال وأبرياء من بينهم.
أما وزير الدفاع ايهود باراك، فقد كشف عن السبب الثاني الذي دفعه إلى هذا العدوان، وهو يتعلق بمنظومة الصواريخ المعروفة بـ «القبة الحديدية». وأكد ما نشر في وسائل الإعلام الاسرائيلية من ان وزارة الدفاع تريد من خلال ضربتها هذه ان تثبت ضرورة التزود بالقبة الحديدية التي «اثبتت قدرتها وقوتها على حماية السكان». ووفق المعطيات التي اوردها باراك، فإن «هذه المنظومة نجحت في الجولة الاخيرة في اسقاط تسعين في المئة من الصواريخ التي أُطلقت باتجاه مناطق اسرائيلية مأهولة بالسكان».
استعراض باراك هذا جاء موجهاً في الاساس الى الداخل الاسرائيلي، ليس لطمأنة السكان على قدرة الجيش على الحفاظ على امن الاسرائيليين فحسب، انما لدعمه في معركته مع وزارة المالية الاسرائيلية للحصول على المزيد في الموازنة العسكرية. ولم يذكر باراك في استعراض عضلاته ان اليوم الثاني من المواجهات كلف اسرائيل، من ناحية الدفاع بواسطة منظومة القبة الحديدية، اربعة ملايين دولار، على الاقل، حيث اطلقت المنظومة، حتى ساعات بعد ظهر اليوم الثاني، واحداً وأربعين صاروخاً بتكلفة مئة ألف دولار لكل صاروخ.
وبالنسبة الى باراك، فهذه الخسارة الكبيرة شكلت ربحاً في معركته حيث اعتبرها دليلاً على ضرورة زيادة الموازنة العسكرية. ولم يكتف باراك في الاعلان عن نصب منظومة رابعة خلال الشهر المقبل، بل راح يطرح طلباته للاستمرار في تعزيز قدرة جيشه على حماية السكان، وأعلن انه سيطرح للنقاش مجدداً اقتراح صناعة منظومة «العصا السحرية» المتعددة الطبقات واعتبارها مشروع «طوارئ قومياً»، وذلك لإلزام الجهات ذات الشأن المصادقة عليها وصناعتها.
وأما السبب الثالث لهذا العدوان، فقد كشفه رئيس اركان الجيش، بيني غانتس، عندما قال إنه أراد أن يتيقن من معرفة ما تملكه التنظيمات الفلسطينية من اسلحة واذا كانت بالفعل تزودت بصواريخ اكثر تطوراً من تلك التي استخدمتها سابقاً. وفي استنتاجه قال غانتس ان صواريخ «غراد» التي كانت تمتلكها حماس فقط باتت اليوم في حوزة فصائل اخرى تحملت مسؤولية اطلاق الصواريخ بينها «ألوية صلاح الدين» و «سرايا القدس». وتبين ايضاً ان بين الصواريخ التي اطلقت «الكاتيوشا» التي يمكن ان تصل تل ابيب.
وإزاء هذه الوقائع عن اهداف العدوان الاسرائيلي على غزة كتب أليكس فيشمان، الصحافي المعروف بعلاقاته القوية مع القيادتين الامنية والعسكرية، تحت عنوان «تصعيد مدبر» ، «ان الجيش نصب كميناً لحماس وقام سلاح الجو باستعدادات مسبقة عندما نصب بطاريات القبة الحديدية المضادة للصواريخ وغطى سماء غزة بمختلف أنواع الطائرات، فجاءت النتائج مطابقة لهذه الاستعدادات. وبصراحة قال فيشمان: «التصعيد في غزة موجه في الأساس للضغط على حكومة حماس، ووضعها أمام معضلة مزدوجة، إذ سيكون عليها وهي تسعى حالياً إلى الظهور كجسم سياسي براغماتي، أن تقرر ما إذا كانت تملك القدرة والإرادة الضروريتين لكبح جماح الجهاد الإسلامي التي باتت تهدد هيمنة حماس في القطاع». وفي الوقت نفسه، فإن اسرائيل بعثت برسالة واضحة لحماس عبر هذا التصعيد بأن لا حصانة لأي قيادي منها وبأنها لن تقبل ان تتحول غزة الى نقطة انطلاق للعمليات عبر سيناء.
إسقاط حماس هو واحد من الاهداف التي دعا اليها معظم وزراء حكومة بنيامين نتانياهو. وزير الخارجية، افيغدور ليبرمان قال في شكل واضح انه لن يوافق على عملية اجتياح محدودة لقطاع غزة. وقال إنه لن يؤيد الاجتياح إلا إذا وضعت له الحكومة هدفاً سياسياً واضحاً هو الانتهاء من حكم حماس. وقال إن «اسقاط حماس هدف اتفق عليه عند تشكيل الائتلاف الحكومي الحالي كأحد البنود الأساسية وجزء من الخطوط العريضة لسياسة الحكومة».
وزير الشؤون الاستراتيجية موشيه يعالون كان اكثر فظاظة عندما وجه تهديداً مباشراً باغتيال مزيد من قادة التنظيمات الفلسطينية في غزة. وقال: «بالنسبة الينا، فإن هؤلاء يمشون اليوم وهم ميتون فلا يوجد أحد في قطاع غزة يتمتع بالحصانة». ورمى يعالون الكرة الى ما بعد شباك مرمى حماس لتصل الى مصر وقال: «التصعيد او الهدوء مرتبطان بالجانب الفلسطيني، أما النظرية التي خرج بها البعض وتقول ان الوضع الجديد بعد الثورة في مصر يكبل يد اسرائيل فهي نظرية فاشلة وما حدث في القطاع اكبر دليل.
وقال: «في جولات التصعيد الماضية لعبت مصر دور الوسيط ونحن لا نجري مفاوضات مع حماس المسؤولة عما يجري في قطاع غزة، فنحن نريد ان نوصل رسالة واضحة للغاية إذا واصلتم إطلاق النار فسنطلق النار عليكم وإذا ما أوقفتم إطلاق النار فسنوقف إطلاق النار، وأضاف بلهجة متعجرفة: «لا نخشى من أن تمس جولة التصعيد الحالية باتفاقية السلام مع مصر.
هذه الاصوات الاسرائيلية داخل الحكومة ووجهت بتحذيرات من جهات اسرائيلية عدة. والاعتراف بمبادرة وتخطيط اسرائيل لهذا التصعيد انما اشعل النقاش الداخلي حول مدى نجاعة هذا القصف وهناك من حسم من جهة الرافضين للعدوان الاسرائيلي على غزة ومواصلة الاغتيال بأن تصفيات كهذه لن تمس بقدرة التنظيمات الفلسطينية ودوافعها.
وساند هؤلاء موقفهم بمعطيات ووقائع منذ عملية «الرصاص المصبوب» (الحرب العدوانية على قطاع غزة سنة 2008 – 2009)، اذ ان الرد على التصفيات يأتي بالمزيد من الصواريخ وبينها صواريخ متطورة. لكن هذا النقاش ما زال في أوله، وقد يندثر قبل أن يتفاقم، لأنه يقتصر على الصحافة حالياً. ولم نسمع قائداً سياسياً واحداً يعارض العدوان.
الحياة، 16/3/2012
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

رفض حقوقي للخطة الأمريكية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام عبر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان عن رفضه التام للخطة الجديدة التي تروج لها الولايات المتحدة الأميركية، بالتنسيق مع دولة...

33 شهيدًا و94 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 33 شهيدا، منهم 29 شهيدا جديدا، و4 شهيد انتشال)، و94 إصابة، إلى مستشفيات غزة خلال...

أبو عبيدة: الإفراج عن الجندي الأسير عيدان ألكساندر اليوم الاثنين
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قرارها، الإفراج عن الجندي الصهيوني الذي يحمل...

16 شهيدا بينهم أطفال بمجزرة إسرائيلية في مدرسة تؤوي نازحين في جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مجزرة فجر اليوم الاثنين، بعدما استهدفت مدرسة تؤوي نازحين في جباليا البلد شمال غزة،...

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...