الخميس 08/مايو/2025

على طريق كسر القيد

على طريق كسر القيد

لم تطوَ بعد صفحة الأسير الفلسطيني خضر عدنان الذي أمضى 66 يوماً في معركة الأمعاء الخاوية، التي قبل أن يوقفها إلا وكانت الأسيرة هناء الشلبي قد أطلقت العنان لإرادة الحرية النابضة في قلوب الفلسطينيين، بمعركة مشابهة لا يمكن إلا أن تكون أشد خطورة على حياة هذه الأسيرة التي أضربت عن الطعام في 16 فبراير/شباط الماضي، ولا تزال ماضية فيها، حتى تحقيق مطالبها، بعدما قالت لمحامية نادي الأسير الفلسطيني، إنها أقدمت على هذه الخطوة بسبب سياسة ما يسمى “الاعتقال الإداري”، وللمطالبة بإلغائها، واحتجاجاً على الاعتداء الوحشي والهمجي من جنود الاحتلال عليها لدى اعتقالها، وخلال التحقيق معها، وبعد سجنها مع سجينات جنائيات، ومن ثم عزلها أسبوعاً لإضرابها عن الطعام، وتأكيدها ألا خيارات متاحة لها إلا أن تقضي شهيدة أو يفك قيدها.
الإضراب المفتوح عن الطعام، وإن كان يحمل في طياته خطراً بالغاً على المُضرب، إلا أنه لا يمكن إلا أن يشكل أداة ضغط فعالة على الاحتلال وسلطات سجونه، ومخابراته التي تبرع في اختلاق وتلفيق التهم ضد الفلسطينيين، وسجّانيه الذين يتبارون في التنكيل بالأسرى والنيل من كرامتهم وإنسانيتهم، وقد ثبت أن الكيان غير مستعد لفك قيد أسير واحد من دون ضغط شديد، ومن دون معركة سلمية مفتوحة، سلاحها الأول والأخير الصبر.
هناء الشلبي مثال لكل فتاة فلسطينية ترفض الإهانة وصلف الجلاد، ونقطة مضيئة في سفر نضال الشعب الفلسطيني الطويل ضد الاحتلال الجاثم على صدره، وهي دعوة مفتوحة لأبناء الشعب الفلسطيني على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم السياسية والحزبية، لإعلاء الصوت ضد الاحتلال وسياساته وعدوانه، وللعرب والمسلمين والعالم الكبير، للالتفات إلى المأساة الإنسانية والكارثة الحقوقية، التي يعانيها الفلسطينيون، وللعمل على استخدام الأدوات المتوفرة كافة، للضغط على الكيان وحلفائه في العالم، وحمله على وقف جرائمه المتواصلة.
ما إن أطلقت هناء إضرابها، حتى شاركها والدها من خارج القضبان المعركة، التي باتت تشكل خطراً محدقاً على حياته، والآن ينضم الأسرى الفلسطينيون تباعاً إليها في حرب مفتوحة على الاحتلال المارق، وسلطات سجونه وممارساتها التعسفية، ضاربين مثالاً يحتذى في التضامن من داخل معتقلاتهم، لا يمكن إلا أن يشكل ناقوساً للجالسين خارجها، الغارقين في التفاصيل، والمنهمكين في محاولات لم الشمل وإنهاء الانقسام، وبالتوازي معها معارك التصريحات والتراشق الإعلامي، من دون أي إنهاء فعلي لأي ملف عالق.
تضامن الأسرى لا يحمل لوناً ولا راية حزبية، ولا مصلحة فئوية، بل يحمل رسالة الفلسطيني إلى الداخل المحتل “إسرائيلياً”، والخارج الغارق في السبات، أو اللاهث خلف رضا الكيان. مفادها أن قضية الأسرى لا بد أن تأخذ اهتماماً يتناسب مع حجمها وأهميتها.
وأمام هذه الخطوة التي بدأت تأخذ منحى تصاعدياً، وشكلاً جماعياً، ليس لنا إلا رفع القبعات احتراماً لنضالات الفلسطينيين داخل الأسر وخارجه، وإشهار الأحذية لسادية الاحتلال وإرهابه بحق الشعب الفلسطيني، ودق أجراس الإنقاذ للمتخاصمين المنقادين خلف “شيطان التفاصيل”، الذين يجب عليهم الإسراع بإتمام المصالحة، والتوقف عن التلكؤ، وحساب الأمور بميزان المصالح الحزبية، وتراشق وكيل الاتهامات المتبادل، الذي إن دل على شيء، فإنما يدل على الأرجح، على رغبة خفية من هنا وهناك لإطالة أمد الانقسام، وإبقاء الحال على ما هو عليه.
الأسيرة هناء ومن قبلها خضر، ومن قبلهما كثيرون، ومن بعدهما أيضاً كثر، خاضوا ويخوضون وسيخوضون المعركة المفتوحة ضد الاحتلال، على أمل بأن تصل الرسائل التي يحملها إضرابهم إلى “من يهمهم الأمر”، فهل تصل يا ترى؟
[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات