الجمعة 09/مايو/2025

نتنياهو إذ يستحضر الأسطورة والتاريخ

نتنياهو إذ يستحضر الأسطورة والتاريخ

أوصل رئيس الوزراء الإسرائيلي حملته التحريضية ضد إيران ذروتها في الخطاب الذي ألقاه أمام اللوبي اليهودي الأمريكي “الآيباك”، فالرجل لم يُبق أسطورةً أو واقعةً تاريخية، إلا واستحضرها لإقناع (اقرأ ابتزاز) محدثيه ومضيفيه، بالحاجة لشن حرب على إيران، يريد لها نتنياهو أن تأكل الأخضر واليابس.
عَرَضَ لإحجام الإدارة الأمريكية عن توجيه ضربات جوية لمعسكرات الاعتقال النازية “أوشفيتس” في العام 1944، مُحملاً الولايات المتحدة، بصورة غير مباشرة، وزر المحرقة النازية، وفي إشارة سعى من ورائها لوضع الإدارة الحالية في موقع الإدارة تلك، وإيران الإسلامية في مكانة ألمانيا النازية، محذراً من أن تردد الولايات المتحدة عن ضرب إيران، قد يفضي إلى وقوع كارثة أو محرقة يهودية جديدة قبل أن يستدرك بالقول إن “إسرائيل” لن تسمح بذلك، وأن الولايات المتحدة تعترف بحق “إسرائيل”. في الدفاع عن نفسها بنفسها.
بدا “جنرالاً” في بزّة مدنية وهو يتوعد إيران بـ”الويل والثبور وعظائم الأمور” إن هي قررت امتلاك القنبلة، بضوء أخضر من واشنطن أو من دونه، وعندما أعيته الوقائع المعيشة التي تؤكد قدرة “إسرائيل” على تنفيذ وعدها ووعيدها، لجأ إلى أسطورة أستير، المرأة اليهودية التي نجحت في وقف الموت القادم من بلاد فارس، في إسقاط تاريخي يراد به إظهار أن “حرب الإبادة” التي بدأت قبل ألفين وخمسمائة عام، ما زالت مستمرة.
لقد كان خطاباً دعائياً وتحريضياً من طراز رفيع، استثار فيه الرجل غرائز وعواطف ومكامن القوة والضعف عن الجمهور الأمريكي، وبدا لمستمع مثلي، أن بينيامين نتنياهو وليس باراك أوباما، هو من يحكم “إسرائيل”، لقد بدا أقرب ما يكون لخطاب النصر على مُضيفه الأمريكي، لكأن الرجل انتزع ما أراد في زيارته المفصلية للولايات المتحدة.
وأحسب أن نتنياهو أراد الحصول على اعتراف أمريكي بـ”حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بنفسها”، وكان له ما جاء من أجله، والدفاع هنا يشتمل على شن حرب استباقية لمنع إيران من امتلاك القنبلة، أو حتى الاقتراب منها، وهو وإن كان “ساير” الرئيس أوباما بقبوله المشروط، استمرار اعتماد الدبلوماسية في معالجة الملف النووي الإيراني، إلا أنه لم يفعل ذلك إلا بعد نجح في ابتزاز العالم برمته، لفرض أشد العقوبات على إيران، ومما هو ليس مسبوقاً في تاريخ العقوبات الدولية، ومن دون أن تسحب واشنطن الخيار العسكري ضد إيران، من التداول.
لقد صار واضحاً، أن جلّ ما تريده إدارة أوباما من حكومة نتنياهو- باراك- ليبرمان، هو أن تباغتها بتوجيه ضربة عسكرية منفردة ضد إيران قبل الانتخابات المقبلة، حيث يكون رئيس الدولة الأعظم في أضعف حالاته، ولا أدري إن كان نتنياهو قد أعطى زعيم البيت الأبيض هذه الورقة أم أنه استبقاها في جيبه، للاستخدام أو الابتزاز، كما أننا لا ندري بعد، ما إذا كان نتنياهو قد نجح في قراءة ردة الفعل الأمريكية في حال تعرضت “إسرائيل” لهجوم إيراني رداً على قيام طائراتها بقصف منشآت نووية إيرانية، هل ستُفَعّل واشنطن سياسة الدعم “المقدس” لحليفتها المُدللة، أم أنها ستتركها تدفع ثمن حماقتها وحدها؟!.
أياً يكن من أمر، فإن أهمية خطاب نتنياهو أمام الآيباك لا تكمن فقط فيما قاله الرجل وأتى على ذكره، بل وتجلت أيضاً في ما لم يقله ولم يرد على لسانه كذلك، وهو كما هو معروف، لم يقل كلمة واحدة عن الاحتلال الإسرائيلي لأرض الفلسطينيين وحقوقهم، وهو لم يتحدث عن السلام والمفاوضات وحل الدولتين، هو تجاهل وجود مشكلة فلسطينية واكتفى بإطلاق صيحات التفوق الأخلاقي والقيمي والديمقراطية للدولة التي قال إنها الوحيدة في المنطقة، التي تشارك الغرب “منظومته القيمية”.
إيران، وإيران وحدها، هي مبتدأ جملة نتنياهو وخبرها، هكذا كان في خطابات حملته الانتخابية قبل ثلاث سنوات، وهكذا هو اليوم، مع فارق رئيس واحد هو أن الرجل بدأ يستعد لمغادرة منصات الخطابة إلى منصات إطلاق الصواريخ.
في هذه المناخات، لا أدري إن كان زعيم اليمين القومي الموغل في التشدد والغلو، سوف يجد فسحة من الوقت لقراءة الرسالة التي من المنتظر أن يحملها موفدو الرئيس عباس إليه في غضون الأيام القليلة القادمة، فالمسألة الفلسطينية ليست على أجندة الرجل، في المدى المرئي على الأقل، وعلى الفلسطينيين والعرب أن يتصرفوا على هذا الأساس.
صحيفة الدستور الأردنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات